قال المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إن «وقف العمليات العدائية» في سورية بعد مرور أسبوع على تنفيذه «هش وليست هناك ضمانة بالنجاح، لكن هناك تقدماً مرئياً ولا يمكن لأحد أن يشكك فيه»، لافتاً إلى انخفاض مستوى الحوادث والنشاطات العسكرية والقتلى منذ بدء الاتفاق وارتفاع مستوى وصول المساعدات إلى المناطق المحاصرة، وفق ما نقلت صحيفة "الحياة" اليوم السبت (5 مارس/ آذار 2016).
ونوّه دي ميستورا بسعي أميركا وروسيا من خلال ترؤسهما مجموعة العمل الخاصة بوقف النار للعمل في شكل مكثف لاحتواء أي حادثة والحرص على منع التصعيد. وأكد أهمية الحل السياسي عبر استئناف مفاوضات غير مباشرة بدءاً من بعد ظهر التاسع من الشهر الجاري لتنفيذ القرار 2254، قائلاً: «هناك أجندة واضحة في القرار 2254 مبنية على ثلاثة أمور: أولاً، مناقشات للوصول الى حكومة جديدة. ثانياً، دستور جديد. ثالثاً، انتخابات برلمانية ورئاسية خلال 18 شهراً». وأوضح رداً على سؤال أن قرار دمشق إجراء انتخابات برلمانية في 13 أبريل/ نيسان المقبل سيناقش خلال المفاوضات في جنيف.
وهنا نص الحديث الذي أجرته «الحياة» عبر الهاتف مساء أول من أمس:
> ما هو تقويمكم لاتفاق «وقف العمليات القتالية» بعد مرور أسبوع من بدء تنفيذه؟
- دعني أبدأ بالقول أنه خلال وجودي مع الأمم المتحدة لحوالى 45 سنة، عملت في 19 صراعاً ولم أشهد في أي صراع حتى في صراعات أصغر وأقل تعقيداً من الصراع السوري، أنه عندما يكون وقف النار أو وقف العمليات العدائية يحصل تنفيذ كامل من اليوم الأول. تذكر لبنان، كم مرة أعلن وقف نار ثم خرق ولم يصمد.
في هذا السياق، مضت ستة أيام منذ ساعة الصفر لتطبيق اتفاق وقف العمليات العدائية، ومن منطلق إحصائي صرف، فإن عدد الحوادث والنشاطات العسكرية انخفض في شكل جوهري. لذلك، يمكن التأكيد على ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) أن وقف العمليات العدائية صامد إلى حد كبير. هل هو كامل؟ لا. كانت هناك سلسلة من الحوادث واستمرت في مناطق حماة وحمص (وسط) واللاذقية (غرب) ودمشق. وبصراحة، كانت هذه الحوادث مصدر قلق، لذلك فإن الطرفين الراعيين ورئيسي مجموعة العمل الخاصة بالاتفاق، أقصد روسيا وأميركا، قاما وبالتواصل المكثف معنا وأعضاء «المجموعة الدولية لدعم سورية» بالعمل للتأكيد على نقطة مهمة، هي أنه عندما تحصل حادثة معينة ألا تتحول إلى سلسلة من الأحداث ويجب أن يتم احتواؤها وألا يحصل تصعيد وقتها كي لا يكون اتفاق وقف العمليات العدائية في خطر.
إلى الآن، كنت أتابع رئيسي مجموعة العمل، أقصد روسيا وأميركا، وأؤكد أنهما كانا يجريان محادثات مكثفة حتى خلال الليل للتأكد من عدم حصول سلسلة حوادث. في الخلاصة، أقول أن وقف العمليات العدائية هش وليست هناك ضمانة بالنجاح، لكن هناك تقدماً وكان مرئياً ولا يمكن أحداً أن يشكك به. ويكفي أن تسأل السوريين، وسيقولون ذلك. هذا ما يقوله لي مكتبي وزملائي.
