في ثمانينات القرن الماضي، وعندما كان الدَّم يسيل في الهارثة ودارخوين، والشرش وجميان وغيرها من مناطق عراقية وإيرانية خلال حرب الثماني سنوات كان هناك رجالٌ من عُمان يتنقلون ما بين بغداد وإيران، ويُجالسون صدام حسين وهاشمي رفسنجاني. سألوهم: ماذا تريدون أيها العُمانيون؟ قالوا: نريد لهذه الحرب المدمّرة أن تضَعَ أوزارها. وما أهدافكم؟ قالوا: ليس لنا من هدف سوى أن تقف؛ لأنها تُضعِف العرب وتُذهِب بريح المسلمين.
قال لهم صدام: إذهبوا للإيرانيين وتحدثوا نيابة عن العراق بلا قيود. ذهبوا إلى طهران، فقال لهم رفسنجاني ذات الأمر وكلاماً وصفوه بـ»العاقل». حينها، أخذ العُمانيون من التفويض ما يجعلهم قادرين على فعل شيء ما. تم الاتصال بالأمين العام للأمم المتحدة آنذاك خافيير بيريز دي كويلار الذي عَجِزَ ومنذ العام 1982 أن يُشبِك يداً عراقية بأخرى إيرانية لتبدأ المؤسسة الأممية تفعيل ذلك. لقد لَمْلَمَ له العُمانيون شيئاً من الشتات السياسي في البلدين، وأصبحت الظروف جاهزةٍ لأن تسكت المدافع في الجبهات، وهكذا كان.
بعدها ببضع سنين، كان للعمانيين دورٌ في وَصْل ضفّتَيْ الخليج ببعضها: المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. بعد سنتين ونصف السنة من القطيعة، وبالتحديد في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 1990 التقى وزيرا خارجية البلدين (الأمير سعود الفيصل وعلي أكبر ولايتي) في نيويورك، وناقشا أمر إعادة العلاقات بين البلدين. وبعد 10 أشهر أرسلت الرياض نائب وزير خارجيتها للشؤون السياسية لطهران، هي الأولى لمسؤول سعودي منذ سنة 1988.
وفي ديسمبر 1991 وخلال القمة الإسلامية في العاصمة السنغالية دكار، التقى المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد بالرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني على هامش القمة. وكان ذلك اللقاء، هو الذي مَدّ في العلاقات أكثر، لينعكس تالياً على كل الأوضاع في الخليج العربي، والذي كان للعمانيين فيه دور كذلك، حين ساهموا في إيقاف كرة الخلاف المتدحرجة.
في ساحة أخرى من هذه المنطقة، وقبل أن تستعر حرب الـ 64 يوماً في اليمن، توسّط العُمانيون بين الرئيس ونائبه آنذاك (علي عبد الله صالح وعلي سالم البِيض) واستقبلتهما أرض عُمان في أبريل 1994، وذلك لتحاشي الحرب، وإمكانية النقاش حول الدولة بعد الخلاف على قضايا الاندماج. استطاعت الوساطة العمانية أن توقِف أحداثاً دامية كادت أن تقع في ذمار ومعسكر باصهيب. وعندما حصل الخلاف وباتت وثيقة العهد الموقعة بين الجانبين شبه منتفية، وتفجّر الصراع لِيَلتَهِم اليمن كله، ظلت مسقط على مساعيها لتعزيز السلم. فاستضافت نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البِيض مُعززاً مُكرماً وبحظوة أهل الحكم ليعيش فيها ويستقر اليمن.
وفي ذات الفترة، تحرَّك العُمانيون نحو ملف أعقد وأكثر تشابكاً هذه المرة، يجمع بين قوتين، واحدة عالمية وأخرى إقليمية: الولايات المتحدة الأميركية وإيران. استثمرت مسقط وجود الديمقراطيين في البيت الأبيض بواشنطن، والإصلاحيين في القصر الجمهوري بطهران كي يلتقيا. استمرت هذه المساعي إلى حيث الإدارة الحالية، وبصمت وصبر نادريْن.
وصلت الأمور إلى ذروتها عندما احتضنت إحدى الفلل الفاخرة على شواطئ مسقط لقاءات ونقاشات سرية بين مسئولين إيرانيين على مدى شهور. كان مارس من العام 2013 نقطة فاصلة في تلك المباحثات، حيث أنتجت كل جولات النقاش الأميركي الإيراني السرّي، أجواءً إيجابية للاتفاق على ما هو أكبر: إنه الاتفاق النووي، بين إيران والدول الست الكبرى، وهو ما حصل فعلاً.
الآن دعونا نتفكر جيداً. توقفت الحرب العراقية الإيرانية فعاد السلام إلى مليونين و 100 كيلومتر من الأرض هي مجموع مساحة العراق وإيران. توقفت الحرب فأصبح 100 مليون من العراقيين والإيرانيين يعيشون في أمن وسلام. توقفت الحرب فقلّّ التوتر في المنطقة، الأمر الذي انعكس على لَجْم الاصطفافات العرقية والطائفية والسياسية فباتت 14 مليون كيلومتر على خط التنمية.
