بعد سلسلة من شكاوى نسائية بعدم حصولهن على التقدير في العمل؛ بل ومحاربتهن أحياناً مما يعيق تقدمهن، في ملتقى بمناسبة يوم المرأة البحرينية، وقف أحد رؤساء الشركات من المدعوين قائلاً: «لن يتغيّر شيء مادامت المرأة تتحدث إلى المرأة في الملتقيات المغلقة»، مشيراً إلى أن المرأة تناقش قضاياها وتشتكي ظلم الرجل لها في منتديات نسائية مغلقة وتخرج بالتوصيات التي يتلقاها الرجل من دون معرفة أساسها الذي بنيت عليه! داعياً إلى إشراك الرجال دائمًا في المنتديات التي تستعرض فيها المرأة همومها وتطلعاتها لتوعية الرجل بها؛ كي يساعدها على تجاوز هذه المشكلات ودعمها في تحقيق ما تتطلع إليه في المواقع المختلفة.
في المنتدى نفسه، تداخلت إحدى المشاركات بذكر مسئولياتها التي عليها تحملها كزوجة وكأم وكامرأة عاملة فوصفت يومها الاعتيادي قائلة: «عليّ أن أهتم بشئون التربية، ومتابعة واجبات الأبناء، والتأكد من وجبة الغداء والعشاء، والتأكد من تصليح ما يتلف في البيت، بالإضافة إلى مسئولياتي الأخرى على الجانب المهني كموظفة».
تتكرر شكاوى المرأة في كل محفل من مسئولياتها وعدم تقدير المجتمع لدورها، ومن المعاناة من التمييز في بعض المواقع، ويتكرر «تغافل» الرجل عن فهم الدور المركب الذي تلعبه المرأة في الحياة. الشكوى ليست دعوة للمساواة فحسب، وإنما للمشاركة في أداء الواجبات.
هذا الوضع الذي وجدت المرأة نفسها فيه، يعود إلى التكوين البيولوجي للمرأة والذي أعطاها وضعاً وأدواراً منذ القدم، قبلت بها وقبل بها الرجل والمجتمع ككل، فكان دورها الحمل والولادة والتربية وإدارة شئون البيت، بينما كان دور الرجل السعي للرزق مستخدماً تكوينه الجسماني للمهام التي تتطلب في الغالب جهداً عضليًّا ومخاطرة لكي يكسب معيشته، ويوفر متطلبات الحياة لأسرته. ومع التطورات لم تعد الأعمال التي تُكسب منها المعيشة تعتمد على العضلات إلا أن الرجل ومن ورائه المجتمع، حافظ على فكرة «تفوقه» على المرأة ودوره في كسب المعيشة للأسرة، وأصبح أي تفكير خارج ذلك هو تمرد على الأدوار التي استقرت في ثقافة المجتمع، ومن هناك بدأ نضال ومطالبات المرأة بأشكال متعددة ولمختلف أنواع الحقوق التي تشعر أن حرمانها منها يحرمها من أدوار إضافية بإمكانها أن تلعبها جنباً إلى جنب مع الرجل.
ففي البحث في «يوم المرأة العالمي» الذي احتفل العالم به مع المرأة أمس، وجدت على جانب الصفحة في موقع «ويكيبيديا»، صورة لملصق «سوفياتي» يعود تاريخه إلى العام 1932 ويوضح امرأة تحاول أن تنهض من تحت أكوام الأدوات المنزلية، وتمد يدها لتمسك بها امرأة أخرى تحاول مساعدتها للوقوف. وجاء في نص ترجمة المكتوب أسفل الصورة أن «الثامن من مارس هو ثورة النساء العاملات ضد عبودية المطبخ، ويسقط الإضطهاد وضيق الأفق في العمل المنزلي!».
وفي الموثّق من تاريخ الحركات النسائية، قادت نساء أميركا حركات الإضراب احتجاجاً على سوء أوضاع العمل والمعاملة اللاإنسانية في قطاع صناعة الملابس. وفي العام 1909 تقرر الاحتفال في (فبراير/ شباط) تكريماً لذكرى معاناة هؤلاء العاملات. وبعده بعام تقرر في اجتماع عقد في كوبنهاجن تكريم الحركة النسائية واتاحة الحقوق الإنسانية للمرأة، ودعم حقها في الاقتراع. وتوالت الاعترافات بحقوق المرأة الإنسانية فيما بعد. وعلى رغم أن دعم الأمم المتحدة لحقوق المرأة بدأ في ميثاق الأمم المتحدة للعام 1945، فإن اعتماد الثامن من مارس يوماً عالميّاً للمرأة لم يعلن حتى 1975 التي اعتبرتها الأمم المتحدة السنة الدولية للمرأة.
