هناك فرق بين «المرونة» و«النضج ما بعد الصدمة» كتعريف وكمفهوم، إذ تعتبر «المرونة» هي الرجوع إلى العادات السابقة بعد حدوث حدث أو جلل ما، والذي يعرف بالصدمة، وذلك بعد أن حدثت تغيرات معينة في التصرفات أو الحياة الشخصية أو السلوكية، لكن هذا يختلف كثيرًا عن تعريف ومفهوم «النضج ما بعد الصدمة» والمقصود به التغيرات الإيجابية لتقبل العيش والتعايش بعد حدوث حدث أو جلل ما أو الصدمة، بحيث يصبح في وقت ما نمط حياة وبقناعة ونضوج في الفكر والتصرفات السلوكية الروتينية، أي بمعنى «التغيير» وبدون رجعة عنه.
تناقش أغلب الأبحاث العلمية والسيكولوجية في هذا المجال «النضج ما بعد الصدمة»، إذ تبين وجود بعض الناس التي تتعايش مع الصدمة وتتعلم منها بشكل إيجابي وتنتصر عليها «مهما بلغت نسبة الضرر منها» ويستطيعون الوصول إلى مرحلة النضج ما بعد الصدمة، ما يمكنهم من التعامل مع الصدمة وتأثيراتها وضررها، ومن ثم ينخرطون في شبكات داعمة يؤثرون فيها ويتأثرون بها إيجابيًّا، وهذا في المحصلة يؤدي إلى التأقلم الطبيعي مع تغيرات الحياة صحيا واجتماعيا واقتصاديا.
نتناول في هذا المقال، كمثال، حدوث مرض السرطان كصدمة على النفس البشرية ومدى وقعها وتأثيرها على الإنسان، وما ينتج عنها من تأثيرات جسدية وسيكولوجية، إذ تتباين أنواع النضوج ما بعد الصدمة تلك ونذكر منها، أولا - إن التعايش مع مرض السرطان قد يؤدي إلى تغيير في طبيعة ونوعية العلاقات الشخصية مع أفراد العائلة أو مع بعض الأصدقاء. ثانيا - التعايش مع مرض السرطان يؤدي إلى خلق حياة جديدة مع تغيير استراتيجي في طبيعة أولويات متطلبات الحياة اليومية، ونضرب مثالاً على تغيير طبيعة العمل، العمل على تنسيق تقاعد مبكّر، التفكير في كيفية التغلب على المخاوف من رجوع المرض، العمل على تحقيق بعض الأمنيات الدنيوية الحياتية.
ثالثا - ممارسة الشكر والثناء اليومي والعمل على زيادة الوعي بتوافر الصحة، وهذا يعطي بدوره قيمة مضافة للوقت والحياة ولكل عمل تؤديه.
رابعا - التعايش ومن ثم الانتصار على مرض السرطان يعززان القوة والعزيمة الذهنية وتنامي الشعور الداخلي بالفخر بإنجازك الانتصار على مرض السرطان.
خامسًا وأخيرًا - تطوير وتعزيز وتطبيق الروحانيات في حياتك اليومية الروتينية.
لذلك ندعو إلى تشجيع الناس المصابين بمرض السرطان والناجين منه إلى تبني استراتيجيات «النضج ما بعد الصدمة»، وذلك باتباع بعض من الطرق الآتية:
أولا - استراتيجية تقليل التوتر، وذلك باتباع نمط حياة جديد يحتوي على برامج تقنيات الاسترخاء، وممارسة النشاط البدني المنتظم والانفتاح على الأصدقاء الإيجابيين.
ثانيا - ممارسة التحدث عن خبرتك في مواجهة تلك الصدمة للأصدقاء أو لأفراد أسرتك وعائلتك أو في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يؤدي بدوره إلى إعطاء قيمة ومعنى لمواجهتك ومحاربتك للصدمة وللمرض والتغلب عليه.
ثالثا - تعزيز الإحساس بالطمأنينة والسلامة وهذا يتطلب منك الانفتاح والتحدث مع الأخصائيين السيكولوجيين أو الوسطاء الروحانيين أو الأصدقاء المقربين جدا.
رابعا - تعزيز التواصل مع الآخرين الذين تعرضوا للصدمة ذاتها وذلك بهدف تبادل الخبرات والدعم النفسي.
خامسا وأخيرا - العمل على خلق تصور جميل ورائع لحياتك بعد الصدمة، وذلك بوضع خطط لحياتك المستقبلية لتستمتع فيها وبكل لحظاتها استنادا لخبرتك في المواجهة وما تتعلمه من خبرات الآخرين الذين تعايشوا مع مثل تلك الصدمات.
وخلاصة لهذا القول، إن الاعتماد على قوله تعالى «قُلْ لَنْ يُّصيبَنا إِلا ما كَتَبَ اللهُ لنا» (التوبة: 51) حتما تلعب الدور المحوري في وصولك إلى مرحلة «النضج ما بعد الصدمة»، والقناعة بالقضاء والقدر، وأن الله لقدير على خلق المعجزات تعتبر عمود الخيمة التي تنجيك من عواقب تلك الصدمة وذلك المرض.
إقرأ أيضا لـ "نبيل حسن تمام"العدد 4934 - الخميس 10 مارس 2016م الموافق 01 جمادى الآخرة 1437هـ
,احسنت دكتور , مقال جميل جدا , لتخطي الازمات لابد من الاتكال على الله تعالى وتفويض الامر اليه, بالاضافة للعمل على تجاوز الصدمة من خلال ما تفضلت به مع عدم اليأس والصبر واعطاء النفس الوقت الكافي لتجاوز الصدمة .
نساله تعالى أن يمن على الجميع بالصحة والعافية , تحياتي وتمنياتي لك بالصحة والعافية .
ذكرتني بمقولة حلوة ( معلم على الصدمات قلبي ...) , على الانسان امتصاص الصدمة لوجه الله . اللهم صل على محمد وآل محمد .
جمعة مباركة ..
مقال مهم يستحق القراءة والتأمل لأننا نحتاج دائما الصبر والايمان في مواجهة المرض والابتلاء وما يخلفه من صدمة في حياتنا لا يعالجها إلا النضج للعودة إلى طبيعة الحياة .
أحسنتم
أنت يا دكتور خير مثال على ذلك ، مقال جميل وواقعي.
هل
هناك ارقام لإعداد الناجين ولما التشخيص المتأخر في عدد كبير من الحالات نصف المصابين يرتحلون سنويا احاول ان اتجاوز الصدمة في مجتمع صادم وأرقام صادمة ورحيل صادم