ركزت عروض مهرجان الفجيرة للمونودراما الدولية (20-28 فبراير/ شباط 2016) الذي نظم أخيراً في إمارة الفجيرة، على شخصيتين تاريخيتين تركتا أثراً مهماً في الحراك الثقافي العالمي، وهما شخصيتا جلال الدين الرومي وزرياب. المهرجان الذي يأتي تحت مظلة مهرجان الفجيرة الدولي للفنون الذي انطلقت دورته الأولى في الفترة 19-28 فبراير 2016، استحضر هاتين الشخصيتين في وقتنا الحالي، ليستعيد بعض من الإرث الثقافي لهما. وظهرت شخصية جلال الدين الرومي في مونودراما تركية بعنوان «اجترار» Rumination ناقشت فكر الرومي الذي خلف جدلاً وإرثاً ثقافياً كبيراً. أما شخصية زرياب فتمت مناقشتها في مونودراما إماراتية بعنوان «مرثية الوتر الخامس»، ناهضت الإرهاب وعودة الكراهية لكل ما هو فني وجمالي.
المهرجان قدم 13 عرضاً، من أصل 14، تعذر تقديم واحد منها لظروف تعلقت بالفرقة، جاءت من دول متعددة، مثل منغوليا وايطاليا وفنلندا وروسيا وتركيا والمملكة المتحدة وإسبانيا وأرمينا إلى جانب العروض العربية والإماراتية. وتميزت العروض بتنوع مضامينها وأساليبها وإن كانت جميعها عروض مونودرما، وكذلك تنوعت جرأتها في طرح الموضوعات.
انطلقت أول العروض بمونودراما «عمشوطة» من المغرب، أدتها جليلة التلمسي لتنقل من خلالها قصة «عمشوطة» النادلة بمقهى شعبي والتي تقرر الانتقام من صاحب المقهى حين يطردها من العمل بسبب حملها. العمل من تقديم فرقة فرجة للجميع ومن تأليف وإخراج حمزة بولعيز.
وفي المونودراما الجزائرية «ميرة» أدت سعاد جناتي دور بائعة دمى، وصانعتها من خيش وقش، والتي تجد أن المرأة في كفاحها وأحلامها وعشقتها تعيش مثل الدمى وأن كل شيء يتلاشى بمرور الوقت الذي لا ينتظر أحداً. العمل من تأليف وإخراج بوسهلة هواري هشام ويقدمه مسرح موزاييك. فاز العرض سابقاً بالجائزة الذهبية في المسابقة الوطنية الجزائرية للمونودراما.
من تركيا، قدم مهمت نوري أركان، عرض «اجترار» Rumination الذي جمع بين التصوف والرقص المسرحي، وقدم سبع نصائح للرومي تشكل أساس فلسفته وهي: كن كالنهر في السخاء والمعونة، وكن كالشمس في الرحمة والشفقة، وكن كالليل في ستر عيوب الآخرين، وكن كالموت في الغضب والعصبية، وكن كالبحر في التسامح، وكن كالتراب في التواضع، وإذا أردت أن تكون فكن ما ترى أو لتر كما تكون.
من لبنان جاء عرض «ثلجتين بليز» للفنانة روان حلاوي مؤلفة العمل وممثلته ومخرجته والذي يروي حكاية امرأةٍ غابت طويلاً، لتعود بحثاً عن حلمٍ مفقود اعتقدت أنها لن تستطيع تحقيقه، لكنها تجد طريقتها في الخروج من واقعها الراهن بعد استعراض حياتها عبر محطات من الذاكرة، تستعيدها على كرسي في حانة. تجد في وحدتها وفرديتها حريتها وتعود إلى الأماكن التي تركتها سعياً وراء الحلم نفسه.
ومن منغوليا جاء عرض «ليدي ماكبيث» LADY MACBETH وهو مستوحى من مسرحية «ماكبيث» لوليام شكسبير. العرض يقدم تراجيديا تاريخية تكمن عقدتها في الصراع والنزاع للحصول على المزيد من القوة والسلطة. محرك الأفعال في العمل هي «السيدة ماكبيث» نفسها ذات الطموح الطاغي لنيل السلطة والقوة، والتي تستعرض في هذه المونودراما كيف حلمت وصارعت حتى سقطت في النهاية، حين أصيبت بالجنون.
