الجهد الوطني مقوِّم استراتيجي في منظومة العمل والإنجاز البيئي، ويرتكز في معادلة مناهج عمله ونشاطاته على مقومات الجهد الفردي والمؤسسي، وللأفراد أثرهم الفعلي في مسارات الجهد الوطني، وفي بناء التنظيم المؤسسي المختص بإدارة وتنظيم الجهد الوطني البيئي، ويضطلع العمل الاجتماعي بمهام وأدوار مهمة تُجسد وظائفه في عملية تغيير وتنمية المفاهيم الاجتماعية في العلاقة مع المعالم البيئية والمساهمة المنتجة في تغيير وبناء السلوك البيئي الرشيد للمجتمع وإنجاز أهداف التنمية المستدامة.
ويتخذ الجهد الوطني في الشأن البيئي مساراً صعوديّاً في بناء تشكيلاته وهياكله التنظيمية والمهنية وفي مستويات نشاطاته ودائرة أقطابه في المنظومة المجتمعية في مملكة البحرين، ويبرز ذلك الجهد في مسارات واقع العمل اﻻجتماعي المتنوع في أهدافه ووظائفه المهنية، إذ تشهد البحرين حراكاً مجتمعيّاً متصاعداً ومتفاعلاً مع النشاط العالمي الموجه لتعزيز قيمة التنمية المستدامة في ثقافة وحياة المجتمعات البشرية، ويتمثل ذلك الحراك في تبني عدد من المجموعات المهنية نشاطات متنوعة الوظائف والأهداف في المجاﻻت التنموية والزراعية والبيئية ويبرز ذلك في نشاط حركة الشباب العربي للمناخ فرع البحرين، وفريق الأسطح الخضراء، ومجموعة المصورين البحرينيين المهتمين بتصوير الطبيعة والحياة الفطرية وغيرها من المجموعات البيئية، وتسهم تلك المجموعات ضمن مجاﻻت نشاطها في بناء حراك وطني متنوع في وظائفه وأهدافه البيئية ودعم خطة العمل الوطنية لإنجاز أهداف التنمية المستدامة.
بدايات الجهد الوطني البيئي المنظم في منظومة العمل المدني في البحرين الموجه في أهدافه ووظائفه يرتبط وفق ما هو متوافر من معلومات في مبادرة تأسيس جوالة نادي المالكية في (يوليو/تموز 1993) التي تصدر مشهد بنائها التنظيمي وادارة مناشطها لسنوات طويلة الناشط البيئي سعيد منصور، وتصدرت أنشطة الجوالة برامج البحوث البيئية في المناطق البحرية والمساهمة في انشطة الرقابة البيئية وتنظيم حملات تنظيف الجزر والسواحل وتنظيم انشطة التوعية البيئية في المدارس الى جانب تنظيم المهرجانات البيئية.
جمعية «الشباب والبيئة» التي جرى إشهارها العام 1994 تحت مظلة المؤسسة العامة للشباب والرياضة وصارت تعمل منذ العام 2005 تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية (سابقاً) من المبادرات المهمة في حقل الجهد الوطني البيئي وتصدر مبادرة تأسيس الجمعية الشخصية البيئية إسماعيل محمد المدني والناشط البيئي عيسى خليل الشملان، الرئيس الحالي للجمعية، وساهمت الجمعية في تنفيذ البرامج البيئية التي استهدفت قطاع الشباب والناشئة، وتمثل تلك البرامج في الندوات والمحاضرات والمعسكرات والمخميات والمسابقات وورش العمل البيئية والدورات المختصة في المجال البيئي.
