المرأة من الفئات الهشّة بحسب تصنيف منظمة الأمم المتحدة والبرامج التابعة لها، لذلك خُصَّتْ في الشِّرْعَة الدوليّة بالعديد من القوانين، لعلّ أهمّها القانون 1325 الصادر عن مجلس الأمن العام 2000، والذي ينصّ على الحقوق الثلاثة الكبرى للمرأة وهي: الوقاية والحماية والمشاركة. وتنهض المرأة السوريّة على رغم ما تعانيه، وربما بسبب ما تعانيه، بدور لافت ولاسيما في المشاركة في صنع السلام، لذلك انبرت مجموعات نسائيّة عديدة تعمل على تأسيس أو الانضواء ضمن هياكل نسائيّة سورية تعدّدتْ مسمّياتها وانصهرت أهدافها في بناء السلام، حتّى غدون نموذجاً وعلَماً من أعلام التسامح والسلام.
يتألّم العالم، يوماً بعد يوم، لمشْهَد المعاناة اليومية للمرأة السوريّة سواء الرازحة تحت نَيْرِ الحرب الدائرة رحاها في الداخل السوريّ، أم اللاجئة والمهاجرة على قوارب الموت. نعَمْ تعاني النساء والفتيات السوريات من النزاع؛ فهن يتعاملن مع العنف الجنسي وما فيه من تأثير كبير على صحتهن وسلامتهن، ووضعهن داخل الأسرة والمجتمع الأهلي، وهنّ يقمن بأدوار غير تقليدية نظراً لذهاب أزواجهن وآبائهن وأشقائهن للقتال، أو تعرضهم للعنف. إضافة إلى ذلك تواجه النّساء السوريات خطر الزواج في سن مبكّرة مقابل مهر لتأمين الطعام على مائدة الأسرة أو لتسديد إيجار المنزل.
لذلك ما كان من النساء السوريات، وقد استشعرن خطورة وضعهنّ، سواء في الداخل أو في الخارج، إلاّ أن يبادرن إلى تأسيس تجمّعات نسائيّة اختلفت مسمّياتها واتحدت أهدافها من أجل صناعة السلام؛ من ذلك «ملتقى سوريات يصنعن السلام»، «تجمّع نساء سوريات من أجل السلام»، «نساء سوريات لأجل السلام والديمقراطية»، «مركز المجتمع المدني والديمقراطية»، «ائتلاف النساء السوريات المستقلات»، «منظمة كرامة»... وتتعاون هذه المبادرات النسائيّة السوريّة مع منظمات وهيئات إقليمية ودولية من ذلك هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومركز الشرق الأوسط لدراسات السلام والإنسانيّة IMPR.
وقد اختلفت النساء السوريات اللواتي برزن بنشاطهنّ من أجل السلام؛ فقد مثّلن مختلف أطياف الشعب السوري إذْ ترى فيهن العربيّة والكرديّة والسنيّة والعلويّة والمسيحيّة والدرزيّة والشيعيّة والإسماعيلية... جئن من عدد من المحافظات والمدن السورية بما في ذلك دمشق وحلب واللاذقية وطرطوس والسلمية وحمص وريف دمشق والقامشلي والحسكة والسويداء ودرعا وحماة والزبداني والقنيطرة والرقّة... اجتمعن على هدف واحد: صناعة السلام. ومن هؤلاء على سبيل الذكر لا الحصر نذكر أسماء: ديانا جبور، هيباق عثمان، نوال اليازجي، إلهام أحمد، أمّ علاء، صباح الحلاق، جمانة رياض سيف، أمان البزرة، أميرة مالك... وغيرهن. اجتمعن فكانت هذه الهياكل النسائية العاملة من أجل السلام في سورية، أو في المهجر تمهيداً للعودة والمشاركة في إحلال السلام. ومن أبرز إنجازات النساء السوريات العاملات من أجل السلام إصدار ميثاق السلام الذي يحدد رؤيتهن المشتركة للمرأة السورية، وللدولة السورية المستقبلية، وللسلام فضلاً عن تحديد دور المرأة في صنع السلام وتحديد أولويات المرأة السورية. وقالت مُؤَسِّسَةُ منظّمة «كرامة» هيباق عثمان بمناسبة صدور هذا الميثاق: «أنا فخورة باجتماع النساء السوريات معاً ووضع خلافاتهنّ جانباً من أجل كتابة هذا الميثاق وإلقاء الضوء على أولويات المرأة السورية».
وتهدف هذه المبادرات النسائيّة السورية إلى دعم المرأة ومناصرة قضاياها وتعزيز ثقتها بنفسها ودعمها نفسياً وتوعيتها. وفي إطار تحقيق هذه الأهداف قامت هذه المنظمات بأعمال جليلة خلال السنوات الخمس الماضية؛ فبالإضافة إلى ميثاق السلام، أطلق «ملتقى نساء يصنعن السلام» راديو «سوريات» وهو عبارة عن منصّة إعلاميّة للنساء ولكلِّ من يقف في صفهنّ، يدافع عن حقوق المرأة، وإمكانية تمكينها في كل مجالات المجتمع، وهو مساحة للشباب الصغير ليعبِّر عن نفسه، كما أنَّه لا يقتصر فقط على النساء، بل هو لكل من لديه نَفَسٌ نسوي.
غير أنّ عملهنّ تكتنفه العديد من الصعوبات والتحديات لعلّ أبرزها مواجهة الواقع القاسي ومواجهة الصراع ما قد يدفع ببعضهن إلى التشاؤم والنفور وتحطيم الآمال؛ حيث تؤكد ذلك أمّ علاء إحدى النساء السوريات المنخرطات في العمل المدني «هناك عقبات وعراقيل تصادف المرأة في العمل من المجتمع وحتى من ظروفها الشخصية».
إنّ دور المرأة السورية كبير في صناعة السلام، ويُعتَبَرُ تعدّد المنظمات النسائيّة العاملة في هذا الصدد مصدر ثراء لنشاط المرأة السورية، نظراً لكون عملية صناعة السلام متعددة الأبعاد وبالغة التعقيد، فهي تنطوي على التنسيق مع عدد من الجهات الفاعلة، وتتطلب العمل في الوقت ذاته على مستويات مختلفة وفي مناطق متعددة مع المجتمع، فلا توجد منظمة واحدة قادرة على امتلاك جميع مهمات بناء السلام. ولعلّ التجربة الليبيرية خير ملهم للنساء السوريات حيث استطاعت النساء الليبيريات وقف الحرب وأجبرن رئيس الجمهورية على التنحّي، بل وصلت المرأة الليبيرية إلى هرم السلطة.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4931 - الإثنين 07 مارس 2016م الموافق 28 جمادى الأولى 1437هـ
صناعة السلام ...وأجمل بها من صناعة