تحديد مواعيد نهائية لإنجاز مهام محددة ليس أمراً سهلاً بالنسبة لي. بغض النظر عن كمية الوقت التي أخصصها لإنجاز المهمة الملقاة على عاتقي، فإنني غالبا أهرول لإنجاز العمل قبل المهلة المحددة،
أعلم أنني بصحبة أناس أخيار في عالم مليء بالمماطلين. لكن في الآونة الأخيرة، حاولت أن أمنح نفسي وقتاً أقل لإنجاز نفس الكمية من العمل.
ولكي أكون أكثر إنتاجية (وأقل مماطلة)، فإنني ألجأ إلى تحديد مواعيد نهائية صارمة لمهمات العمل، فالمكالمة التي كانت تستغرق ساعة أنجزها الآن في نصف ساعة، وكتابة الأبحاث التي كانت تستغرق ثلاثة أيام في الماضي أرغم نفسي الآن على إنجازها في ظرف يومين ونصف اليوم. وأستخدم منبها للمواعيد يذكرني بضرورة الانتقال إلى مهمة العمل التالية.
يرى معظم العاملين ، حسبما نقلت قناة "البي بي سي"، أن اختصار الموعد النهائي المحدد للتعامل مع مهمات مكررة يمكن أن يكون حيلة لتحفيز الإنتاجية وزيادتها، حسبما يقول كريغ سميث، مؤسس شركة "ترينيتي إنسايت"، وهي شركة لخدمات الانترنت ومقرها فيلادلفيا.
جرب سميث العام الماضي اختصار أسبوع من المدة النهائية المحددة لإنجاز أحد المشاريع التي يعمل بها فريق من 17 موظفاً، وتبين له أن الموظفين الذين يعملون معه منذ فترة طويلة لم يضيعوا الوقت الإضافي المخصص أصلاً للمشروع.
ويقول سميث:"كلما كان هناك مزيد من الألفة بينك وبين الموظفين، كنت أكثر قدرة على تشجيعهم لإنجاز مهام العمل في وقت أقصر".
لكن فيما يتعلق بالأعمال التي ربما تنطوي على تكرار مثل (المقابلات، الأبحاث، الكتابة، التحرير والإلقاء) ولكن ليس في محتواها (بمعنى الأعمال التي يكون فيها موضوع مختلف في كل مرة)، فإن الأمر ليس بالهين.
ويضيف سميث "لقد وجدت أن تحديد موعد نهائي صارم في بعض الحالات جعل من السهل مواصلة الإنتاجية حينما كنت أعمل وفقاً لمهلة نهائية. لكن في أغلب الأحيان، وجدت نفسي لا أحقق الهدف الذي أضعه لنفسي، فمثلاً أجد من الصعب الالتزام بإنهاء مقابلة هاتفية ثرية بالحديث في مدة لا تزيد عن نصف ساعة. لكن بعد ذلك، ينتابني شعور بالإخفاق عندما يستغرق العمل (حتماً) وقتاً أطول من الذي حددته مسبقاً.
وللتأكد من ذلك، فإن تحديد مهلة نهائية بشكل افتراضي ليست فكرة جديدة. ظهر قبل 60 عاما قانون باركنسون، الذي يعتمد على الفكرة القائلة إن حجم العمل يتسع ليملأ أي وقت متوفر لإنجازه. لكن العكس صحيح أيضا إذ إن أداء المهمات المطلوبة قد يستغرق الوقت القليل المتاح لك.
ويعني ذلك من الناحية النظرية أن أياً منا ينبغي أن يكون ببساطة قادراً على الإسراع في تنفيذ جدول يومي مثقل بالمواعيد النهائية. لكننا جميعاً رأينا كيف يحدث ذلك في الواقع. في العادة ليست جميع الأمور تسير على ما يرام.
ليست مهلة نهائية، ولكن المهم كيف تنظم المهمات
لقد تبين أنه ربما لا تكون القضية المهمة هي المواعيد النهائية في حد ذاتها ولكن الطريقة التي نحاول بها إقناع أنفسنا بإمكانية إنجاز العمل دون هرولة في الدقائق الأخيرة، وهناك طريقة لاختصار المواعيد النهائية، وهي ليست بالبساطة التي تخيلتها.
في مكالمة هاتفية استغرقت 25 دقيقة (أقل بخمس دقائق مما كانت ستستغرق في السابق) أجريتها مع برادلي ستاتس، الأستاذ المشارك في كلية إدارة الأعمال بجامعة "ساوث كارولينا"، قال ستاتس إن هناك عدة إيحابيات لتحديد مواعيد نهائية قصيرة بشكل محكم.
وأضاف ستاتس، الذي يقوم بدراسة علم سلوك التعلم والإنتاجية،: "بإلزام أنفسنا بمواعيد نهائية، فإننا نرغمها على إنجاز العمل والمهمات، وبإمكاننا غالباً الإسراع في ذلك واختصار الطريق طالما لا يتسبب ذلك في وقوع مشاكل. وبالطبع، تحديد مواعيد نهائية أقصر يمكن أن يعطي العاملين (بما فيهم أنا) شعوراً بالانضباط والسيطرة على الذات. على الأرجح أننا لا نقدر أهمية الفوائد التي نجنيها من ذلك".
