قصفت طائرات حربية تركية معسكرات للمقاتلين الأكراد في شمال العراق الإثنين (14 مارس/ آذار 2016) غداة مقتل 37 شخصاً في هجوم بسيارة ملغومة في أنقرة قال مسؤولون أمنيون إن مقاتلين اثنين من حزب العمال الكردستاني أحدهما امرأة شاركا في تنفيذه.
ووقع الهجوم في منطقة مزدحمة لوسائل النقل على بعد مئات الأمتار من وزارتي العدل والداخلية مساء الأحد، وهو الثاني من نوعه في المركز الإداري للمدينة خلال أقل من شهر. ولم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن الانفجار. وقال المسؤولون الأمنيون لـ"رويترز" إن لديهم أدلة على أن امرأةً تنتمي لحزب العمال الكردستاني المحظور من بين المشتبه بهما في تنفيذ الهجوم. ويخوض الحزب قتالاً ضد الدولة التركية من أجل إقامة وطن مستقل للأكراد في جنوب شرق البلاد.
وقال مصدر في الشرطة إن يدها التي فصلت عن جثتها وجدت على بعد 300 متر من موقع الانفجار. وأضاف المسؤولون أن الأدلة التي حصلوا عليها تفيد أنها ولدت عام 1992 وهي من مدينة كارس في شرق تركيا قرب الحدود مع أرمينيا، وانضمت إلى الحزب عام 2013. وأشار مسؤول أمني إلى أن المشتبه به الثاني كان مواطناً تركياً على صلةٍ أيضاً بحزب العمال الكردستاني.
وقال نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش الاثنين إن امرأة "بكل تأكيد" واحدة من الانتحاريين والآخر رجل لم تتحدد هويته بعد. وأوضح أنه جرى اعتقال 11 شخصاً وجاري البحث عن عشرة آخرين فيما يتعلق بالهجوم. وقد تزايدت أعمال العنف في جنوب شرق تركيا الذي تقطنه غالبية كردية منذ انهيار اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب العمال الكردستاني في يوليو/ تموز الماضي بعد أن صمد لعامين ونصف. وحتى الآن ركّز المقاتلون هجماتهم على قوات الأمن في بلدات الجنوب الشرقي التي يخضع الكثير منها لحظر التجول. غير أن الهجمات في أنقرة واسطنبول خلال العام الماضي ونشاط تنظيم "داعش"، فضلاً عن المقاتلين الأكراد، أثار القلق بين الحلفاء في حلف شمال الأطلسي الذين يعتبرون استقرار تركيا أساسياً لاحتواء العنف في جارتيها العراق وسوريا.
ويحرص الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على نفي أي مقولة تفيد بأنه يواجه صعوبات للحفاظ على أمن بلاده. وأشار الجيش التركي إلى أن 11 مقاتلة نفذت غارات على 18 هدفاً في شمال العراق يوم الاثنين، بينها مخازن ذخيرة وملاجئ. وتقع قواعد حزب العمال الكردستاني في جبال شمال العراق حيث يراقبون العمليات عبر الحدود في تركيا.
وقال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إن تركيا حصلت على نتائج "جدية للغاية وشبه مؤكدة" تشير إلى أن حزب العمال الكردستاني قام بتفجير أنقرة، مشيراً إلى أن الغارات التركية جاءت بعد التعرف على منفذي الهجوم. وقال مسؤولون محليون إن حظر تجول على مدار الساعة قد أعلن في ثلاث بلدات في جنوب شرق تركيا لإجراء عمليات ضد المقاتلين الأكراد، وأشاروا إلى أن الكثير من السكان المحليين غادروا تلك المناطق تحسباً للعمليات.
وذكرت محطة (سي.إن.إن ترك) إن السلطات اعتقلت 15 شخصاً في اسطنبول في عمليات ضد حزب العمال الكردستاني، و50 آخرين في أرجاء البلاد. ومن بين ضحايا الهجوم والد لاعب كرة القدم الشهير اوموت بولوت الذي يلعب في فريق غلطة سراي والمنتخب الوطني التركي وفق ما أورد النادي على موقعه الإلكتروني.