> ماذا عن المراقبة؟ قيل الكثير أن إحدى المشاكل الرئيسية في الاتفاق، هو غياب رقابة محايدة ودولية للاتفاق الأميركي - الروسي؟
- دائماً كان لدينا خياران. الخيار الأول، هو القيام برقابة تقليدية. يعني أننا كنا في حاجة إلى ما بين أربعة وخمسة آلاف مراقب لأننا نتحدث عن دولة كبرى. خمسة آلاف مراقب دولي بقبعات زرق ويجب نشرهم في كل البلاد. هذا ما نسميه «الرقابة التقليدية» للهدنة أو وقف النار. بصراحة، أقول أن هذا كان يتطلب ستة أشهر إلى سنة لإنجازه. ما هي الدول التي ستقوم ذلك؟ وما هي الدول التي سترسل مراقبين لا يخطفون ولا يعلقون وسط تبادل النار؟ هل نريد الانتظار لسنة قبل وقف الحرب؟ هل نريد أن ننتظر ونرى مزيداً من القتلى حيث أن العدد بلغ إلى الآن حوالى 300 ألف قتيل؟ أو هل يمكن القيام بشيء خلاق نوعاً ما؟
حسناً، الأميركيون والروس طوروا نظاماً ليس كاملاً لكن بالتأكيد نظام خلاق مبني على: أولاً، اتصالات على الأرض. ثانياً، مراكز عملياتية تعتمد على تكنولوجيا متطورة لمراقبة الخروقات الكبيرة. لن تسجل هذه المراكز بندقية كلاشنيكوف، بل ستسجل سقوط قذيفة مورتر أو طائرة تطير وتقصف أو صاروخ أو قذيفة. عبر مراكز العمليات في موسكو وجنيف وواشنطن وعمان، ستكون هناك إمكانية لتوفير رقابة تكنولوجية متطورة. الأهم أنها وفرت إمكانية للدولتين الراعيتين والمسؤولتين عن الاتفاق، للسيطرة على تنفيذ اتفاق وقف العمليات العدائية بحيث لا تكون نمطاً أو اتجاهاً يؤدي إلى انهيار محتمل للاتفاق.
> المعارضة السورية تتحدث عن حصول مئة خرق للاتفاق، والنظام يتحدث عن خروقات. هل هذا صحيح؟
- لن أكون في موقع كي أناقض أو أؤكد أو أعلق على ما يقال. كانت هناك حوادث، لكن لا أراها بالمئات وليست في مستوى جدي (خطر) في شكل كبير. ما رأيناه هو انخفاض عدد القتلى في حد كبير. كنا نتحدث سابقاً في شكل وسطي عن 110 غارات يومياً وعن حوالى 150 قتيلاً يومياً. الآن، كل حادثة تسجل يجري رفعها إلى رئيسي مجموعة العمل بحيث يحقق الطرفان ما إذا كانت الحوادث جدية وحقيقية ويستعملان نفوذهما لاحتوائها ومنع تحولها إلى سلسلة أحداث ومنع أثرها السلبي على الناس.
> هناك تخوف لدى المعارضة السورية من تحول «وقف العمليات العدائية» إلى آلية «تشرعن» هجمات القوات النظامية والغارات الروسية؟
- ما أقوله أن وقف النار المبنى على اتفاق وزيري (الخارجية الأميركي جون) و(نظيره الروسي سيرغي) لافروف يقول بوضوح إنه لا يحق لأي من الطرفين (الحكومة السورية والمعارضة) أن يعمل على كسب أراض والإفادة من وقف العمليات العدائية لهذا الغرض. الطرفان الوحيدان المستثنيان من الاتفاق، هما «داعش» و «جبهة النصرة». هاتان المنظمتان المصنفتان تنظيمين إرهابيين من قبل مجلس الأمن الدولي.
