تعد الاستثمارات الخاصة المخصصة لتكنولوجيا التعليم في جميع المراحل الدراسية بمنطقة الشرق الأوسط محدودة على نحو مقلق. وفي الواقع، تلقت نحو 3200 شركة في قطاع التعليم العالمي استثمارات خاصة لتكنولوجيا التعليم منذ العام 2011، لكن لم يزد عدد تلك المتواجدة منها في الشرق الأوسط على 12 شركة. جاء هذا ضمن تقرير جديد صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، تم وضعه بالتعاون مع مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب (BCG)، وحمل عنوان ’رؤية جديدة للتعليم: تعزيز التعلم الاجتماعي والعاطفي من خلال التكنولوجيا‘.
وقد اعتمد التقرير على نتائج دراسة استقصائية شملت أكثر من 2000 من الآباء والمعلمين في جميع أنحاء العالم، حيث وجد أن الاستثمار الخاص في تكنولوجيا التعليم يشهد توسعاً ملحوظاً في جميع أنحاء العالم، حيث يساهم بالتالي في توسيع الفرص للوصول إلى شرائح جديدة وكبيرة من المتعلمين. ويوضح التقرير أن الاستثمار الخاص في تكنولوجيا التعليم لجميع الفئات العمرية ارتفع عالمياً منذ العام 2011 بمعدل وسطي سنوي يبلغ 32٪، وذلك من 1.5 مليار دولار في العام 2011 ليبلغ 4.5 مليار دولار أمريكي في العام 2015، حيث استأثر الاستثمار في المراحل ما قبل المدرسية إلى المرحلة الثانوية بالجزء الأكبر من إجمالي الاستثمارات (38٪) خلال تلك الفترة الزمنية.
وإذا ما أخذنا قطاع التعليم العالمي في الحسبان، فإن هذه الأرقام ليست مفاجئة، إذا أن مهارات التعلم الاجتماعية والعاطفية، مثل التعاون والتواصل وحل المشاكل، هامة جداً في سوق العمل المعاصر والقوى العاملة المستقبلية. والأهم من ذلك، فإن هذه الكفاءات الأساسية لديها القدرة على تعزيز الأداء الأكاديمي بنسبة تصل إلى 11 نقطة مئوية، وذلك وفقاً لدراسة تحليلية أجريت خلال عام 2011 وشملت 213 دراسة أساسية غطّت أكثر من 270 ألف طالب في مراحل رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية.
وتكشف الدراسة أن كلاً من الآباء والأمهات والمدرسين لديهم فهم محدود لتقنيات التعلّم الاجتماعي والتعلّم العاطفي، حيث ينظرون إلى العملية التعليمية كوسيلة لتحقيق نتائج دراسية أفضل في الصف بدلاً عن كونها وسيلة لضمان تحقيق نتائج أكاديمية واقتصادية مُثلى على المدى الطويل.
علاوة على ذلك، وجدت الدراسة التحليلية أن تكنولوجيا التعليم لديها القدرة على لعب دور محوري في تعزيز كفاءة التعلّم الاجتماعي والعاطفي وخفض تكاليفه.
وفي هذا الشأن، قالت ليلى حطيط، الشريكة والمديرة الإدارية في مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب في الشرق الأوسط: "يمكن أن تمثل التكنولوجيا أداة في أيدي الآباء والمدرسين والمربين قابلة للتسخير في استكمال وتوسيع تجربة تعلم الأطفال برمتها، ولا سيما في ضوء توفر مجموعة واسعة من التكنولوجيات الناشئة التي تتجاوز الشاشات التقليدية. وهذه الابتكارات قادرة على مزج العالمين الواقعي والافتراضي معاً وتوفير أشكال وأنماط للتفاعل البشري كانت مستحيلة قبل عقد من الزمن".
الشرق الأوسط تحت بقعة الضوء
استقطبت تكنولوجيا التعليم اهتماماً متزايداً من قبل المستثمرين على مدى السنوات الماضية، بدءاً بتطبيقات الأجهزة المتحرّكة لمراحل ما قبل المدرسة وصولاً إلى الدورات التدريسية عبر الإنترنت للبالغين، وذلك على الرغم من أن إجمالي الاستثمارات في هذا المجال لا يمثل سوى جزء صغير من إجمالي الاستثمارات الشاملة.
وأضافت حطيط: "في الصعيد المقابل، يتسم المشهد الاستثماري في تكنولوجيا التعليم في الشرق الأوسط بالركود، حيث تركزت غالبية الصفقات الاستثمارية الخاصة لتكنولوجيا التعليم منذ العام 2010، وفي جميع أنحاء المنطقة، على مجالات مثل برامج وخدمات التعليم العالي، تليها اللغات ومحو الأمية، ومنصات محتوى الوسائط المتعددة، والبرامج الأكاديمية القياسية".
وهنالك 12 شركة فقط في جميع أنحاء المنطقة حصلت على استثمارات لتكنولوجيا التعليم في السنوات الأخيرة؛ ثلاثة منها في مصر، وثلاثة في المملكة العربية السعودية، وواحدة في الأردن، وواحدة في الكويت، وواحدة في لبنان، وواحدة في سلطنة عُمان، وواحدة في قطر، وواحدة في الإمارات العربية المتحدة.
وتشمل مجالات التركيز التعليم العالي بشكل رئيسي، تليها مواضيع أخرى متنوعة، مثل التعلم المتنوّع وبرامج اللغة ومحو الأمية.
