الدفائن هي الكنوز، والمفرد منها: دَفِينة. هذا ما قاله ابن منظور في «لسان العرب». والحقيقة، أن في كل بلدٍ هناك دفائن/ كنوز لا يُعلم بها أحد حتى تُستَخرَج. وهذه الدفائن ليست بالضرورة أن تكون ذهباً أصفرَ ولا فضة من جوهر، بل إنها قد تكون بشراً كذلك، وهم الأكثر نفعاً من أي كنوز أخرى.
لذلك، جاءت فكرة الاستثمار في البشر عند الدول المتقدمة عبر دعم العقول والمشروعات الصغيرة وبرامج التدريب. فالولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال تقوم بتخصيص مليار و200 مليون دولار سنويّاً للتدريب (وليس الأبحاث)؛ لأن الدراسات الحديثة أظهرت لديها أن كل دولار يُنفق على التدريب يتم تحصيله بـ 30 دولاراً ما يعني أن الأميركيين يسترجعون أموالهم التي أنفقوها على التدريب وهي على حد الـ 36 مليار دولار!
أعود إلى عنوان مقالي لأتحدث عن مسألة الكنوز البشرية في مجتمعنا البحريني. ففي غير مرة، ومنذ أن صدرت إلى حيث اليوم وهي تطبع عددها الـ 4930، دَأبَت صحيفة «الوسط» على استخراج العديد مما تزخر به البحرين من كنوز بشرية كانت رائدة في اجتراح الأفكار والمشاريع التي كان يمكن لها أن تبقى حبيسة وراء الجُدُر الحاجبة لولا تلك الفرص التي أتاحتها لهم «الوسط».
لقد أبرزت لنا «الوسط» مُبدعين في التكنولوجيا والصناعة والزراعة والتعليم والتحقيق العلمي والتراث والخدمات والعمل الإنساني وغيرها من المجالات التي نشط فيها الذكور والإناث من هذا المجتمع على حد سواء وبأعمار مختلفة، إذ لم يكن لأحد أن يتصورها بحقيقتها لولا ذلك الإبراز والتركيز.
هذا الأمر جِدّ مهم، إذا ما علمنا مدى قيمة الربط بين الفكرة والقلم والصورة. فالأفكار (وخصوصاً تلك التي تقوم على جهد فردي) بدون القلم والصورة قد تموت في الأغلب، أو في أحسن الأحوال قد تضعف وتكابد من أجل البقاء. وهو عادة طريق ليس محفوفاً بالورود بقدر ما تحوطه الأشواك.
وبصورة عامة ومن حيث المبدأ فإن أهمية هذا الربط (بين الفكرة والقلم والصورة) لا يتعلق بالأفكار البسيطة الخاصة التي تَتَكلَّل عادة بمشاريع تجارية يقوم بها أفراد في المجتمع بل هي تمتد إلى حيث الأفكار الكبيرة حتى والمتعلقة بالأبحاث والمبتكرات الصناعية في مجالات الطب والفيزياء وغيرها.
لنا أن نتخيّل لو أن أبحاث باولو ماكياريني في استزراع القَصب الهوائية لم تُسلّط صحيفة ما الضوء عليها فهل كان النور سيصل إليها ليعكسها للمعاهد العلمية المرموقة في ستوكهولم وغيرها؟! بالتأكيد لا. وهو أمر يسري على المئات من المشروعات والأفكار من كل الدول شرقاً وغرباً.
لذلك أقول إن هذا البحث والتنقيب في بواطن المجتمع البحريني وبين أصحاب المواهب وإظهار ما يتمتع به من مَلَكَات هو من أكثر الأشياء التي اضطلعت بها «الوسط» أهمية فضلاً عن أمانة الكلمة والخطاب الرصين (الذي هو من المبادئ المفترصة في الإعلام). بل هي تساهم في تقديم البحرين إلى العالم بطريقة إيجابية، لتقول له إن شعبها صاحب مبادرات حيوية ونشاط فكري وتجاري ليس له حدود.
ولِمَن لا يعلم فإن العديد من البحرينيين الذين ظهروا على صفحات «الوسط» كان ذلك بالنسبة إليهم طريقاً للشهرة والتكريم في الخارج. بل وكان أيضاً مدخلاً لهم نحو الرزق، وهو في جوهره دعم مباشر وغير مباشر للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وللطبقة الوسطى في البحرين ورفد لسوق العمل بالمشاريع التجارية، وبالتالي تقوية البرجوازية الصغيرة وفتح باب للمهن والوظائف.
وإذا ما تعمقنا في تفسير هذا الأمر فإننا سنصل إلى أن تداعياته لا تختص فقط بصاحب الفكرة والمجتمع التجاري أو التعليمي الذي يمكن أن ستتطور فيه، بل بقارئها أيضاً. فالمتلقي يزداد الزخم الإبداعي لديه عندما يقرأ مثل هذه الأشياء ويعتبرها حافزاً له. وفي أحيان أخرى، هناك مَنْ يمتلك «فكرة خام» لكنه عاجز عن تنقيتها، وبالتالي تصبح لديهم الأفكار المدعومة بالتجارب فرصة سانحة للتطوير. هذا الأمر يحصل حتى في أدق الأشياء تعقيداً في مجالات العلوم وداخل المختبرات.