وكان ميثاق الأمم المتحدة ومن بعده الاعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948، يؤكدان «احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء».
وعلى رغم الخطوات الواسعة التي خطتها المرأة في نيل حقوقها على أصعدة مختلفة منذ بدء حركات «التمرد» على الصورة النمطية لها، فإن الطريق يبدو طويلاً والحقوق التي تتحدث عنها المرأة تختلف من مكان إلى آخر، فشعار الأمم المتحده لليوم العاملي للمرأة لهذا العام 2016 هو «الإعداد للمساواة بين الجنسين لتناصف الكوكب بحلول 2030». وفي تصريحه الرسمي قال أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون: «فلنكرس تمويلا قويا لتحقيق المساواة بين الجنسين في جميع أنحاء العالم، مدافعين بشجاعة عن هذا الهدف، وثابتين على إرادة سياسية لا تتوانى. فإنه ليس من استثمار في مستقبلنا المشترك أعظم من هذا الاستثمار».
وبالاطلاع على الأهداف الرئيسية المراد تحقيقها مع حلول العام 2030 تتضح الحاجة إلى توفير تعليم ابتدائي وثانوي مجاني وجيد للجنسين، وتوفير رعاية لمرحلة ما قبل المدرسة، بالإضافة إلى القضاء على التمييز والعنف في القطاعين العام والخاص، والاتجار بالبشر والزواج المبكر والختان، أي أنه لاتزال هناك معاناة في الحصول على احتياجات التنمية الأساسية في مجال التعليم، ومن الاستغلال والانتهاكات الجسدية والتعرض للعنف، فيما في بقاع أخرى من العالم أتيح للمرأة قطع أشواط أطول وأسرع نحو حقوقها.
وقد تنصف المرأة القوانين في الحصول على الفرص المتساوية مع الرجل وأيضاً في حمايتها، لكن ستتواصل الحاجة إلى وجود ثقافة مجتمعية وأيضا حاجة وتقدير لدور المرأة البيولوجي والاجتماعي، مع اختلاف نظرة وتعامل المجتمعات مع المرأة، فمثلا، في المجتمعات التي تنخفض فيها معدلات الإنجاب لأسباب مختلفة، تلقى المرأة دعماً كبيراً في الأعمال لتأدية دورها البيولوجي لتشجعها على الإنجاب فتطول إجازات الوضع وتُقدم تسهيلات لإجازات التربية فيما بعد من أجل تشجيع المرأة على الإنجاب ولتجديد الدماء في الشعوب التي بدأت تعاني من الشيخوخة، فيما تخشى مجتمعات أخرى انفجارات سكانية لو قدمت المزايا نفسها للمرأة فيها.
وفي كل الأحوال فمن الصعب أن تتخلى المرأة عن هذا الدور مهما كان معيقاً لها، ذلك لأن الإحساس بالمسئولية الأساسية فيه هو احساس فطري وغريزي يبدأ منذ حملها للطفل في أحشائها لتكون مسئولة عنه مسئولية كاملة حتى بعد خروجه إلى الدنيا.
فالقوانين وحدها لن تكون كافية؛ لأن الثقافة المجتمعية ستظل تبيح تعرض المرأة للتمييز والظلم ولانتهاكات مختلفة في المجتمعات الأقل تحضراًّ، كما أنها في المجتمعات المتحضرة تقيد خطوات المرأة نحو المساواة، وتبقى حاجزاً أو سقفاً زجاجيّاً يعيق المرأة عن الوصول بفرص متساوية إلى مجالس الإدارة وإلى مقاعد البرلمان وإلى أعمال أخرى ترى في الرجل أفضلية على المرأة.
ومع ذلك فالطريق ليست صعبة للمرأة التي ترى في المساواة مع الرجل ضرورة في فرص العمل وفي الحقوق الانسانية والسياسية، فتعديل القوانين ضرورة، والعمل لم يعد مجرد وسيلة للكسب وتحقيق الاستقلالية المادية بما يحفظ الكرامة ويوفر العيش الكريم فحسب وإنما هو أيضا لتحقيق الذات والرضا عن المشاركة بما لديها من مهارات وقدرات ومواهب للبناء والتنمية خارج دورها الأسري، وهو حلم يكفي لمواصلة تطوير القوة والقدرة كي تتمكن، كما قال أمين عام الأمم المتحدة في بيانه، من عبور شظايا زجاج الأسقف التي تمكنت من كسرها.
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 4932 - الثلثاء 08 مارس 2016م الموافق 29 جمادى الأولى 1437هـ