علاوة على ذلك، يتركز النمو الهائل في تكنولوجيا التعليم على الصعيد العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استأثرت لوحدها بنسبة 77٪ من إجمالي الاستثمارات منذ العام 2011، تليها الصين والهند بنسب 9٪ و5٪ على التوالي منذ العام 2011. وبشكل أكثر تحديداً، فعند التدقيق في المبالغ الإجمالية للاستثمارات، تكشف الدراسة أن 3 من أصل كل 4 دولارات تذهب إلى شركات تكنولوجيا التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين يتركز ما يقرب من 97٪ من إجمالي الاستثمارات في خمسة بلدان، لا يضم الشرق الأوسط أياً منها.
وقد قُدّر المبلغ الإجمالي المستثمر في الشرق الأوسط منذ العام 2011 بحوالي 1 مليون دولار أمريكي، حيث اتجهت معظم الاستثمارات إلى شركات في مصر.
النتائج العالمية لاعتماد تكنولوجيا التعليم الاجتماعية العاطفية
إن معظم استراتيجيات التعلم المستخدمة حتى الآن في جميع أنحاء العالم، والمخصصة عادة لتطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية، لا تعتمد على التكنولوجيا أو أنها تعتمد عليها بشكل محدود فقط.
وأردفت حطيط بقولها: "تُظهر الدراسة أن معظم الآباء والمدرسين والمربين يدركون مزايا تكنولوجيا التعليم وقدرتها على المساعدة في تعزيز المهارات الاجتماعية والعاطفية، ولكن مع ذلك، فهم لا يعرفون تماماً أي من التكنولوجيات هي الأفضل أو كيفية استخدامها على النحو الأفضل. وهم يفضلون استخدام التكنولوجيا لأغراض إكساب المهارات الأكاديمية الأساسية".
وعلى سبيل المثال، 67٪ من المعلمين فقط في الولايات المتحدة يعتقدون أنه يستحسن استخدام التكنولوجيا للمواد الدراسية الأساسية، مثل القراءة والكتابة والحساب، مقارنة مع 43٪ فقط يعتقدون أنه من الأفضل استخدامها للمهارات الاجتماعية والعاطفية. وتعكس هذه النتائج تلك التي سجلت في بلدان أخرى.
الفرص المستقبلية
تؤكد المقابلات مع خبراء التعليم والتكنولوجيا، إلى جانب البحوث المتعمقة حول العديد من الأمثلة الواعدة لتكنولوجيا التعليم – التي سلط عليها التقرير الأضواء - أن التكنولوجيا ضرورية لتعزيز دور التعلّم الاجتماعي والعاطفي. وضمن هذا الإطار، حددت الدراسة ثلاث فرص محورية بالنسبة لواضعي السياسات وأولياء الأمور والمعلمين وغيرهم من الأطراف المعنية لتزويد الأطفال بالمهارات الاجتماعية والعاطفية التي يحتاجون إليها:
1. مساعدة المدرسين والآباء وغيرهم من الأطراف على فهم الأمور التي تدعم التعلّم الاجتماعي والعاطفي فعلياً. وقد أورد التحليل 55 ميزة لمنتجات تكنولوجيا التعليم، تم تحديدها استناداً إلى الأبحاث، ترتبط بعلاقة وثيقة مع 10 مهارات اجتماعية وعاطفية أساسية.
2. تضمين التعلم الاجتماعي والعاطفي في المنتجات التقنية التي تدعم المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة والحساب، سيما وأن 95٪ من الاستثمارات الموجهة إلى تكنولوجيا التعليم منذ العام 2011 تم تخصيصها لتلك المجالات بعينها.
3. الاستفادة من خمسة اتجاهات تكنولوجية ناشئة: الأجهزة القابلة للارتداء، والتطبيقات المتطورة، والواقع الافتراضي، والتحليلات المتقدمة والتعلم الآلي، والحوسبة الوجدانية – حيث أنها تعزز سبل تمكين التعلّم الاجتماعي والعاطفي وتفتح آفاق الفرص أمام استراتيجيات تعلم جديدة ومبتكرة.
وجدير بالتذكير أنه يتوجب على الطلاب امتلاك الكفاءات الأساسية التي ترتبط بشكل واضح مع مجموعة من المزايا حتى يتمكنوا من التفوق في القرن 21، بما في ذلك تحقيق مستويات أعلى من النجاح الأكاديمي والوظيفي. لكن مع ذلك، يفتقر العديد من الأطراف المعنية للوعي للآثار الإيجابية وطويلة الأمد للتعلّم الاجتماعي والعاطفي.
وتقدم تكنولوجيا التعليم فرصة لتخطي بعض هذه الحواجز عن طريق دمج خصائص التعلّم الاجتماعي والعاطفي مع المنتجات الأكاديمية التأسيسية. ويمكن الاسترشاد في تحقيق ذلك بمجموعة الميزات المرتبطة بالمهارات الاجتماعية والعاطفية التي تمّ ذكرها وتجميعها ضمن تقرير ’رؤية جديدة للتعليم: تعزيز التعلم الاجتماعي والعاطفي من خلال التكنولوجيا‘.
وأخيراً قال رئيس قسم الإعلام والترفيه وصناعات المعلومات في المنتدى الاقتصادي العالمي مينغيو آني لوه: "نشهد اليوم مستويات ابتكار هائلة في قطاع التعليم، إلى جانب القطاعات الأخرى التي يمكن أن نستفيد منها لترسيخ دعائم تجربة تعليمية جديدة للمستقبل. ونتطلع إلى تكثيف جهود التعاون مع رواد التكنولوجيا والمفكرين والتربويين والباحثين والشركاء التجاريين وواضعي السياسات لتحديد سبل جديدة لدفع عجلة ازدهار التعلّم الاجتماعي والعاطفي لتطوير كافة المهارات الأساسية التي يحتاجها الطلاب".
مايحتاج بيزات
هلوجوه بروحها تساعد على التعليم