كنت ساهماً، لا أدري ما هي الأفكار التي تركض في رأسي، لم أنتبه وأنا أخطو بهدوء أمام واجهات المحال كعادتي صباح كل إجازة أسبوعية، انتبهت عند سماعي للشتيمة، أعرف أنها شتيمة، اللهجة العربية الساخطة، النظرة القاسية ذات الحاجبين المرفوعين التي تزدريني، لأني - دون قصد - لامست كتفها، ولأني غريب أيضاً، ليس ذلك فحسب، ردة الفعل منها أشعرتني أن جسدي مختلفٌ وأقبح طيناً من جسدها، كانت تنفض نفسها وكأن بقعة مائية انسكبت مني عليها، حين طأطأت رأسي وبحركة تلقائية - ندمت عليها لاحقاً - ضممت كفيّ في صفقة واحدة ورفعتها لحد ذقني وكأني أمام الرب، قلت: آسف لم أقصد يا سيدتي.
بصقت على جانبها - قدَّرت لها أنها لم تبصق في وجهي- وانصرفت.
عندما وضعت رأسي لأنام، كان خاطري المكسور على نفسي يؤلمني، وجدتني لست مذنباً، وجدتني ذليلاً حين اعتذرت بطريقة المذنبين الذين يطلبون الصفح عن بشاعة جرائمهم، الاحتكاك ليس معصية وإلا لماذا يحتاج الدب أن يحكّ ظهره بجذع شجرة؟! ولماذا تحتاج القطط أن تحتك بأقدام البشر أو بزوايا الحيطان؟!
دعكم من الحيوانات، ألا يحتك اللاعبون ببعضهم في لعبة كرة القدم وحتى في الكريكت -اللعبة الأكثر سلمية - بها هامش للاحتكاك، أليست الحياة كلها ملعباً؟
كنت على رصيف وطني في حيّ لاجبات ناجار - جنوب دلهي - أشحذ كتفيّ كل صباح باحتكاكات لا متناهية من المارة، لم يكن الرصيف ضيّقاً، بل كان العابرون كثر. هناك لن تجد أحداً يتوقف ليعتذر عن احتكاكه بك، لسنا أعواد كبريت ليذعرنا الاحتكاك، ستجد باعة متجولين، مقاهي شعبية، محاكم متنقلة وشلالات من البشر لا يتوقف جريانها على الرصيف، كلهم يحتكون ببعضهم، بينما تحكهم الحياة جميعاً دون تفرقة.
لست في وطني، لذلك سأضم بيدي كتفيّ قبل أن أغمض عيني لأنام. في هذه الأرض عليك الخشية من أن تلامس جسد أحلامك دون قصد، والأشد أن تحك الأفكار السيئة رأسك فلا تنام. ليتني قط، ليتني دب، ليتني أستيقظ في رصيف لاجبات ناجار، سأكون حائطاً للقطط، جذعاً للدببة، سأكون أي شيء في مقابل أن يحتك بي قدر آخر، لا يعتذر ولا أشتمه.
قصة رائعة
سلمت يداك استاذ عبدالعزيز
تقبل خالص تحياتي
دكتور خالد
جميل هو اسهابك في تحليل المشهد و المشاعر المختزلة في نفس الشخصية
ومؤلمة ذاك الشعور باحتقار البشر لك وترفعهم عنك بسبب كونك الدخيل عليهم
أجدت الحبكة .. سلم قلمك