في كتابه «رجال وشياطين»، يذكر شاكر مصطفى حكاية موزع الصحف الذي أصبح عالماً كبيراً، وهي حكاية فيها من الإلهام الشيء الكثير؛ ففي العام 1791م وُلِد طفل لعائلة فقيرة اضطر فيها الأب أن يهجر منزله المتواضع للعيش في حظيرة مهجورة بالقرب من أحد الاصطبلات في لندن. أبٌ فقد بعض أبنائه من البرد القارس أو من الجوع، ولما بلغ هذا الطفل السادسة من عمره دخل مدرسة خيرية مجانية ليتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، فأظهر كثيراً من التفوق على أقرانه، لكنه اضطر إلى الخروج منها مرغماً ليعمل ويكافح من أجل أن يعيش هو وأفراد أسرته. عمل موزع صحف، ينهض من الفجر ليحمل على كتفه الهزيل رزماً من الصحف والكتب يمضي بها من شارع إلى آخر وسط الضباب والبرد، يوزعها صباحاً ثم يعود بها ظهراً بعد أن يجمعها مرة أخرى من قرائها، وفي يده أجرة قراءتها ليسلمها لصاحبها الذي أعجب بصبره وأمانته، فأوكل إليه مهمة تجليد الكتب التي وجدها أكثر مناسبة له ولسنه الصغيرة، فكانت فرحة هذا الطفل لا توصف لأن هذا العمل سيتيح له قراءة ما يقع تحت يديه.
هذا الطفل هو فاراداي، أحد العلماء الذين يعود لهم فضل اكتشاف الكهرباء، إذ كان قارئاً نهماً وخصوصاً فيما يخص الكهرباء حيث اطلع على ما كتب في دائرة المعارف البريطانية وما كتبه العالم مارسيه وغيرها من الأبحاث والدراسات والكتب، إلى أن استطاع أن يحصل من أخيه الحداد على نصف جنيه إسترليني يمكنه من حضور مجموعة محاضرات في التاريخ الطبيعي قرأ الإعلان عنها صدفة، ولما حضرها أدهشت معلوماته همفري صاحب المعهد الملكي، فسهل عليه حضور محاضرات مجانية أخرى، ثم وعده بإيجاد عمل له في المعهد، فأزداد اطلاعه وبدأ بإجراء الكثير من التجارب في مجال الكهرباء، إلى أن وصله خطاب من أستاذه يفيد بحصوله على وظيفة مساعد مخبر في المعهد الملكي ما أتاح له الفرصة الكبرى لإجراء العديد من التجارب الدقيقة، وبعد أشهر معدودات اصطحبه أستاذه إلى أوروبا في رحلة علم ومحاضرات استغرقت عاماً ونصف العام ليدخل المجال العلمي ونشرت أبحاثه واكتشافاته الخاصة في مجلات علمية وما إن أكمل العام الثاني حتى نشر له ما يقارب 37 بحثاً وأصدر كتاباً خاصاً عن خلط الفولاذ، وهو لم يكمل العشرين بعد، ثم انتُخِب زميلاً في الجمعية الملكية، وألقى اثنتي عشر محاضرة في المعهد بلندن، ونشر أبحاثاً عن المغناطيسية والفلسفة الكيميائية وكان الجميع يحرص على حضور محاضراته حتى رجال البلاط الملكي يجلسون جنباً إلى جنب مع أفقر عمال الأحياء الشعبية!
وفي سنواته اللاحقة أنتج 158 بحثاً علمياً و30 مجموعة من التجارب الدقيقة في الكهرباء وظل يبحث في المغناطيسية حتى نجح في اكتشاف أن المغناطيسية تولد الكهرباء وكان ذلك إيذاناً بمولد المولدات الكهربائية، ثم نجح في اكتشاف طريقة لحفظ شعاع الضوء الكهربائي في وعاء مغلق مفرغ الهواء، وبهذا وصل توماس أديسون إلى المصباح الكهربائي.
مثل هذه التجارب كفيلة بأن تخلق بداخل أي شخص قدرة هائلة على تحدي ظروفه، وتجاوز كل معوقات وصوله إلى القمة، حين يستغل قدراته ويسعى لتطويرها، وتنميتها بالاطلاع الدائم والبحث والتجربة، ومثل هذه السيّر لابد أن تنشر لتصل إلى كل من يتعذر بالظروف باعتبارها عائقاً أمام الإنجاز والنجاح.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4928 - الجمعة 04 مارس 2016م الموافق 25 جمادى الأولى 1437هـ
اختى شكرا لك الفقر دمر طموحات كل الشباب الذين كانو يتمنون اكمال دراستهم وصار اخر حياتهم معتقلين راي ومحكومين بالسنين لقد تحطم مستقبلهم والسبب الظلم فى الديره
الفقر ليس عيبا وبالقناعة بالامكان تحقيق الاهداف , وكثرا بدءوا من الصفر ووصلوا للقمم بعد التوكل على الله العلي القدير .