«مشروع السلام - 2000» من المبادرات الوطنية المهمة وتبنى فكرة إعلانها الفنان عباس الموسوي، ويتجسد في فلسفة أهداف المبادرة جوهر البعد الاستراتيجي للجهد الوطني البيئي وتشكل الحرب الاولى في الخليج وما تركته من آثار سلبية على المعالم الحيوية للنظام البيئي والمصالح المعيشية للمجتمع وصحة الانسان ومؤشرات امكانية اندلاع حرب الخليج الثانية أثرها في تبني الفنان عباس الموسوي فكرة رسم لوحة للسلام ورفع شعار لا للحرب إذ وقف 24 ساعة يرسم لوحته الفنية للتحذير من مخاطر الحرب على البيئة والانسان مستوحياً مشاهدها الفنية من مشاهد العمليات الحربية التي نقلتها محطة «سي. إن.إن»، وتضمنت مشاهد اللوحة «الصحراء تحترق، العذراء والغول» وترك ذلك العمل أثره في اعلان قيام هذا المشروع الحضاري، ودفعت المآسي الانسانية وانتشار الأمراض الخطيرة في العالم إلى توسيع دائرة نشاطات المبادرة، ومن أبرز تلك الأنشطة تنظيم مهرجان في قصر الأمم بمشاركة «1000» طفل وفنان والعمل لإقامة مهرجان للسلام والفن والبيئة.
ويقول الفنان عباس الموسوي «أهداف مشروعنا سامية، لا سياسة ولا تجارة ولا شعارات رنانة»، ويطمح إلى أن يتبني العالم مشروع تشكيل أندية للسلام والبيئة في جميع البلدان تكون نواتها الشباب والناشئة وإقامة جزر محمية للسلام والبيئة، ويأمل أن ينطلق المشروع من مملكة البحرين.
المشروع الإصلاحي لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة يمثل دافعاً وباعثاً مهمّاً في انتعاش حركة المجتمع المدني في الشأن البيئي، وتشكل جمعية أصدقاء البيئة، التي تصدرت مبادرة تأسيسها في العام 2001، الناشطة البيئية خولة المهندي، أحد إفرازات المشروع الاصلاحي، ومن المبادرات المهمة التي أثرت الجهد الوطني البيئي، وتبنت الجمعية الكثير من المشاريع البيئية، وتمثلت في برامج التوعية البيئية والاهتمام بتنمية الوعي البيئي للأطفال والناشئة، والاهتمام بقضايا البيئة البحرية، والحزام الأخضر، والعمل على تنظيم الحملات الإعلامية لنشر الثقافة البيئية.
«جمعية البحرين للبيئة» من المشاريع المهمة في منظومة العمل المدني البيئي، وانبثقت في خضم المشروع الإصلاحي بناء على مقترح تقدم به إلينا الشخصية الاجتماعية يعقوب جناحي وجرى اشهارها في (5 سبتمبر/أيلول 2001) وتصدر مبادرة تأسيسها مجموعة من المحامين والقانونيين والاقتصاديين والأطباء، ونشطاء العمل المدني البيئي، وشخصيات إجتماعية بارزة منهم الشخصية الوطنية عبدالله راشد البنعلي، والمحامي علي الأيوبي، والمحامي حسن إسماعيل، والاقتصادي محمد الصياد، والمختص في الشأن البيئي سعيد عبدالله، والفنان عباس الموسوي والناشط البيئي حسن العود، وكان لذلك التنوع أثره في بناء النهج الاستراتيجي المؤسس والواعي لاتجاهات عمل الجمعية الذي جرى بالإرتكاز على ثوابت مقوماته تنفيذ برامج نوعية ساهمت في دعم أهداف المشروع الوطني البيئي لبناء السلوك الاجتماعي البيئي وإنجاز أهداف التنمية المستدامة.
مشهد الجهد الوطني البيئي يشير إلى ما يتميز به من ثراء في مكونه التنظيمي والمؤسساتي، بيد أن تعزيز منجز أهدافه في حاجة إلى وحدة العمل التنظيمي، وبناء شراكة فاعلة لمكوناته، وتيسر الإجراءات القانونية والإدارية لتمكينه من المساهمة الفاعلة في إنجاز المشروع البيئي لمملكة البحرين.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4934 - الخميس 10 مارس 2016م الموافق 01 جمادى الآخرة 1437هـ