صدرت للكاتب والقاص والمُترجم البحريني مهدي عبدالله مجموعة قصصية تضمنت مجموعة من القصص لكتّاب من أميركا اللاتينية حملت اسم «الضفة الثالثة للنهر»، والعنوان مستوحى من قصة الروائي والقاص البرازيلي جاو جيمريس روسا (1908-1967)، وهو بحسب التعريف الذي يسبق القصص المترجمة، ممن كتب الأدب القصصي الذي كان يجمع بشكل ملفت ورائع للرواية الإقليمية في شمال شرقي البرازيل مع الشاعرية الطليعية المتمركزة في ساوباولو.
تجربة الصديق مهدي لها حضورها هنا. أنجز عدداً من الأعمال برويّة وتأنٍّ أكثر مما بدا هنا في العمل موضوع الاستعراض؛ إذ ثمة إرباك طال الترجمة في عدد من النصوص لم نعهده في تجربته بكل هذا الوضوح الذي تم الوقوف عليه.
مع قصة روسا، بكل عوالمها الغرائبية: الحضور الذي لا يمكن اعتباره حضوراً. الغياب الذي هو الآخر برسم التأجيل والتكهُّن، وبرسم الاحتمال. ما يبدو أنه في الشاخص والماثل ليس كذلك. الأب الذي يصنع قارباً ليذهب إلى المجهول. مجهول من حوله، ولكنه يظل معلوماً بالنسبة إليه.
لا تبدو اللغة التي تُرجم بها العمل منصفة للعمل نفسه لما ورد فيها من وهن في الصياغة ومباشرة حتى في مواضع العمل التي لا مباشرة فيها. بدت أقل من ذلك بكثير.
تظل الترجمة اجتهاداً في حدود ما يرفع العمل لا في حدود ما يهبط به ويهوي. بدت لي القصة هنا عرضة لكل ذلك. ربما هو الاستعجال. ربما هو السخاء فيه أيضاً، وبخْل في التأني. بالنظر ومقارنة بأعمال أخرى أنجزها الصديق مهدي.
«نظر إليَّ فقط وتمنَّى لي الخير وبحركة واحدة أخبرني أن أعود إلى البيت تصرفت كما لو أنني سأفعل لكن حينما أدار ظهره اندفعت خلف بعض الشجيرات لمراقبته. ركب أبي في القارب وجدَّف بعيداً. ظله تزحلق كتمساح طويل وهادئ. والدي لم يرجع ولا حتى ذهب إلى أي مكان في الحقيقة. فقط جدَّف وطفا عبر النهر وحوله. كل واحد أصيب بالذعر. الشيء الذي لا يمكن أن يحدث صار يحدث الآن. وجيراننا جاءوا لمناقشة هذه الظاهرة».
في تجربة الحذَر
لسنا هنا بصدد ترجمة تقارير صحافية، بحيث لا يكون المترجم ملزماً باستحضار إمكاناته اللغوية التي يترك شيئاً منها على العمل، مادام المحتوى والمضمون الذي يُراد تقديمه حاضراً وماثلاً.
في الأعمال الإبداعية تكون درجة الحذر والتأني واليقظة والمراجعة مضاعفة بشكل مزعج ومقلق ومؤذٍ أحياناً.
«المسافرون على طول النهر والأشخاص القاطنون قرب الضفة على أحد جانبيها أو على الجانب الآخر قالوا بأن أبي لم يضع أبداً قدمه على اليابسة سواء في الليل أو في النهار. فقط كان يتحرك حول النهر بشكل منعزل دون هدف».
لنضرب صفحاً عن الترجمة بشكل مؤقت ولنركِّز على موضوع القصة من خلال النماذج التي قُدمت في هذا الاستعراض، عن نفسي أقول: بأنني لم أستطع القبض على غرائبية وسحرية القصة، بذلك التشويش الذي اكتنف صياغتها، وبعض المفردات التي اقتربت من العامية أكثر من اقترابها من طبيعة اللغة التي تحكم تلك النوعية من الرؤيا فيها.
الكلام هنا ينصبُّ على القصة التي حملت عنوان المجموعة فقط، لأن الوقوف على تفاصيل الوهن والركاكة في ترجمة القصص جميعها، سيحول الاستعراض والقراءة إلى مسار آخر ليس هو هدفها، وما يجعلنا نثير هذه الملاحظات هو أن تجربة الصديق مهدي عبدالله ليست ابنة اليوم، وبالتالي كان من المفترض أنه مع كل مشروع ترجمة يتلمَّس القارئ الفارق الكبير، والأدوات التي أخذت طريقها إلى النضج أكثر، وهنا - وللتأكيد - مرة أخرى في قصة حملت عنوان المجموعة وتستحق ذلك، يمكن الوقوف على جانب عابر من ذلك الوهن والضعف: «بكت أختي وبكينا جميعاً ونحن متحاضنين»!
