بعد أربعة عشر عاماً من إعلان الولايات المتحدة الأميركية الحرب على أفغانستان، يكتب الباحث انتوني كوردسمان من "مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية" مقالاً تحليلياً عن الحرب التي توشك ان تكون "منسيةً" في أفغانستان، متسائلاً عن جدوى استراتيجية أوباما الحالية، وما يمكن أن يخلفه من تركة ثقيلة للرئيس أو (الرئيسة) الذي سيخلفه في البيت الأبيض مع نهاية العام الحالي.
يقول كوردسمان إن عدم تركيز إدارة أوباما على حرب أفغانستان، يظهر جلياً في عدم إدراجها على قائمة "القضايا الأساسية" العليا، على موقع وزارة الدفاع. كما أنها لم تحظَ بالإشارة على موقع البيت الأبيض الرسمي، إلا فيما ورد بالقسم الخاص بـ"الدفاع"، عند الإشارة إلى "الاستراتيجية الجديدة" للرئيس بخصوص باكستان وأفغانستان، وصلاحية نشر 33 ألف جندي في أفغانستان، التي يعود تاريخها إلى 27 مارس/ آذار 2009، وورودها في وثيقة أخرى للبيت الأبيض تعود إلى 27 مايو/ آيار 2004، بعنوان: "الحرب الأميركية في أفغانستان: نحو نهاية مسؤولة".
ميزانية وزارة الدفاع للعام 2017 تضمنت بنوداً منفصلةً عن الحرب، كما تضمنت ميزانية وزارة الخارجية طلبات تمويل للعمليات في الخارج، ولكن لم يكن هناك قسمٌ خاصٌ بحرب أفغانستان، كما لم تتضمن إلا القليل عن استراتيجيتها والأهداف التي تسعى لتحقيقها هناك. وكان من الواضح إشارات الرئيس فيما يخص تقليص الوجود العسكري قدر الإمكان، حيث كان في خطته تخفيض عدد الجنود من 9800 في نهاية 2015، بمعدل النصف، بحيث يصبح الوجود عادياً بتواجد السفارة في كابول مع نهاية 2016، مع وجود أمني للمساعدة، كما فعلنا في العراق. وخلال 2014، كانت بعثة الجنود تتولى تدريب القوات الأفغانية ودعم عمليات مكافحة الإرهاب ضد بقايا تنظيم "القادة".
إن خطة الانسحاب هذه وُضعت لتلبية أهداف السياسة قبل سنوات من الانسحاب الحقيقي. وهو انسحابٌ لم يجرٍ ربطه واقعاً، بالحقائق الموجودة على الأرض، أو فعالية القوات الحكومية الأفغانية في مواجهة تهديدات "الطالبان" أو "داعش"؛ أو الإصابات التي تلحق بالقوات الأفغانية، ومستوى الأمن الذي يتوفر للشعب الأفغاني.
ويقول كوردسمان إن الولايات المتحدة قلّصت الإنفاق العسكري على القوات العاملة في الخارج، فبعد أن كانت تبلغ 114 مليار دولار في 2011، تم تخفيضها إلى 44 ملياراً في 2016، وطالبت الإدارة بـ42 ملياراً فقط للعام 2017، جزءٌ صغيرٌ منها يذهب إلى أفغانستان. كما قلّلت عدد القوات العسكرية من 98 ألفاً في 2011، إلى 10 آلاف فقط في 2015، في محاولةٍ لتشكيل قوات جيش وشرطة أفغانية فعالة، بعيداً عن البنية الحكومية التي تعاني من الضعف والفساد.
ورغم ذلك، لم تترك الإدارة الأميركية بعد 2014 ما يكفي من العسكريين لتقديم المشورة والتدريب المطلوبين للقوات الأفغانية. لقد اهتمت فقط بتقديم مروحيات معدودة للطيران الأفغاني، وهو دون ما قدّمته للقوات العراقية من مساعدة جوية أساسية أثبتت فعاليتها ضد أعداء أضعف وأقل خبرة مثل "داعش". كما قلّلت عمليات الرصد والمراقبة والاستخبارات، بمعدل النصف، وعمليات النقل الجوي إلى الصفر، ولم يتم زيادة تقديم الأسلحة رغم ارتفاع عدد الإصابات بين المدنيين أو الجنود الحكوميين في 2015، وزيادة تمدد "طالبان" على أراضٍ جديدة. ولم يتم زيادة المساعدات إلا بعد أن وقعت القوات الحكومية في أوضاع ومشاكل صعبة.
ويشير الكاتب إلى أن بعض أعضاء الإدارة الأميركية يرونها حرباً جيدة، إلا إن إدارة أوباما نفسها كانت تريد أن تتجاوزها لتضعها خلف ظهرها. ولم يقتصر الأمر على سحب أغلبية القوات، الذي أدّى إلى تدهور حاد في الأوضاع الأمنية، بل إن الوجود العسكري بسبب محدوديته، لم ينجح في تشكيل القوات الأفغانية وتعزيزها بدرجة تضمن لها تحقيق النصر. وذلك لا يعني –كما يقول كوردسمان- العودة إلى الاستراتيجية السابقة وعدد القوات العسكرية الكبير، فهو خيارٌ ولّى، ولكنه يقترح تقديم العدد المتكامل من المستشارين، والتعزيزات الجوية لمواجهة حالات الطواريء، للمساعدة في تقوية الوحدات الأفغانية.
إن ربط أية انسحابات مستقبلية بنجاح القوات الأفغانية، بدل ربطها بمواعيد اعتباطية، سيبطّيء من عملية الانسحاب ويؤجلها إلى الإدارة الأميركية الجديدة، فضلاً عن الفرصة التي سيمنحها للقوات الأفغانية للقتال. والأمر نفسه بالنسبة إلى نشر قوات جوية كافية بحيث تربك خطط "طالبان" للتغلب على القوات الحكومية. ويرى كوردسمان أن هذه ليست أفكاراً جديدة، وإنّما هي بعض نصائح وجّهها بعض الضباط العسكريين الكبار للرئيس أوباما، عندما وضع خطته للانسحاب. ومثل هذه التغييرات مهمة لسببين إضافيين: الأول أنها تمنح خطة أوباما في الاعتماد على قوات محلية بدل الاعتماد على نشر القوات الأميركية، الفرصة الكافية للاختبار... فنشر قوات أميركية ضخمة لا يمكن أن يكون الجواب على كلّ مشكلة أمنية كبرى تحدث في العالم، وإنما تحتاج الولايات المتحدة إلى بدائل عملية.
والسبب الآخر أن الرئيس المقبل يحتاج إلى فرصةٍ لاتخاذ قرارات حقيقية عن مستقبل أفغانستان والحرب فيها، فتخفيض عديد القوات الأفغانية بصورة كبيرة قبل استقراره في المكتب البيضاوي، سيضع بين يديه أسوأ انطلاقة ممكنة: "الهزيمة" التي ليس أمام الرئيس الأميركي الجديد فرصةً لتجنّبها، نتيجة وضعٍ لا يمكن تصحيحه.