نظام التعليم في أكثر دول العالم التي تضع التعليم في مقدمة أولوياتها، تخضعه لمراجعة قانونية وتربوية وإنسانية دورية ودقيقة لكل القرارات الصادرة والإجراءات المتخذة والآليات المعتمدة والأساليب المتبعة في التعليم، وتقدم بعد الانتهاء من عمل تقاريرها إلى الجهات المعنية بتطوير التعليم في البلاد، التي تبيّن من خلالها مواطن القوة والضعف في إدارة العملية التعليمة والتعلمية، ويكون اهتمامها الأول هو تطوير المناهج الدراسية بصورة مستمرة، لكي تتكيف مع التغيرات، لتلعب دوراً إيجابياً فيها، والعمل على تطوير طبيعة التعليم بحسب هذه التغيرات، وتفعيل عدد من التحولات المحلية لوضع الخطط الإستراتيجية للنظام التعليمي، ومن أجل إيصال التعليم إلى مراحل متقدمة من الجودة الشاملة، والوصول إلى مناهج دراسية متطورة ومواكبة للتطورات العالمية، تتناسب مع متطلبات الألفية الثالثة، وهذا يتطلب من الجهات المعنية بالتعليم في بلدنا البحرين أن تضع أمامها بعض المبادئ الأساسية لتطوير المناهج الدراسية، ومنها:
أولاً: التطور المستمر للمناهج وفق منظور استراتيجي للتغيرات العالمية، لكي تحول التعليم من حالة الجمود والرتابة المملة إلى المرونة والحيوية الدائمة، فكل التجارب التعليمية التعلمية العالمية أثبتت إيجابية هذا النوع من التحول على مستوى المتعلم التحصيلي، كما أثبتت أن البقاء على حالة الجمود في المناهج الدراسية له انعكاسات سلبية على الواقع التعليمي والتعلمي في البلاد على المدى القريب والبعيد.
ثانياً: أن تكون مخرجاتها مواءمة لمتطلبات سوق العمل، وهذا يؤدي إلى التحول من حالة التجانس إلى التنوع، فالواقع يثبت أن المناهج التي تركز على التجانس وتهمل التنوع في المعلومات لا تعطي للمتعلم فرصة لتقديم المبادرات التعليمية، ولا تسمح له بالإبداع والتميز وتحليل الأفكار وإبداء الرأي.
ثالثاً: التأكيد على الجودة الشاملة، من أجل أن تحدث تحولاً من ثقافة الحد الأدنى إلى ثقافة الإتقان، رجال التربية يقولون من الخطأ أن تجعل المناهج الدراسية غير قادرة على إيصال المتعلم إلى حد الإتقان، وتكتفي بإيصاله إلى ثقافة الحد الأدنى التي لا تساعده على تنمية مهاراته العلمية والعملية.
رابعاً: التأكيد على تفعيل العقل والحس، للتحول من ثقافة الاجترار إلى ثقافة الابتكار والإبداع، لقد أثبتت التجارب التعليمية أن المناهج الدراسية التي تعطي للعقل والحس الإنساني أهمية قصوى يكون لها الدور الأكبر في تطوير قدرات ومهارات المتعلم وتشجعه على الابتكار والإبداع، بخلاف المناهج التي تعتمد على الحفظ والاجترار.
خامساً: تفعيل التفكير التحليلي والنقدي، وهذا ينتج تحولاً من ثقافة التسليم إلى كفاءة التقويم، يهتم علماء التربية في جعل المناهج الدراسية مفعلاً أساسياً لتحريك التفكير لدى المتعلم، ليتمكن من تحليل القضايا وانتقادها، والابتعاد عن التسليم بها من دون إخضاعها للتحليل، لأنه بذلك يكون لديه كفاءة في تقويم مختلف المسائل في حياته العملية.
سادساً: تنمية المبادرة والاستقلالية لدى المتعلم، وهذا يعطيه تحولاً من السلوك الاستجابي إلى السلوك الإيجابي، فالمناهج الدراسية المواكبة لمتطلبات العصر الحاضر، عصر التكنولوجيا والتقنيات الحديثة والإنترنت هي التي تعمل على تنمية المبادرة لدى المتعلم وتعطيه الاستقلالية في فهم مختلف القضايا، فالمناهج التي تعتمد على تنمية السلوك الاستجابي لدى المتعلم، تكون عاجزة عن تكوين السلوكيات الإيجابية لديه، التي من خلالها تتكون شخصية المتعلم الفكرية والثقافية.
