من الجميل أن يكون للمرء صوت واضح لا يقبل التأويل فيما يخص القضايا التي تعنى بالإنسانية. أن يعرفه الآخرون بمواقفه، وصوته وضميره الحي. أن يكون لحضوره بصمة وأن يترك أثراً أينما يذهب ليكون شاهداً على عصره.
الشاعرة والفنانة إيمان أسيري لم تكن بعيدة عن هذا. لها من المواقف والأفعال ما تفصح عنه سيرتها منذ البدء، وما المعرض الأخير الذي أقيم في مشق للفنون إلا واحد من هذه المواقف.
أسيري التي طالما مثّلت السلام حتى في ابتسامتها الدائمة على محياها، في نبرة صوتها وطريقة حديثها، وفي سلامها على من حولها، لا يمكن إلا أن تكون مع السلم ضد الحرب، مع المحبة ضد الكراهية، مع الضوء ضد الظلام، وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون مع الحياة ضد الموت.
في معرضها «جنون» اختارت أسيري لوحاتها التي رسمتها بألمها منذ العام 2010 بعد سلسلة الحروب التي دمّرت براءة العالم، ثم أضافت عليها لوحات جديدة أنجزتها في العام 2013 لتعبّر عن ألمها الذي يكبر بداخلها كما عبّرت حين سُئِلت عن لوحاتها، وآثرت أن تعلّق هذه اللوحات على أسلاك شائكة من غير برواز، إذ أرادتها أن تتناسب وقصاصات الأخبار التي نسمعها ونقرأها، ومن ثم نلقيها لتنسى ما احتوته من دماء وقتلى ودمار. كانت ألوان لوحاتها تشي بما تخلّفه الحروب فقد اختارت الأحمر والأسود والأصفر وهي ألوان الدمار والدم والغبار والحداد.
ولم تكن أسيري بعيدة عن هذا الجو في أعمالها التي أنجزتها ضمن «بينالي مجاز للشعر»، والذي أقيم في مشق للفنون أيضاً بمناسبة اليوم العالمي للشعر؛ إذ اختارت أن تنفّذ عملاً تركيبياً كان شاهداً على القتل والدمار الذي تخلّفه الحروب أيضاً، فبنت البيوت من الكارتون وأخرجت منها دمى مبعثرة ومنصبغة بلون الدم والسواد، وخطّت نصوصها التي تندّد بالحرب والقتل وهي تنزف ألماً.
هذا التناغم بين ما أنجزته أسيري في الفعاليتين وبين ما تعبّر عنه في اليومي والمعتاد من حياتها يجعلنا نطمئن أن المثقف مازال قادراً على رفع صوته أمام الدمار، وأن الشاعر لابد أن يكون صوتاً للعالم من خلال كتابة صوته الذي ينحاز للإنسانية والسلم والحب، وهو نفسه ما يجب أن تتبناه ريشة الفنان وحنجرة المغني وقلم الكاتب ونوتات الموسيقي.
وبرغم صعوبة أن يكون للمرء موقف مشرف،و خصوصاً في عالمٍ مجنونٍ بات الضمير فيه ملاحقاً، والصوت النقي مشوشاً، إلا أن أسيري مازالت مثالاً للمثقف الحي بقلبه وضميره وصوته.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4949 - الجمعة 25 مارس 2016م الموافق 16 جمادى الآخرة 1437هـ
مدرستي العزيزة ايمان لك مني كل تحية
اتذكر هدوئك وابتسامتك الساحرة وانتي ترمقيني بطرف عينيك
كنت طالبتك من مدرسة السنابس العدادية
دمتي بسلام