قال الشيخ محمد صنقور في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، أمس الجمعة (26 مارس/ آذار 2016)، في تأبينه لسماحة العلامة السيدجواد الوداعي: «كان سماحة السيد يفيض عطفاً وشفقةً وحباً للناس».
وفي خطبته، قال صنقور: «إنا لله وإنا إليه راجعون، أحسن الله لكم العزاء بمصابكم بفقد سيدنا الجليل السيدجواد الوداعي (قدس الله روحه الزكية) الذي كان مثالاً للعالم الرباني في هديه وسمته وسكونه ووقاره وتقواه وشدة حريجته في الدين. كانت طلعته تذكر بالله تعالى، وكان بهاء وجهه ينبأ عن طويةٍ قد غمرتها السكينة، واستحكم فيها اليقين فصارت مستودعاً للاعتزاز بدين الله، وذلك هو سر ما عرف عنه من الإكبار لفرائض الله جل وعلا وحرصه على إقامتها على أحسن ما يقدر عليه، وهو سر حرصه على الالتزام بما ندب إليه الرسول (ص) وأهل بيته (ع) من نوافل وأذكارٍ وأورادٍ وتلاوةٍ لكتاب الله تعالى، ذلك هو ما كان يميز هذا العبد الصالح».
وأضاف متحدثاً عن الوداعي «كان في الوقت ذاته شديد الحرص على نشر علوم أهل البيت (ع) وذلك هو منشأ تأسيسه لحوزة الإمام الباقر (ع) وهو منشأ احتضانه لطلاب العلوم الدينية والاحتفاء بهم والسؤال عن أحوالهم والرعاية لشئونهم بما يسعه، وهو منشأ دعمه للمشاريع التعليمية، وكذلك فإن حرصه على نشر علوم أهل البيت (ع) هو ما كان يدفعه لعقودٍ طويلةٍ للتصدي دون كللٍ ولا سأمٍ للتعليم والتوجيه والإجابة عن الأسئلة التي كانت ترده من مختلف مناطق البحرين، وكذلك فإن هذا الحرص هو ما كان يدفعه لإقامة صلوات الجماعة بنفسه وبتوجيهٍ منه لطلابه، وهو ما كان يدفعه للعمل الدؤوب على إيقاف الناس أثناء إقامة الجماعات على هدي أهل البيت (ع) وما كانوا يندبون إليه».
وتابع صنقور «كان سماحة السيد يفيض عطفاً وشفقةً وحباً للناس، ولذلك كان شديد الصلة بهم، حريصاً على مشاركتهم أفراحهم ومواساتهم في أحزانهم، وكذلك فإن ما يفيض به قلبه من حنانٍ ورحمةٍ هو ما كان يدفعه للحرص على مؤازرة فقرائهم بما كان يملكه من جاهٍ وبما كان يصير في يديه من وجوه البر. وكان لشعوره بالرأفة والحب للناس أبلغ الأثر فيما كان يتجلى في مواقفه المساندة لحقوق الناس، فلم يكن يعبأ بما قد يجر عليه ذلك من متاعب، لأنه كان يجد الرضا لربه والراحة لضميره في المؤازرة والمساندة لحقوق أبناء بلده، وذلك هو ما كان يدفعه للتغاضي عن كل ما قد يكلفه ذلك من عنتٍ، كان رحمه الله تعالى ينطلق في مواقفه من رويةٍ وشعورٍ بالمسئولية الإلهية المناطة بمن هم في موقعه من علماء الدين، وكان يحسن الظن برفقائه من العلماء الأخيار وصوابية رؤاهم، ويعول في ذلك على فراسته فراسة المؤمن الذي ينظر بعين الله تعالى كما كان يعول في ذلك على معرفته الوجدانية بشديد إخلاصهم وبعد نظرهم ونفاذ بصيرتهم وحرصهم على أن يكونوا ما وسعهم في طاعة الله وفي خدمة دين الله تعالى، لا يصرفهم عن هذه الغاية صارفٌ، ولا يثنيهم عنها ما يكبر في أعين الناس أو