لكن ستاتس يرى أن وضع جدول يحتوي بالكامل على مهل زمنية نهائية قصيرة هو أمر غير منتج على المدى البعيد لأن ذلك لا يترك وقتاً لفترة "السماح"، أي فترة ما يسمى بالوقت المستهلك، والذي نستغله في التوصل لأفكار وحلول مبتكرة. وأضاف: "دون فترة السماح هذه، فإننا على الأرجح سنرى إنتاجية أقل وابتكاراً أقل. هناك فرصة أن يكون ما نهمله نتيجة السرعة في العمل مهماً سواء للفاعلية أو الحلول".
التوازن
تحقيق التوازن هو العامل المهم، حسبما يرى ريان هوليداي، الخبير في التخطيط الإعلامي المقيم في أوستن بولاية تكساس ومؤلف كتاب: "العائق هو السبيل: الفن الخالد في تحويل المحاولات إلى انتصار".
ويوازن هوليداي بين أعمال الكتابة والإدارة اليومية لإحدى المؤسسات الإبداعية. لكن جدول أعماله بالكامل يعتمد على فكرة تحديد مواعيد نهائية قصيرة. لكن المساحات الوقتية مرنة مع وجود أنواع معينة من العمل تملأ هذه المساحات، ولكن ليس من خلال تحديد موعد صارم، على سبيل المثال، 30 دقيقة لإنجاز عمل واحد، 45 دقيقة لإنجاز العمل التالي في القائمة وهكذا.
في حال العمل من المنزل، يقضي هوليداي الشطر الأول من يومه في إنجاز أعمال طويلة الأمد من بينها الكتابة أو العصف الذهني ودون مواعيد نهائية صارمة. وبعد تناول الغداء، يركز هوليداي على المهمات التي لها مواعيد نهائية قصيرة من بينها المكالمات الهاتفية والاجتماعات، وتخصيص 30 دقيقة إضافية للرد على رسائل البريد الإلكتروني.
ومن خلال العمل على المهمات الأكثر أهمية في الصباح، فإن ذلك يتيح له مواصلة العمل بحماس وفقا للمواعيد النهائية القصيرة التي يحددها لأداء المهمات الأسهل. يقول هوليداي: "من السهل أن تنشغل في تحديد أهداف قصيرة المدى فقط، ويمكن أن تعاني من الإرهاق نتيجة لذلك".
ومع ذلك، فإن تحديد المهلة الزمنية النهائية أمر في غاية الأهمية في المشاريع التي تستغرق أمدا أطول خاصة الأشياء الإبداعية التي لا يمكن أن تشعر بأنها انتهت دون وضع حدود زمنية معينة لها.
ويضيف هوليداي:"في ظل المواعيد النهائية القصيرة، لا يمكن أن تجد نفسك غارقا في الاحتمالات التي لا نهاية لها". أما تحديد أوقات ومهل زمنية أكثر صرامة لإنجاز الأعمال فيمنحك شعوراً بالإنجاز (وهو أمر يمكنني تأكيده حينما أحذف المهمات من قائمة الأعمال اليومية).
الأمر الأهم قبل كل شيء هو ليس أن تدخل نفسك في سباق مع الزمن لإنجاز المهمات، فقبل أن تحدد مهلاً نهائية قصيرة ينبغي عليك أن تعرف المدة التي تستغرقها هذه المهمة في العادة لإنجازها (هناك وسائل لذلك متوفرة على الانترنت مثل موقع Rescuetime.com أوتطبيق Toggl). ولأننا جميعاً نكرر أداء مهمات وأعمال متشابهة، فإن معرفة الوقت الذي يحتاجه إنجاز كل عمل من هذه الأعمال يجعل من السهل تحديد أوقات نهائية أكثر دقة أو يختصر الإطار الزمني الذي تعتقد أنه فضفاض.
وينصح ستاتس بإنجاز المهمات الأولى المطلوبة وفقا لمهلة نهائية صارمة (مثل المسودة الأولى لقصة أو موضوع خبري) ومن ثم تخصيص وقت أكثر مرونة للمراجعة والتحليل لما كتبته، وهذا ينطبق على مجالات أوسع من الكتابة. ففي مجال التكنولوجيا على سبيل المثال، يمكن للمبرمج أن يكتب مجموعة أولية من الرموز حسب مهلة زمنية قصيرة، ومن ثم يمكنه تخصيص وقت غير محدد للتدقيق والتحسين.
لكن مسألة تحديد مهلة نهائية صارمة لإنجاز عمل من الأعمال هو أمر شائك قليلا، فإذا كنت تعرف جيداً النتيجة التي تريد تحقيقها من أداء عمل ما، فإنه يكون من المفيد أن تضع لنفسك مهلة نهائية أقصر. ويقول ستاتس: "يحتاج الواحد منا إلى أن يعرف ما الذي يحاول إنجازه" لكي يتمكن من التحكم أكثر في الوقت الذي يحتاجه للوصول إلى النتيجة التي يريدها.