اليوم الخامس شهد العرض المونودرامي الإيطالي «ايموتا مانية: لا تتحرك» IMMOTA MANET:DON›T MOVE!، الذي قدم حكاية ملخصها إن تعامل الناس هو فعل ورد فعل مع الأحداث الكبيرة وذلك من خلال قصة تحدث فيها هزة أرضية تجعل العرض يغوص في أعماق الشرائح الاجتماعية ويجس أفعالها وردود تلك الأفعال، المحكي منها وغير المحكي، ويرصد القاسم المشترك بين الجميع حين يهيمن الهلع عليهم.
وشهد اليوم الخامس أيضاً العرض الإماراتي «مرثية الوتر الخامس» وهو العمل الفائز بالمركز الأول في مسابقة النصوص المسرحية في دورتها الرابعة للعام 2015، وهو من إنتاج هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، وتمثيل عبدالله مسعود. يستدرج العمل زرياب ليزور الزمن الحالي وهو زمن التكفير وهجاء الفن، وليتحدث عن التسامح والإبداع والجمال والسلام.
اليوم السادس شهد عرضين مسرحيين، أحدهما من فنلندا وهو عرض «هاميمو» HAMEMO وهو من تأليف وإنتاج وتمثيل وإخراج تاينا ماكي ايسو. بطلة العرض «تابيكا» المهرجة اعتمدت لغة الجسد لتعبر عن الأحداث السعيدة والحزينة التي مرت بها أثناء مسيرة حياتها طارحةً مجموعة من التساؤلات بطريقة إيمائية حول ماذا نتذكر؟ وكيف يمكننا أن ننسى الأشياء؟
العرض الثاني كان من روسيا وعنوانه «ديلما» DILEMMA وفيه قدمت أولغا كوسترينا، مؤلفته ومؤديته ومخرجته، العديد من اللوحات الإبداعية وعلى رأسها لوحة الصراع الأزلي بين الخير والشر وتطهير الإنسان من الداخل ليتحول إلى ربيع دائم الخضرة. دمجت الفنانة في عملها بين فن التمثيل الإيمائي والرقص المعاصر والأداء الحركي.
اليوم السابع شهد عرضاً من المملكة المتحدة بعنوان «ماجي» PLAYING MAGGIE أدى فيه بيب أتون دور ديف شيروود الممثل الذي يستعد للعب دور رئيسة وزراء بريطانيا الشهيرة مارغريت ثاتشر ويقف على المسرح مواجهاً جمهوره متقبلاً كل الانتقادات والأسئلة التي تطرح حول سياسيات رئيس الوزراء السابقة.
في اليوم الثامن، قدمت فرقة أبريغو الإسبانية عرض «عرس الدم» BLOOD WEDDING المستوحى من مسرحية «عرس الدم» لفريدريك غارسيا لوركا التي تعد من أجمل ما كتب. استحضر العرض صرخات لوركا وإسبانيا عبر ثلاث لوحات رئيسية هي: الأم والقمر والعروس، التي تناقش مشكلة الحروب الأهلية وقضية المرأة الريفية التي تعرضت للظلم والقهر.
اليوم الثامن شهد عرض أرمينيي بعنوان «مارسيل» قدمت من خلاله مريم غزانشيان معاناة المغنية الفرنسية الشهيرة إديث بياف وحالة الألم والبؤس التي عاشتها بعد الوفاة المأساوية لحبيبها.
أما اليوم الأخير فشهد عرضا إماراتياً بعنوان «ماذا انتظر»، أداه جاسم الخراز، وهو عمل فني يغوص في أعماق النفس البشرية وما قد تخلفه تراكمات أسلوب التنشئة من آثار قد تحدد مسير حياتنا وتنمي فينا رغبات التخلي عن المبادئ والأخلاق والمثل.
يشار إلى أن مهرجان الفجيرة للمونودراما الدولية هو تجمع يحتفي بالفنون المسرحية، ويقام مرة كل عامين في إمارة الفجيرة. وينظم المهرجان من قبل هيئة الثقافة والإعلام بالفجيرة ويهدف إلى تثبيت المونودراما في المسرح العربي بشكل عام وفي المسرح الإماراتي على وجه الخصوص، وإلى المساهمة في تطور هذا النوع المسرحي معقدة، ولذا لا يخصص المهرجان أي جوائز أو مسابقات لعروضه.