يستهوي أفئدتهم، لذلك كله تناغمت مشاعرهم، فالأرواح جنودٌ مجندةٌ ما تعارف منها ائتلف، ولذلك أيضاً كانت مواقفه ومواقفهم متطابقة، لأنهم يحملون الهم الذي يحمله، فكان لمواقفه ومواقفهم أبلغ الأثر في حماية الحالة الدينية من الانحسار في حقبٍ كانت الصولة للفكر المضاد عاليةً، وكان لجهوده وجهودهم أحسن الأثر في تعميق الدين وشعائره في أفئدة وأوساط المجتمع، وكان لشجاعته وشجاعتهم أثرٌ بينٌ في درء مخاطر لم تكن لتدرأ، وجلب مكاسب لم يكن ليحظى بها الناس لولا حزمه وحزمهم وثباته وثباتهم. كان يشغله ويشغلهم دين الناس وحقوقهم، فذلك وحده ما يفسر كل مواقفهم، فهم لا يبحثون بمواقفهم عن مكسبٍ، ولا ينتظرون جزاءً بل يبحثون بما يفعلون عن عذرٍ يعتذرون به عند ربهم يوم يسألهم عن التكليف الذي أناطه بهم، فأبصارهم شاخصةٌ لذلك اليوم ولتلك المساءلة، والآخرون يحسبون أنهم يبحثون عما يبحث عنه الغافلون».
وقال صنقور مخاطباً الراحل العلامة الوداعي: «فليهنئك الرقاد يا بن الأمجاد بعد طول عناءٍ بذلته لربك ودينك وسيظل اسمك محفوراً في ذاكرة الأعقاب وأعقاب الأعقاب، فما آثرت على دينك وما طمحت فيما دون مرضاة ربك «إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون» تلك هي العاقبة التي نسأل الله تعالى أن يمنحها فقيدنا الذي أوجع قلوب المؤمنين رحيله. اللهم تغمد مثواه برحمتك، واجعل مستقره في جوارك، ولقه من عندك ما كان يأمله من قربك ورضوانك، وابعثه اللهم في ركب أوليائك ونجبائك الذين استخلصتهم لدينك وحبوتهم فضلك وكرامتك (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)».
وفي موضوع آخر، تحدث صنقور عن التفجيرات التي ضربت بروكسل، وقال: «إن التفجيرات الإرهابية التي ضربت بلجيكا في مدينة بروكسل هي جريمةٌ تعبر عن خسة من خطط لها ودناءة من قام بتنفيذها كما هو الشأن في كل الأعمال الإرهابية التي يقترفها المتوحشون في العديد من البلدان الإسلامية، فليس من مبررٍ أياً كان وزنه يغسل هذا العار عن هذه الفئة الضالة، إذ لا شيء يبرر الغيلة والفتك بالأبرياء، ومجرد انتمائهم لغير الدين الذي ننتمي إليه لا يصحح شرعاً ولا عقلاً ولا إنسانياً السفك لدمائهم والتمزيق لأشلائهم، إن هؤلاء المتوحشين يقطعون بجرائمهم البشعة والمستقبحة طريق الهداية إلى دين الله تعالى، إن دين الإسلام هو دين التسامح والسلام ويدعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد قال الله تعالى يصف السبيل المفضي للقبول بدين الله تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) فالدعوة إلى الله تعالى إنما تكون بعرض القيم الإسلامية التي تعشقها القلوب بمقتضى طبعها الإنساني، والدعوة إلى الله تعالى إنما تكون بالبراهين التي تستمرؤها العقول بمقتضى فطرتها الإنسانية، ذلك هو مؤدى قوله تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم)».
العدد 4949 - الجمعة 25 مارس 2016م الموافق 16 جمادى الآخرة 1437هـ