شدد خطيب جامع الفاتح الإسلامي الشيخ عدنان بن عبدالله القطان في خطبته أمس الجمعة (18 مارس/ آذار 2016)، على أن «بر الوالدين فريضة لازمة، وأمر محتم، وهو سعة في الرزق، وطول في العمر، وحسن في الخاتمة».
وفي خطبته بعنوان «بر الوالدين والتحذير من العقوق»، قال القطان: «قضيةٌ كبيرة الشأن، غفَلَ عنها فئام من الناس، فلزِمَ التذكيرُ بها في كلَّ حين وآنٍ، إنها يا رعاكم الله قضيةُ برِّ الوالدين والإحسان إليهما أمواتاً وأحياءً، قُربةً ووفاءً، ذُخراً خالداً وجزاءً... إن النفوس قد جبلت على حب من أحسن إليها، والقلوب قد تعلقت بمن كان له فضل عليها، وليس أعظم إحساناً ولا أكثر فضلاً بعد الله سبحانه وتعالى من الوالدين. حيث قرن الله حقهما بحقه، وشكرهما بشكره، وأوصى بهما إحساناً بعد الأمر بعبادته، فقال سبحانه: (وَاعْبُدُواْ الله وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَـاناً) نعم عباد الله فلله سبحانه نعمة الخلق والإيجاد، وللوالدين بإذنه تعالى نعمة التربية والإيلاد. يقول عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آيات مقرونات بثلاث: لا تقبل واحدة منهن بغير قرينتها، يقول تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ)، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه. ويقول سبحانه: (وَأَقِيمُواْ الصَّـلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَـاةَ) فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه، ويقول تعالى: (أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه. فرضى الله في رضى الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين».
وأضاف القطان أن «إحسان الوالدين عظيم، وفضلهما سابغ وعميم، تأملوا رحمكم الله حال الصغر، وتذكروا ضعف الطفولة، وقولوا على الدوام: (رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً) حملتك أمك يا عبدالله في أحشائها تسعة أشهر، وهناً على وهن، حملتك كرهاً، ووضعتك كرهاً، تزيدها بنموك ثقلاً وضعفاً، وتحملها فوق طاقتها تعباً وعناءً، وهي ضعيفة الجسم واهنة القوى، وعند الوضع رأت الموت بعينيها، زفرات وأنين، غصص وآلام، ولكنها تصبر نفسها وتتصبر، وعندما أبصرتك بجانبها، وضمتك إلى صدرها، واستنشقت ريحك، سرعان ما نسيت آلامها، وتناست أوجاعها، رأتك فعلقت فيك جميع آمالها، رأت فيك البهجة والحياة وزينتها، وتحقيق أحلامها، ولسان حالها يقول: يا حبذا ريح الولد، ريح الخزامى في البلد، أهكذا كل ولد؟ أم لم يلد مثلي أحد!، ولا ينتهي التعب والعناء عند ولادتك، بل حتى بعد الولادة، حيث تنشغل الأم في خدمتك، ليلها ونهارها، تغذيك بصحتها، وتقويك بضعفها، طعامك لبنها، وبيتك حضنها، ومركبك يداها وصدرها وظهرها، تحيطك وترعاك، تجوع لتشبع أنت، وتسهر لتنام أنت، وتتعاهد جسمك بالغسل، وثيابك بالتنظيف، وإفرازاتك بالإزالة، لا يوماً ولا يومين ولا شهراً ولا شهرين، ولا سنة ولا سنتين، هي بك ليلها ونهارها في متاعب ومشاقّ، تخاف عليك رقة النسيم وطنين الذباب، وتؤثرك على نفسها بالغذاء والراحة، وأنت في حال طفولتك لا تعرف إلا أمك، وتحبها قبل كل أحد، فهي بك رحيمة، وعليك شفيقة... إذا غابت عنك دعوتها، وإذا أعرضت عنك ناجيتها، وإذا أصابك مكروه استغثت بها، تحسب كل الخير عندها، وتظن أن الشر لا يصل إليك إذا ضمتك إلى صدرها أو لحظتك بعينها، هذه هي أمك أخي المسلم، وهذه هي أمك يا أختي المسلمة. أما أبوك فقد تحملك وعانى من أجلك كثيراً، يكد ويسعى، ويدفع عنك صنوف الأذى، ينتقل في الأسفار. يجوب الفيافي والقفار، ويتحمل الأخطار، بحثاً عن لقمة العيش، ينفق عليك ويصلحك ويربيك. إذا دخلت عليه هش، وإذا أقبلت إليه فرح وبش، وإذا خرج تعلقت به، وإذا حضر احتضنت حجره وصدره، تخوف كل الناس بأبيك، هذان هما والداك، وتلك هي طفولتك وصباك، فلماذا التنكر للجميل؟ وعلام الفظاظة والغلظة، وكأنك أنت المنعم المتفضل؟!. فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الجهاد والهجرة أبتغي الأجر. قال: (فهل من والديك أحد حي)؟ قال: نعم بل كلاهما. قال: (فتبتغي الأجر من الله؟). قال: نعم. قال: (فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما)».
