الكاتبة الألمانية شارلوته فيديمان تعبر عن استنكارها وخوفها من وجود أصوات عنصرية ألمانية ترفض المسلمين وترفض حتى المندمجين منهم. فيديمان صوت جريء ضد جميع أشكال التمييز في المجتمع الألماني وخاصة منذ موجة اللجوء الأخيرة.
ناريمان راينكِه جندية ألمانية برتبة رائد في الجيش الألماني لغتها الأم الألمانية، وأمها مغربية وأبوها مغربي، وتقول: "أنا ألمانية مسلمة. لا يوجد اندماج بعد هذا الاندماج. ولكن ما يبعث على استغراب الكاتبة الألمانية شارلوته فيديمان واستنكارها بل وخوفها هو وجود أصوات عنصرية ألمانية ترفض ناريمان راينكه وأمثالها: ليس فقط رغم اندماج ناريمان في المجتمع الألماني بل ونظراً لهذا الاندماج التام أيضاً. حين يُسمح لمعاداة المرأة بالعوم على موجة معاداة الإسلام العالية،شارلوته فيديمان ومشاركتها التالية في النقاش العام الألماني عبر موقع قنطرة.
وتقول شارلوته: "تعلمتُ في الأسابيع القليلة الماضية أشياء عن بلدي (ألمانيا) لم يكُن بودِّي أنْ أعرفها. أعلمُ أنَّ هذه الكلمات تبدو غير سياسية، لكنْ نَشَأَتْ لديَّ حاجةٌ إلى حماية النفس من التوحُّش السريع الذي طرأ على ما يسمى مجاملةً في النقاش العام".
النساء اللواتي يبدين رأيًا خاطئًا، يتم إغراقهن في الشبكة العنكبوتيَّة بسيل من تخيُّلات العنف. ويصبح الاغتصاب الجماعي بمثابة وسيلةٌ تربويَّةٌ - إذا لم تنخرطي في الهتاف المعادي للإسلام. إحدى النساء التي أخبرت عن الأحداث التي وقعت بمحاذاة محطة قطارات مدينة كولونيا الرئيسيَّة، قالت إنَّ رجالاً عرب المظهر عاملوها باحترام، فكان عليها أنْ تسمع التالي: "لأنكِ طاعنةٌ في السِّن وقبيحةٌ أيتها الساقطة. مثل هذا الأمر يتكرر كثيرا اليوم".
وتضيف شارلوته ناريمان: ما كان لي أنْ أتخيَّلَ أنَّ من شأن الكراهية أنْ تنصبَّ حتى على امرأةٍ مثل ناريمان راينكه، المولودة في مدينة هانوفر الألمانية، هي ابنة مهاجرين مغاربةٍ، في السادسة والثلاثين من العمر، تعمل في الجيش الألماني في كتيبة القتال الإلكتروني، وكانت قد خدمت ضمن القوات المسلحة الألمانية في أفغانستان، وهي نائب رئيس "جمعيَّة الجندي الألماني". وكتبت ناريمان "أقول للجميع مرَّةً أخرى: كلا، لا أستطيع على رغم أصولي المهاجرة ومن ديني أنْ أتفهَّم موضوع اغتصاب النساء، بغض النظر عن الفاعل. أما افتراض أنَّ من شأني أنْ أتفهَّم ذلك، فذلك غباءٌ إنسانيٌ سحيقٌ".
وعند مراجعة التعليقات على ما كتبته سرعان ما يتّضح أنَّ الكراهية تجاه السيدة ناريمان راينكه ليست قائمة رغم اندماجها الفائق، بل نظراً لهذا الاندماج نفسه، فهي امرأةٌ ترتدي البدلة العسكريَّة ولكنها لا تقبل بالخضوع.
كيف سيكون شعوري، في هذه الأيام، في هذا البلد، لو كنتُ مسلمة؟ سوف أقرأ مثلاً أنني بالنسبة لديني لست سوى "وعاء للإنجاب"، ومن شأني بعد ذلك أنْ أتقيَّأ على الأرجح.
نقاشٌ مُهينٌ إلى حدٍّ بعيدٍ
النقاش الدائر حاليًا حول الإسلام باعتباره دين المُضايقين والمتحرشِّين جنسيًا يفعل بالضبط بما يدَّعي انتقاده؛ فهو مُهينٌ إلى حدٍّ بعيدٍ للنساء اللواتي يعتنقن هذا الدين، ولملايين المسلمات الأبيَّات المتعلمات. أما إذا ما كنَّ قد صرن على هذا النحو على رغم من دينهن أو بفضل دينهن، فذلك متروكٌ لكلٍّ منهن لكي تروي قصَّةً مختلفةً. وقلّما ماثلت هذه القصص تلك التي يرويها المستعربون الهواة الألمان الجدد.
نعم إنّي أؤكد على أنني في رحلاتي عبر الدول الإسلاميَّة لم أتعرَّض تقريبًا للتحرُّش؛ أتذكر حادثتين حصلت خلال فترة تمتد إلى 17 عاماً. كنت أشعر دائماً بأنَّ غياب الكحول في الأماكن العامة بمثابة حماية، أقصد بوضوح: غياب جماعات الرجال المخمورين. بعد أحداث كولونيا يمكن نظريًا الشروع بنقاشٍ عامٍ عن الشرائح التي تعاني من ازدياد مُعاقرة الخمر في الأماكن العامة. وكما أقول نظريًا فقط.
