العدد 4939 - الثلثاء 15 مارس 2016م الموافق 06 جمادى الآخرة 1437هـ

(النص الفائز بجائزة «الوسط» للقصة القصيرة)

«حديث ساعة»

قصة قصيرة -  زينب عبدالجليل ثامر
قصة قصيرة - زينب عبدالجليل ثامر

يظن العالم أن الساعة الـ 12 صباحاً هي أكثر الأوقات ظلماً وهدوءاً، هم فقط لم يعلموا أنها أكثر الأوقات ضجيجاً. تدق الساعة كل ليلة من برج مشيّد بعيد وتصل أنغام دقاته إلى أنفاس النائمين. كل ليلة أعدّ معها: واحد... اثنان... ثلاثة...

ثم تلتهي أفكاري قليلاً وعقلي يظن أنه يعد الدقات تسلسلياً. أقول 12 ثم أتفاجأ بثلاث دقات أخريات. غالباً لا أستغرب ذلك كثيراً، لأنه يحصل كل ليلة.

أُبرِّر ذلك بأن صوتي البائح قد يكون السبب، فأنا لا أسمع صوتي جيداً. لا أعلم حقاً إن كنت مازلت أمتلك القدرة على الحديث، لم أتحدث منذ فترة طويلة. كم أشتاق لصوتي!

تبدأ تلك اللحظات عندما أتيقن أن ابناي قد غطّا في سبات عميق لا يمكن كسره. من هنا ابتدأ صراعي. يجب أن أغسل ثوبي اليوم، لأنني غداً بعد عودتي من معترك الحياة لن أجد ما ألبسه. يجب أن أغسل قدماي المتورمتان حتى تعود الحياة لهما، لكن صقيع الماء يزيد من ألمي ألماً. لو كان لي جوربان، جوربان فقط، لما أدميت قدمي ولا وضعتها تحت هذا العذاب.

رغيف الخبز لا يكفيني كل يوم، أخبر أطفالي بأنني أكلت حصتي أو أنني أتبع حمية صارمة. لا يهم ما أقول، كل ما يهم أنني مازلت على قيد الحياة، وأطفالي كذلك. ماذا أقول لهم أيضاً؟ أقول لهم إن الرغيف يجب أن يؤكل قاسياً حتى تصبح أسنانهم أقوى. الخبز الطري للضعفاء فقط الذين لا يتحمّلون قسوة الخبز. يفرحون كثيراً عندما ينهون رغيفهم، يظنون أنهم أبطالاً. ربما هم كذلك.

آخر طقوسي هي علبة حمراء صغيرة تسمى طلاء الأظافر. كلا، لا تعتقد أنني بذرت نقودي واشتريتها. كل ما في الأمر أنني وجدتها في درج قديم عندما أتينا لهذا الصندوق الصغير. لا أريدك أن تظن بأنني أريد أن أرسم البهجة على يديّ. أنا فقط أحاول أن أخفي ما يرسمه الزمن على أبداننا. ربما تعلم أن أظافرنا ترتسم بلون السماء عندما نتجمد من البرد، ولأنني لا أرجو الشفقة، أخفي كل آلامي تحت مراسم البهجة.

هذه الحياة صعبة جداً يا صديقي. ولم يعد أحد يستمع... يصدق... أو يعي ما يحدث حوله. لهذا سنقدِّم لهذا العالم ما يريد، وسنخفي كل جروحنا وآلامنا. هذا العالم غريب يا صديق!

أعلم أنك ستعلن الآن عن قدوم الساعة الواحدة، واعذرني سأغلق نافذة الحديث، لأن هذه الدقة الواحدة تشعرني بحتمية الفناء، وأنا يا صديقي ... أنا مازلت على قيد الحياة.

زينب عبدالجليل ثامر





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 6:05 ص

      الكاتبة تكتب بمشاعر واحاسيس مرهفة لا استبعد فقد والدها الشيخ عبدالجليل ثامر ربما اثر فيها لكمية الحزن الموجود على الكتابة ، بالتوفيق بنت العم .

    • زائر 11 | 1:00 ص

      قصة جميلة جدا ولكن لا ادري هل الكاتبة قصدت بان تجعل افكارها متقطعه ولكن بنفس النسق الحزين
      احب هذا النوع من السرد الروائي
      اتمنى لو كان الافكار اكثر تشابكا واتمنى التوفيق للاخت الكاتبه

    • زائر 10 | 1:25 م

      عندما يتجلى الإحساس و ينزل على الورق كنسيم الربيع إذا لامس الوجنات, كم كبير من الإحساس و عبق جميل في اللغة و مواكبة أفكار ترسم معانات كبيرة و تعكس واقع مؤلم و يترجم لصورة محاكات الذات.
      جميل جدا نسأل الله لها كل التوفيق علما و دينا و خلقا.

    • زائر 9 | 5:55 ص

      من أجمل القصص القصيرة عزيزتي. أسلوب مشوق وكلمات معبرة تدخل الى القلب دون استئذان. تمنياتنا لك ِ بمستقبل واعد

    • زائر 8 | 5:48 ص

      جميل جدًا

      سرد جميل موفقة عزيزتي وإلى الأمام

    • زائر 5 | 1:26 ص

      ولد فتيل
      قصة جميلة و تعبير بسيط ولاكن يحمل الكثير من المعاني و المعانات

    • زائر 4 | 1:25 ص

      تعديل سريع على النص:
      تبدأ تلك اللحظات عندما أتيقن أن ابناي (الصحيح: ابنَيَّ)
      يجب أن أغسل قدماي المتورمان (الصحيح: قدميَّ المتورّمين)
      يظنون أنهم أبطالًا (الصحيح: أبطالٌ)

    • زائر 7 زائر 4 | 4:13 ص

      هذا كان مذكور يوم أمس...يعني لغة عفوية.

      ومن أهم ما امتازت به القصة أن لغتها كانت عفوية، أدت إلى قيام سرد بسيط وعفوي، دون أن يعني ذلك الذهاب باللغة إلى حدود عادية وركيكة.

    • زائر 3 | 1:17 ص

      جميل

      سرد جميل
      بداية موفقة ونهاية رائعة . ويحتاج كثير من التأمل
      سلمت الأنامل

    • زائر 2 | 1:10 ص

      قاصد خير

      برغم أنك صغيرة السن إلا أن كمية الحزن في القصة تهتز لها جبال كبيرة.

    • زائر 1 | 12:32 ص

      .

      بالتوفيق ..سرد جميل وموفق

اقرأ ايضاً