المناهج... لغة المترجم نفسه
من بين الأخطاء اللغوية التي وردت «لقد بدأت في المعاناة من كبر السن الذي تكون الحياة فيه (نوع) من التباطؤ»، وكان من المفترض أن تكون (نوعاً)؛ عدا الأخطاء الطباعية «بدأت في (فيه) أخمّن ما هو الخطأ).
لا أحسب الزميل والصديق مهدي، وغيره ممن ولجوا تجربة الترجمة في انسجام مع الارتهان إلى مذهب واحد من بين مذهبين في الترجمة، التزاماً به: الحرفي، أو التفسيري، بل بمقتضيات النص التي تفرض أخذاً بالجانب الحرفي، أو أخذاً بالجانب التفسيري، ومن بين هذا وذاك، تظل لغة المترجم (الأم) ميزان تقدير، وأحياناً تدخّل في صياغة تجعل القائم بالترجمة شريكاً في النص بتلك اللمسات التي يتركها، ويكون لها الأثر الكبير والعميق والجمالي أيضاً على مسار العمل.
التركيز على القصة نفسها لأنها المفتاح للمجموعة، أو هكذا بدت. وما ورد من ملاحظات عابرة عليها لا ينفي وجود الأخطاء نفسها فيما يتعلق بالصياغة والقبض على المعنى الجمالي في العمل قبل القبض الحرفي فيها، أو هامش التفسيري منها.
ثم إن ما ورد من ملاحظات عابرة، لا يفقد العمل جهداً بذل فيه سما أو هبط، أو كان بين منطقتين في عمل هنا، أو عمل هناك؛ علاوة على أن الملاحظات تلك ترمي في ما ترمي إليه الإعراب عن المحبة والحرص أكثر من تكدير فرحة تصاحب أي إصدار جديد.
المجموعة ضمت قصصاً لكل من: غابرييل غارسيا ماركيز، من خلال ثلاث قصص «يوم من هذه الأيام»، «أحد ما كان يبعثر هذه الورود»، و «مرارة لثلاثة سائرين نائمين»، ماريو فارغاس يوسا بقصة «التحدِّي»، هرناندو تيليز بقصة «مجرد رغوة، ذلك كل ما في الأمر»، نوربرتو فونتس بقصة «تطهير الشرف»، جورجي أمادو بقصة «العرق»، جاو جيمريس روسا بقصة «الضفة الثالثة للنهر» التي حملت عنوان المجموعة المترجمة، فرجيليو بينيرا بقصة «لحم»، نليدا بينون بقصة «دفء الأشياء»، جان جوسيه أريولا بقصة «أنا أخبرك الحقيقة»، أوكتافيو باث بقصة «الباقة الزرقاء»، بيدرو جان سوتو بقصة «الأبرياء»، ريكاردو جيرالدس بقصة «فنان الزركشة»، دالتون تريفيسان بقصة «ينيلوب»، كريستينا بيري روسي بقصة «العتبة»، لويزا مرسيدس ليفنسون بقصة «الأرض المقطوعة الشجر»، أوجستو راو باستوس بقصة «المساحة الفارغة»، هوراسيو كيروجا بقصة «كيف حصلت طيور الفلامينجو على جواربها»، ميجل أنجل أستورياس بقصة «أسطورة الكاديجو»، وإنريك أموريم بقصة «الصورة».
يذكر أنه صدرت للكاتب والمترجم مهدي عبدالله: «مذكرات بلجريف، مستشار حكومة البحرين سابقاً» (1991)، «نكهة الماضي - حكايات تاريخية عن البحرين» - الجزء الأول، باللغتين العربية والإنجليزية (1994)، «نكهة الماضي» - الجزء الثاني (1996)، «نكهة الماضي» - الجزء الثالث (2007)، «نكهة الماضي» - الجزء الرابع (2015، «تجربة»، قصص قصيرة (1999)، «قصص مختارة من الأدب العالمي» - ترجمة - الجزء الأول (2002)، «قصص مختارة من الأدب العالمي» - ترجمة - الجزء الثاني (2006، «ساحل القراصنة» - ترجمة، بالاشتراك مع فاروق أمين (2006)، «قصص هاربة»، مجموعة قصصية (2010)، و «قصص قصيرة من الأدب الأميركي الحديث» (2011).
عندي الكتاب وفي اخطااء و الترجمه ضعيفه وضيعت المعنى والقصة الاولى ناقصة النهايه لدرجة اني اكملت قراءتها على الانترنت
يبيله
وين نلقاها المجموعة؟؟!!