ألم نتساءل من قبل في أحيانٍ كثيرةٍ عن كيفيَّة إمكان نشوء انفعال الجموع العارم هذا في اللحظات التاريخيَّة الشائكة؟ اغتيال وليِّ عهدٍ - لحقته حربٌ عالميَّةٌ؟ اعتُبرَ اليهود أنهم يتمتعون بامتيازات - احترقت متاجرهم. كان هذا في الماضي. يُفترض أن هذا لم يعُد يسري على المجتمعات الحديثة التي تتمتَّع برأيٍ عامٍ متعدِّد الأصوات - هل الأمر كذلك حقًا؟
تطوير حركةٍ نسائيَّةٍ لمجتمع الهجرة
يمكن في هذه الأيام ملاحظة مدى سرعة نشوء أجواءٍ متشنّجةٍ ومدى سرعة تحوُّل حدثٍ ما إلى تيَّارٍ أيديولوجيٍ جارفٍ، وذلك قبل أنْ تكون تفاصيله قد أمست معروفة بعد. وهذه ليست بظاهرةٍ طبيعيَّةٍ. بالتأكيد، لا يمكن التحكُّم بما يحدث في الشبكة العنكبوتية. لكن لماذا لا يجري رفض دوامة التصعيد من قِبَلِ معظم إدارات التحرير ومقدمي البرامج؟ من أين تأتي الرغبة بالرسوم البيانية العنصريَّة المتقنة، وصولًا إلى الصحيفة الأسبوعيَّة "فالتر" التي تصدر في فيينا؟ وما الذي يدفع حركة التعميمات المجنونة هذه؟ يصعب التفوُّق على عنوان صحيفة "الإيكونوميست": "تجاوز الحدود – رجالٌ مهاجرون، نساءٌ أوروبياتٌ، وانشطارٌ ثقافيٌ". يبدو هذا وكأنه سطرٌ ملحميٌ عن الحرب الجديدة. أَحِسُّ بقشعريرة باردة.
تُنشر حاليًا مقالات عن الطبعة الجديدة من كتاب هتلر "كفاحي" المرفق بتعليقات. عندما يقول أحدهم إنَّ المسلمين هم يهود عصرنا، تُصيبُني رَجْفَةٌ، لأن المقارنة بإبادة اليهود الجماعيَّة يقلل من بشاعتها على نحوٍ غريبٍ، إلا أنَّ هناك أمرًا ألاحظُه في هذه الأيام، ألا وهو وهمُ الخلاص القائم في الكراهية الحاليَّة للإسلام أيضًا، والذي كان يدفع آنذاك لمعاداة الساميَّة. نقرأ مرارًا وتكرارًا في الشبكة العنكبوتية أنَّ كلَّ شيءٍ في ألمانيا من شأنه أنْ يكون أفضل بدون المسلمين. ولا يستهدف هذا على الإطلاق اللاجئين فقط. ويُقال للجنديَّة المحترفة راينكه أيضًا: كلُّ شيءٍ أفضل بدون أمثالك. "أدولف، عُدْ مجددًا!"
ما العمل؟ لقد وقَّعتُ مبكرًا على نداء "بلا استثناء": "حقوق المرأة ليست ذريعة لممارسة العنصريَّة". من الضروري تطوير حركة نسائيَّة لمجتمع الهجرة، تكون قائمة على تحالفات جديدة – ويكون لها رؤية تحرريَّة من شأنها أنْ تُنشئ تظافرًا يتجاوز حدود الدين ولون البشرة وأسلوب الحياة. لقد كتبتُ عن هذا "قبل أحداث كولونيا"؛ والآن يبدو أنَّ ضرورة وجود حركةٍ نسويَّةٍ تقدميَّةٍ تجادل بحججٍ مناهضةٍ للعنصريَّةٍ باتت أكثر إلحاحًا.
ماذا لو انقلب حال ألمانيا؟
من شأن تحالف بين المسلمات (بمن فيهن الملتزمات بشعائر الدين) وغير المسلمات أنْ يُشكِّل تجربةً جديدةً. ليس الرجال وحدهم من يدَّعون بأنَّ المسلمات المتديِّنات خانعات. وما يزيد الأمر تعقيدًا، أنَّ "قضيَّة اللاجئين وقضيَّة المرأة" لهما حساسيَّة على نحو مضاعف، لأنَّ عدد النساء المساعِدَات أكثر من عدد المساعِدين كما هي الحال في كل الأعمال التطوّعيَّة، ولأنَّ الكثير من النساء في الدائرة الأوسع بكثير من نطاق الناشطات يقفن في الوقت الحالي وجدانيًا على مُفْتَرَق: فهن من جهة يتفهَّمن ويتعاطفن مع أولئك الذين تقطَّعت السبل بهم، ومن جهة أخرى يخشين بشكلٍ متزايدٍ من أعدادهم وثقافتهم.
يبدو لي أننا في وضعٍ هشٍّ جدًا في الوقت الراهن. كلٌّ يتحمل مسئولية، وعسى أنْ يحاول كلُّ شخصٍ الابتعاد نفسيًا وفكريًا عن دوَّامة الجنون العام هذه.
أجل، أنا خائفةٌ. كنا قد نظرنا إلى هنغاريا وبولندا باستنكار. إذ لا يَمُتّ ما حدث هناك لنا بصلة. إنه انزياح الآخرين نحو اليمين. ولكن ماذا لو انقلبت حال ألمانيا؟