> ماذا عن تقويمك لتنفيذ الأمور المتعلقة بإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة؟
- في هذه الفترة من العام الماضي، ما هو عدد الناس المحاصرين الذين تم الوصول إليهم؟ العدد هو صفر. المناطق المحاصرة التي تم الوصول إليها، هي صفر أيضاً. الآن، هناك لدينا تغيير جوهري في الأرقام. لدينا الآن على الأقل سبع مناطق أو ثماني مناطق محاصرة تم الوصول إليها. كما دخلت أكثر من مئتي شاحنة إلى مناطق محاصرة وإلى 115 الف شخص. هل هذا كاف؟ لا، أبداً. لدينا أكثر من 300 ألف شخص آخرين باعتبار أن لدينا حوالى نصف مليون شخص في مناطق محاصرة و4.6 مليون شخص في مناطق يصعب الوصول إليها. لكن الأمور تتحرك باعتبار أن الضغط كبير جداً على الحكومة كي تسمح بدخول المساعدات منذ بدء اتفاق وقف العمليات العدائية ولأنه صارت هناك مجموعة عمل مختصة بالأمور الإنسانية.
> هل هناك خطط لإدخال مساعدات في الأيام المقبلة؟
- إننا نرمي للوصول إلى 50 ألف شخص آخرين في هذا الأسبوع. مثلاً، إلى داريا (جنوب غربي دمشق) وفي الغوطة الشرقية التي لم نصل إليها من سنة. بوضوح، يجب ألا ننظر إلى هذه الأمور في شكل إيجابي بل كإشارات في الاتجاه الصحيح. هل هناك أمور يجب أن تتحسن؟ نعم. مثلاً، الحكومة مطلوب منها أن تقوم بهذه العملية بطريقة أسرع. الشاحنات تنتظر 36 ساعة. ويجب السماح بمعدات طبية، هل تعرف أن مضادات حيوية وفيتامينات ودواء للعمليات القيصرية للولادة غير موجودة؟ مطلوب أن يتغير هذا. خلال اجتماع مجموعة العمل وفي وجود الجانب الروسي تم بحث هذا الموضوع في شكل جوهري. أعرف أننا قادرون على المضي قدماً في هذا الأمر. مثلاً هناك مدينة دير الزور وهي تحت سيطرة الحكومة لكنها محاصرة من «داعش» وتضم 200 ألف شخص. الأمم المتحدة تنظم إلقاء مساعدات من الجو. عملية صعبة ومعقدة لأننا لم نقم سابقاً بإلقاء المساعدات من ارتفاع أربعة إلى خمسة آلاف متر في مناطق أخرى. نريد القيام بها للوصول إلى الناس المعزولين وإذا حصل هذا الأمر، سنصل إلى 200 ألف شخص آخرين.
قياساً إلى العام الماضي، هذا أمر هائل. هل هو كاف؟ لا. سنكون راضين فقط عندما نصل إلى كل سوري في كل منطقة محاصرة.
> بعد التقدم في «وقف العمليات القتالية» وإيصال المساعدات، هل الظروف ناضجة لاستئناف المفاوضات في جنيف؟
- أولاً، أعتقد أن كل شخص في سورية، كان يقول لنا إن الموضوع الأكثر أهمية هو الحل السياسي. تعلمت هذا الدرس. حتى عندما اشتغلت على الوصول إلى وقف للنار في حلب، أن هناك حاجة لأفق سياسي. لذلك، سنقوم بذلك عبر عملية سياسية. هناك أجندة واضحة هو القرار 2254 مبنى على ثلاثة أمور: أولاً، مناقشات للوصول إلى حكومة جديدة. ثانياً، دستور جديد. أعيد، دستور جديد. ثالثاً، انتخابات برلمانية ورئاسية خلال 18 شهراً. هذه هي الأجندة للعملية السياسية.
كما تعرف، كان علينا أن نجمد المفاوضات. وأظن أنه قرار حكيم ليس لأنني اتخذته، بل لأنه كانت هناك أمور إجرائية وأمور عملياتية على الأرض جعلت السوريين يقولون لي: لا نريد كلاماً فاضياً، بل نريد مناقشات حقيقية ومناقشات تظهر لنا الجدية وصدقية العملية. الآن، لدينا بداية جيدة وقوية في هذا الاتجاه. ليست كاملة، لكنها بداية حيدة.