وأكد القطان أن «حق الوالدين عظيم، ومعروفهما لا يجازى، وإن من حقهما المحبة والتقدير، والطاعة والتوقير، والتأدب أمامهما، وصدق الحديث معهما، وتحقيق رغبتهما في المعروف، والإنفاق عليهما ما استطعت، اعمل ما يسرهما من غير أن يأمراك به، لا ترفع صوتك عالياً أمامهما، ولا تقاطعهما أثناء الكلام، ولا تجادلهما في أمر، وإذا كنت على يقين من رأيك فحاول أن تقنعهما بالحسنى والمعروف، فإن أصرَّا على رأيهما فلا تعاندهما ولو كانا على خطأ، لا تكذب عليهما، ولا تأخذ شيئاً لم يأذنا فيه، لا تفضل زوجتك وولدك عليهما، ادفع عنهما الأذى فقد كانا يدفعان عنك الأذى. لا تحدثهما بغلظة أو خشونة أو رفع صوت. جنبهما كل ما يورث الضجر: (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) تخير الكلمات اللطيفة، والعبارات الجميلة والقول الكريم. تواضع لهما، واخفض لهما جناح الذل رحمة وعطفاً وطاعة وحسن أدب، لقد أقبلا على الشيخوخة والكبر، وتقدما نحو العجز والهرم بعد أن صرفا طاقتهما وصحتهما وأموالهما في تربيتك وإصلاحك. تأمل حفظك الله قول ربك: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ) إن كلمة (عندك) تدل على معنى التجائهما واحتمائهما وحاجتهما، فلقد أنهيا مهمتهما، وانقضى دورهما، وابتدأ دورك، وها هي مهمتك: (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) لا تضجر منهما وإن أخطآ عليك، بل اصبر وتحمل وتجاوز واصفح، وتلطف بهما، وأطعهما واقض حوائجهما».
وأضاف القطان أن «العار والشنار والويل والثبور أن يفاجأ الوالدان بالتنكر للجميل، كانا يتطلعان للإحسان، ويؤملان الصلة بالمعروف، فإذا بهذا المخذول الشقي، قد تناسى ضعفه وطفولته، وأعجب بشبابه وفتوته، وغره تعليمه وثقافته، وترفع بجاهه وماله ومرتبته، يؤذيهما بالتأفف والتبرم، ويجاهرهما بالسوء وفحش القول، يقهرهما وينهرهما، بل ربما لطم بكف أو رفس برجل، يريدان حياته، ويتمنى موتهما، وكأني بهما وقد تمنيا أن لو كانا عقيمين. تئن لهما الفضيلة، وتبكي من أجلهما المروءة... يا أيها المخذول: هل حينما كبرا فاحتاجا إليك جعلتهما أهون الأشياء عليك؟! قدّمت غيرهما بالإحسان، وقابلت جميلهما بالنسيان. شق عليك أمرهما، وطال عليك عمرهما، بل ربما رميت بهما في دار للمسنين، حتى نسيت زيارتهما، أو ربما ألقيت بأحدهما على قارعة الطريق أو في حديقة من الحدائق العامة، أما علمت أن من بر بوالديه بر به أولاده، ومن عقهما عقوه، ولسوف تكون محتاجاً إلى بر أبنائك وبناتك، وسوف يفعلون معك كما فعلت مع والديك، وكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل».
وخاطب القطان المصلين قائلاً: «أيها الأخ المسلم، ويا أيتها الأخت المسلمة: يا من مات والداه أو أحدهما، وقد قصّر ببرهما في حياتهما، وندم على ما فرّط وخاف من عاقبة العقوق، اعلم رحمك الله أن باب الإحسان لهما مفتوح، وبإمكانك أن تدرك شيئاً ولو قليلاً من البرّ بعد موتهما، لعلّ الله تعالى أن يعفو عنك، ويُرضي عنك والديك، ومن ذلك الدعاء لهما بالمغفرة والرحمة، وزيارة قبريهما، والصدقة عنهما، والحج والعمرة عنهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما، وإنفاذ عهدهما».
وأوضح أن «البر بجميع وجوهه: زيادة في العمر، وكثرة في الرزق، وصلاح في الأبناء، فمن بر والديه بره أبناؤه. والعقوق خيبة وخسارة وخذلان. وقد قيل: إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقاً ليعجل له العذاب، وإن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان باراً ليزيده براً وخيراً».
ودعا القطان كل شخص إلى أن يعاهد الله تعالى، إن كان بينه وبين والديه خِصام أو خلاف، أن يصلحَ ما بينه وبينهم، ومن كان مقصِّراً في بر والديه، فليعاهد الله أن يبذل وسعه في بر والديه، ومن كان براً بهما، فليحافظ على ذلك، وإذا كانا ميِّتَين أو أحدهما فليتصدّق لهما، ويبرهما بدعوة صالحة، أو عمل صالح يهدي ثوابه لهما. ويفعل القرب والطاعات المختلفة، ويهدي ثوابها إليهما.
العدد 4942 - الجمعة 18 مارس 2016م الموافق 09 جمادى الآخرة 1437هـ
هاي
اذا الوالدين راؤو. ابنهم من غير وظيفه من غير عمل ومن غير منزل يمرضون والله لا فهذا جزء من بر الوالدين