الحرب في سوريا
وترى الحكومة التركية أن الاضطرابات في الجنوب الشرقي مرتبطة بالحرب في سوريا التي انتزع فيها مسلحون أكراد مناطق على الحدود مع تركيا من تنظيم "داعش" ومسلحي المعارضة الذين يقاتلون الجيش السوري. وتخشى أنقرة أن تغذي هذه المكاسب الطموحات الانفصالية الكردية على أراضيها، وترى أن المقاتلين الأكراد السوريين يشتركون في روابط عقائدية وقتالية عميقة مع حزب العمال الكردستاني. كما أنها تعقد العلاقات مع الولايات المتحدة التي تعتبر المقاتلين الأكراد حلفاء مهمين في قتال "داعش"، على الرغم من أنها تصنف حزب العمال على أنه منظمة إرهابية. وهذا الهجوم هو الثالث في غضون خمسة أشهر في أنقرة.
وقال مصدر أمني لـ"رويترز" إن المتفجرات من نفس النوع المستخدم في التفجير الذي وقع في 17 فبراير/ شباط وقتل 29 شخصاً أغلبهم من الجنود، كما تم تعبئة القنبلة بطلقات رش ومسامير لتتسبب في أكبر قدر من الإصابات والأضرار. وقتل أكثر من 100 شخص في تفجير انتحاري مزدوج في أنقرة في أكتوبر/ تشرين الأول اتهم بتنفيذه "داعش"، وتركيا جزء من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم في سوريا والعراق.
واتُهم التنظيم المتشدد بتنفيذ أربعة تفجيرات في تركيا منذ يونيو/ حزيران 2015 بينها واحد أسفر عن مقتل عشرة سياح ألمان في اسطنبول في يناير/ كانون الثاني. كما نفذت جماعات جهادية محلية ومتطرفون يساريون هجمات بدورهم.
من المسؤول؟
وانتقد حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي وزير الداخلية التركي إفكان آلا معتبراً أنه لم يفعل ما فيه الكفاية لضمان الأمن في البلاد. وقال رئيس الحزب كمال كيليجدار أوغلو "لو كان وزيرٌ ما لا يقوم بواجبه فيجب على هذا الشخص أن يترك منصبه"، مضيفاً أن "المئات من مواطنينا فقدوا أرواحهم بسبب الإرهاب فمن المسؤول عن هذا؟".
وتجمع مئات من الأشخاص الذين ردد بعضهم هتاف "طيب اللص"، وهو وصف كان يستخدم ضد إردوغان في التظاهرات المناهضة للحكومة في الماضي على مقربة من ساحة تقسيم في اسطنبول للتعبير عن غضبهم من الهجوم قبل أن تفرقهم الشرطة مستخدمةً مدافع المياه والغاز المسيل للدموع.
واستنكر صلاح الدين دمرداش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد التفجير واعتبره "هجوماً إرهابياً يستهدف المدنيين بشكل مباشر"، داعياً الحكومة إلى الكشف عن روايتها لما حصل. وكان إردوغان قد اتهم حزب الشعوب الديمقراطي بأنه امتداد لحزب العمال الكردستاني وطالب باتخاذ إجراءات قانونية ضد نوابه. واعتبر إردوغان أن من الضروري توسيع تعريف الإرهابيين كي يشمل مؤيدي الإرهاب الذين يتحملون القدر نفسه من الذنب، موضحاً أن الإرهابي في هذه الحالة قد يكون صحفياً أو عضواً في البرلمان أو شخصية في المجتمع المدني. واعتقل عشرات الأكاديميين في يناير/ كانون الثاني بعدما اتهموا بالدعاية السياسية الإرهابية إثر انتقادات وجهوها للعمليات العسكرية في جنوب شرق البلاد وحثوا السلطات على إنهاء حظر التجول.
ونتج عن الهجمات رد فعل محدود في الأسواق المالية التركية مع تراجع قيمة الليرة التركية بشكل بسيط أمام الدولار. لكن المحللين قالوا إن الوضع الاقتصادي المتدهور يمثل مصدر قلق لبلد يعتمد بشكل كبير على السياحة. وفي حملته العسكرية استهدف حزب العمال الكردستاني بشكل مباشر قوات الأمن مؤكداً أنه لا يستهدف المدنيين. وسيمثل أي إعلان مباشر عن المسؤولية عن تفجير الأحد في حال حصوله تغييراً جوهرياً في خططه.
وكانت جماعة صقور حرية كردستان قد أعلنت مسؤوليتها عن تفجير السيارة الملغومة السابق الذي وقع في فبراير/ شباط على مسافة قريبة من تفجير الأحد، وتقول الجماعة إنها انشقت عن حزب العمال الكردستاني على الرغم من أن خبراء في شأن المسلحين الأكراد يقولون إن الجماعتين مرتبطتان.