في بداية التسعينيات، عادت العلاقات السعودية الإيرانية، فأصبح ثلاثة ملايين كيلومتر من الأرض مستقراً. هدأ التوتر بين قطبَيْن أساسيين في الإقليم، فانعكس ذلك على كامل أرض الخليج العربي، وعلى 110 ملايين إنسان يعيشون في هذه المنطقة. بل ومهّد الأمر لتنسيق لاحق، في السياسة والاقتصاد (أزمة النفط سنة 1998 مثالاً). لقد أصبح ما يُشبه العقد السياسي الجديد، الذي أراح البلاد والعباد.
في أزمة العلاقات الأميركية الإيرانية، والملف النووي لطهران، كان العالم على شفير حرب حقيقة. لا يُعلَم هل يقوم بها الإسرائيليون أم الأميركيون، إلاّ أن طبولها لم تهدأ منذ 2002. جاء الاتفاق كي يُثقب منطاداً جوالاً مُحملاً بقنابل السياسة والأمن والعسكرتاريا ليهَوِي على الأرض ويتحطم. كان ذلك مريحاً للمنطقة التي لو اشتعل فيها الصراع لكان مُدمِّراً وبلا حدود.
ما أريد أن أصِل إليه، هو أن كل الصراعات تنتهي عادة إلى سلام وحلول. نبحث عن من يستطيع أن يجد لنا حلاً من بين كومة قشّ من الخلافات.
ويكون عرّاباً لذلك الحل، فالسلام يُحيي الأرض الموات ويرتق الفتق ويبني مستقبلاً واعداً، وبه أيضا يصل الناس وتصل الدول إلى قلوب وعقول بعضها بأسرع مايعتقد آخرون، وماذكرته أعلاه من تجارب هو خير دليل وبرهان.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4944 - الأحد 20 مارس 2016م الموافق 11 جمادى الآخرة 1437هـ
نسأل الله يديم الحكمة ورزانة العقل وهذا ليس بالغريب على عمان واهلها وتاريخها شاهد لذلك ...
تؤتى الامور لاهل الرأي ما صلحت
وان فسدت فبالاشرار تنقاد
لا يصلح الناس فوضى لاسراة لهم
ولا سراة اذا جهالهم سادوا
كلام حكيم.
البعض يصب الزيت غلى النار
هناك البعض ممن يصب الزيت على النار فإذا وجد بعض التنافر بين بلدين أو حكومة و شغب فإته يعمل بعكس ما يأمر به الله من السعي في الإصلاح و التقارب بل إته يسعى لزيادة الفرقة و يمد بعض الجهات بالسلاح و يتدخل يقوة السلاح بدل السعي في إصلاح ذات البين.
شكراً لعمان النموذج الحي من هذه الأمة أما البقسة فأموات أو يسعون في موت الاّخرين
الحكمة
ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا
بارك الله فيك أخي محمد على الطرح الجميل وإبداعك المميز في مواضيعك الجميلة..
وشكرا لكم أحبتي الأكارم على ردودكم وتفاعلكم الراقي..
تحياتي ومحبتي لكم..
وعاشت عمان الأبية وعاش قابوس السلام..
حفظه الله ورعاه وأعاده سالما معافى وألبسه الله ثوب الصحة والعافية.
ويشفي وجميع مرضى المسلمين..
العاقل من جمع عقول الناس ( تجارب ) الى عقلة
العجب العجاب كيف الانسان لا يتعض من تجارب الاخرين .
من قبل م يوم كتب احدهم عن تورط العراق في حربها 8 سنوات وذكر بان امريكا ورطت العراق .
كذلك ذكرت كلنتون وزيرة امريكا السابقة والمرشحه الحاليه للراسة في مذكراتها نحن الذين صنعوا داعش
الامريكان يعترفون بدون خجل وهذا ليس بجديد ولا اول مرة ولا آخره .
هنا الرشد والعقل كيف بنا نقع في نفس الحفرة 100مرة على مر التاريخ فتحدث حرب سوريا ، وليبيا ، واليمن ، لبنان ، ولولا اللطف الالهي واليقضة في تونس والجزائر لاحترق البلدين ؟؟؟؟،
شكرا عمان
كله هذا ولم نرى داعية واحدة للعمانيين بأنهم فعلوا وقاموا!!
لكم الجنة يا عمانيين
العقل والحكمة: في كتابنا ودستورنا القرآن الخطاب للعقلاء وأولي الألباب وذوي النهى واصحاب الحكمة.
هذه الصفات لم تعد متوفرة لدى الأمّة في هذه الأيام ولا صوت الا صوت أزيز الرصاص والشجاعة لا تقاس الا بما تملك الدولة من أسلحة الغرب واموال وثروات الشعوب.
وا أسفاه على أمّة فقدت الحكمة والعقل في إدارة شؤونها حتى اصبحت تدمّر ثرواتها بأيديها بل تخرب بيوتها بأيديها
النهاية المحتومة هي الحوار ولكن بعد ماذا؟ بعد خراب البصرة وبعد ان تنهك كل الاطراف وتحرق الاموال وتذر الثروات في الهواء كالرماد.
النتيجة المحتومة هي حل الامور بالحوار لكن متى يكون هذا الحوار؟
بلد الحكمة
الله يدوم عليهم الأمن والأمان
شكرا عمان
نتمنى على دول الخليج الاقتداء بعمان في مواقفها الداعمة للسلم ولم الشمل