اليوم، لا يريد الشباب فرص عمل فقط بل يريدون مستقبلاً واعداً يتخطى الوظيفة. فهم وباتصالهم بالعالم وتعاملهم اليومي مع ثورة التكنولوجيا المحيطة بهم، والتحديات الاقتصادية التي تهيمن على متطلباتهم تجعلهم يندفعون باتجاه الابتكار وشق طرق لتلك القاطرة. وهو أمر بات واضحاً وتحديداً خلال العقدين الماضيين.
لقد بات واضحاً أن المجتمعات وبالتحديد العربية منها قد أصبحت أسبق من أنظمتها في التفكير. فالدولة المثقلة بالثقافة الريعية عادة ما تكون متأخرة في إدراكها للمتغيرات بسبب سعيها المحموم للمواءمة ما بين التغيير السياسي والخدمات، لذلك ترى الناس في حركة أسرع وتفكير أكثر تحرراً من القيود التي تتورط بها الدول، وبالتالي يستطيعون العمل بوتيرة وتفكير خلاق.
في كل الأحوال، يبقى التركيز على المواهب والأفكار والمشروعات التي يزخر بها مجتمعنا أمراً غاية في الأهمية؛ لأنه مرتبط بالتنمية وبإحياء العقول وإماتة السلبية لدى الجيل الصاعد، وإعادة الثقة إليه كي يبدأ بصياغة مستقبله وتالياً التأثير على مجتمعه بطريقة إيجابية.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4930 - الأحد 06 مارس 2016م الموافق 27 جمادى الأولى 1437هـ
مع احترامي للكاتب المحترم الا انه استخراج واظهار ما عند الدفائن على حد تسميتنا القديمة التراثية الا انه ليس في صالحنا او صالح ذلك الفرد في الوقت الراهن .. حيث ان القوى التى تعمل في الظلام مازالت تتربص بنا كل دوائر السؤ وليس الاحتضان والتنمية بل للهف او مصادرة ما عند الناس والذي يظن عكس ذلك فهو مغبون واطرش في الزفة ويخادع نفسه فانظروا حولكم من الطفل الى الشيخ الى المرأة الى المهجرين والمنفين هم من بني جنسكم .. فقد اسفرت عن وجهها امواج الفتن ومن لا يتعظ بما حل باخوانه فهو مغبون .
الا البحرين ريوس ومتقدمة بس في السجون
كلمة قصيرة ..
شكراً لكم.
رقم ٢ خف على نفسك
لا ادري فوبيا وتبول لا أردي وفوقها حقد وكره مع المختلف عنك مذهبيا ولك ولنا هذه الجريدة والوسط هي الافضل في تاريخ البحرين كله بحيادها ومهنيتها مع كل الحصار باسم القانون والدليل تصدرها في قراءتها على شاشة التلفزة في العالم في اخبار الصحافة وتكريمها عالميا
مكارم الاخلاق
آتشوف الوسط إرفعت أخلاقك وايد فوق، نعم الوسط ما قصرت وهذي أيضاً من إنجازاتها الواضحه والتي لا يمكن إنكارها.
هذه الدفائن ما كان لها أن تضهر للعالم لولا خدمات الوسط التي نشكرها عليها حقاً.
لدينا برامج قتل المواهب ودفنها وطمسها ومحاربتها في داخل البحرين هناك برامج لتقصّي هذه العقول وتعقبها كي لا تبدع او تظهر للعالم بجوهر هذا الشعب
إلا أنا .. الوسط ما ركزت عليي..
شكرا على المقال الرائع، أتفق معكم، وأن الوسط أحد الكنوز
مقال رائع وجدير بالقراءة، أتفق معك بأن الوسط فعلا قدمت من كنوز الوطن بأبهى صورة
الحمد لله
ما قصّرت الوسط جعلتنا من أكثر الدول تقدماً في الشرق الأوسط في المجالات كافّة التكنولوجيه والعلميه والأدبيه بس في دوله أخري في المنطقه تغوّلت علينا وإدعت أنها هي صاحبة الإنجازات العلميه والتكنولوجيه والصناعيه وصاحبة الدهاء السياسي الذي قلَّ نظيره في العالم وفي التاريخ الإنساني كلّه وأنها هيَ التي ستقرر مصير المنطقه والعالم بدهائها وقوّتها ، وللأسف شاطرها كثير من كتّاب الوسط وقرّائها علي السواء هذه الإدعاءات الباطله والتي تجحفنا نحنُ حقنا ومكانتنا
الكاسر
في ايران هناك بحث علمي من جميع الجامعات
الإيرانية للابتكارات وتشجيع التجربة الفردية لكي
تحضي بفكرة كبيرة ونافعة على الجميع