سابعاً: الاعتماد على البحث والتقصي، الذي يحول من الانبهار بالنواتج إلى معاناة العمليات، في الدول المتقدمة في تقديرها للتعليم والمتعلم، جعلت مناهجها الدراسية عاملاً رئيسياً في تحفيز المعلم والمتعلم على البحث والتقصي ويعيش المعاناة الحقيقية للوصول إلى المعلومة من مصادر مختلفة، وتبعد المتعلم عن الانبهار في حال سماعه النتائج التي تعرض عليه جاهزة من دون تعب أو عناء.
ثامناً: الاهتمام بالتدريب المستمر، الذي يعمل على التحول من التعليم المحدود إلى التعليم مدى الحياة، لقد ثبت أن المناهج الدراسية الصماء التي تعطي للمتعلم تعليماً محدوداً جداً ولا تعطيه التدريب المستمر الذي يساعده على الحصول على التعليم مدى الحياة أية اهتمامات حقيقية.
تاسعاً: تعليم كيفية التعلم، الذي يحول من الاعتماد على الآخر إلى الاعتماد على الذات. متى ما يصل التعليم إلى تمكن المتعلم أن يعلم نفسه بنفسه، نستطيع أن نقول إن التعليم يسير في الاتجاه الصحيح، وهذا لا يمكن الوصول إليه إلا إذا ما أفسح للمتعلم المجال في المناهج الدراسية، أما إذا بقي حال المناهج بالصورة الحالية التي لا تتناغم مع متطلبات الألفية الثالثة، فإنه لن يحقق رؤية 2030، ولن يلبي احتياجات سوق العمل بالقدر المطلوب.
عاشراً: تنوع بُنى التعليم وأساليبه، الذي يحول من ثقافة الإنصياع إلى المشاركة والاختبار، لقد ثبت لدى التربويين أن الرتابة في التعليم واستخدام الأساليب المعتادة غير المشوقة للمتعلم، يجعل المتعلم منصاعاً لما يقدم إليه حتى ولو كان بعيداً عن متطلبات العصر الحاضر، ولا يتمكن من المشاركة الفعالة ولا يصل إلى مستوى الاختبار لقدراته وإمكانياته العلمية، فمن أجل أن نجعل المتعلم متفاعلاً مع المناهج الدراسية ومشاركاً حقيقياً في التحليل والاستنتاج لابد أن نوجد له مناهج تساعده على ذلك، لأن هذه المناهج الدراسية الحالية تجعل المعلم ملقناً والمتعلم متلقياً، وهذا النوع من المناهج يكون عاجزاً في تنمية قدرات ومهارات المتعلم بالصورة التي تجعله مؤثراً حقيقياً في العملية التعليمية والتعلمية.
السؤال الذي يطرح نفسه: أليس من المفترض أن تحقق وزارة التربية والتعليم هذه المتطلبات الأساسية في المناهج الدراسية بكل المراحل التعليمية منذ بداية الألفية الثالثة؟ لماذا نجد الأساليب والآليات المتبعة في إدارة التعليم في البلاد لم ترتقِ إلى مستوى طموحات الوطن؟ رغم الإنفاق الكبير على التعليم وتوفر الإمكانيات البشرية المتميزة، لماذا لم تتمكن الوزارة تحقيق رؤية ورسالة وأهداف مشروع مدارس المستقبل حتى هذه اللحظة؟ ستبقى هذه الأسئلة تحوم في أذهان التربويين حتى تحل هذه المعضلة التعليمية التعلمية في بلدنا الحبيب.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 4928 - الجمعة 04 مارس 2016م الموافق 25 جمادى الأولى 1437هـ
الوزارة عليها تجديد مناهجها الدراسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع
وذالك بأستخدام العقول النيرة والنخبة الوطنية.
احسنت استاذ .. مقال رائع لكن من يسمع
أسلوب الوزارة التخبط في القرارات وتبني مشاريع قد تكون متميزة لو نفذت في دول أخرى
بسبب عدم توفير البنية التحتية لها في المدارس وتهيئة المعلمين لتنفيذها ...
وفي الأخير
ايجون ايحاسبون المعلمين سبب خفض نسبة الإتقان لدى الطالب