> المفاوضات ستستأنف في التاسع من الشهر الجاري؟
- نيتنا أن نطلق العملية مجدداً بدءاً من بعد ظهر 9 آذار (مارس) المقبل. لكن يجب أن نشرح للرأي العام. هناك مقاربة جديدة. إنه ليس مؤتمراً حيث يجلس الناس في غرفة كبيرة وصورة جماعية وأعلام وأمكنة ومواقع ويجلس الناس ويقدمون خطابات كبيرة. لن يكون هناك حفل افتتاح. سيكون هناك أسلوب جديد اسمه «لقاءات غير مباشرة». يعني هذا أنني بإمكاني أن أدعو أناساً عدة. الحكومة والمعارضة مجتمع مدني والنساء. النساء مهمات بالنسبة إلينا لأن لديهن الكثير لتقولنه لنا حول مستقبل سورية. ألتقي بهم في شكل منفصل في مواعيد مختلفة وغرف مختلفة. في الأمم المتحدة أو في مدينة جنيف بحسب الظروف.
> الكل سيأتون بدءاً من التاسع من الشهر؟
- اعتباراً من التاسع من الشهر. وبحسب رأيي، سنبدأ في العاشر من الشهر. ستنطلق هذه العملية. البعض سيصلون في التاسع. آخرون، بسبب صعوبات في أمور حجز الفنادق، سيصلون في 11. ويصل آخرون في الـ 14 من الشهر. سنعقد اجتماعات تحضيرية ثم سنذهب في العمق مع كل طرف في شكل منفصل لمناقشة القضايا الجوهرية للوصول إلى الأمور الثلاثة. إنه أسلوب غير عادي، لكنه باعتقادي خلاق ومرن أكثر لإجراء مفاوضات، ما كانت لتحصل بأسلوب آخر.
> هل هذا يعني أن المفاوضات ستكون في مرحلة ما ملموسة ومتوازية حول المسارات: العسكرية (وقف النار) والإنسانية والسياسية؟
- بفضل مؤتمر ميونيخ والقرار 2254، لدينا آليات قائمة على «مجموعات عمل» تضم جميع الدول الـ 18 التي شاركت في مؤتمر «المجموعة الدولية لدعم سورية» إضافة إلى الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي. هناك مجموعة عمل تناقش يومياً وأسبوعياً على الأقل مرة في الأسبوع، الموضوع الإنساني في شكل مستقل عن المحادثات. لكن، ستعقد خلال المفاوضات. ليس هنا سوريون فيها. المجموعة الأخرى، تخص وقف النار. التي التقت (أول من) أمس وستلتقي الأسبوع المقبل. ستقوم وتناقش التقدم والأحداث التي جرت واحتواء الحوادث.
لكن، دائماً قلنا، وأمل أن تتفق معي، السوريون لم يكونوا منخرطين في عملية هي مملوكة من السوريين وبقيادة سورية. هذا الأمر يحصل في المفاوضات. الشعب السوري سيكون في هذه العملية و(ممثلو) المجتمع الدولي لن يحضروا فيها، بل سيكونون في الممرات والخلفية لدعم السوريين. من سيكون في الوفود؟ كما حصل في المرة السابقة، سوريون. عندما تنظر إلى الأبعاد الثلاثة ترى جدية في الآلية. مجموعة عمل إنسانية وهي دولية. مجموعة عمل لوقف النار وهي دولية. المناقشات السياسية هي سورية.
> هل ترى رابطاً عضوياً بين المسارات الثلاثة؟
- لم لا.
> هل سيتم تغيير في قائمة المدعوين للجولة المقبلة؟ وماذا عن «الاتحاد الديموقراطي الكردي»؟
- سأقوم بوضوح للاستماع في مناسبات عدة ومناطق عدة ولحظات عدة لكل شخص عنده شيء يقوله لنا لأن هذه مفاوضات غير مباشرة ولم نصل بعد إلى النقطة التي تجلس فيها الوفود التفاوضية وجهاً لوجه في غرفة واحدة. سبق وأعطينا إشارة في أي اتجاه نحن سائرون عندما وجهنا الدعوات الأولى (إلى الجولة السابقة).