في استئناف «بورتريهات النصوص»، سنُذكِّر بالمنسي، أو الذي لا ينشغل بمسألة أن يكون في صدْر الحضور. بعضٌ حاضرٌ ولا أثر يدل عليه. بعض ممتلئٌ الحضور به، تكاد تراه في الغياب كما هو في الحضور.
حسين المحروس أحدهم. ليس لأن المنصات قرَّبت الناس، فقد باعدت بينهم أيضاً، ولكنه وإن أطلَّ لماماً سيترك على حائطه من الكلام ما سيكون عصيّاً على النسيان... عصيّاً على الإفلات منك.
ستجد تلك البراعة شاخصة وشاهرة نفسها، في نسْج الحكاية كما هو الأمر في القبض على السيرة، وهو يحتل مكان صاحبها. لابد له أن يفعل ذلك. وقال كلاماً قريباً من هذا.
العين في انتباهتها الاستثنائية. علينا أن نتذكَّر الكاميرا/ العدسة. أحد الذين ذهبوا إليها بأدوات الشاعر. بتلك الحساسية العالية؛ لذا تأتي الصورة مليئة بالزمن/ المكان، قبل أن تكون ممتلئة بالوجوه وإشاراتها.
في كلامه على الإشارات نظر. الإشارات ليست عناوين. هي الدالَّة على الأمر. وما يدل يتجاوز العنوان بكثير.
«إن الشيء إذا تمكَّن أشار. وأنت لا تفطن إلى إشارات الكون من حولك، فثمة ما يغلقك ويحصّنك ويحميك ويشفع لك ويقسو عليك ويمسخك. أنت موهبة الحزن، وأنا أدنو بك موهبةً على القند».
وفي السيرة كأنك تقف على صاحبها للمرة الأولى، وفي الوقت نفسه ستجد الكثير من المحروس، وإن كتب عن جدِّه الثاني. لابد أن يكون في مكانه كي يتمكن من تقريبه.
في كتابة للزميل محمد العلوي يوم الثلثاء (1 مارس/ آذار 2016)، استدرجه ضمن من استدرج للكلام عن الراحلة الشيخة لولوة بنت محمد. كان كلاماً عن الحُلو والمُرّ، يمكن لأي منا بحواس سليمة اختبار الاثنين معاً وقتها!
«قيل لنا: «ضعوا المُرّ في الأسفل، وضعوا الحلو في الأعلى... عليه، فعلنا ذاك مراراً حتى فاض المُرّ على الحلو لكن مازلنا نفعل ذلك».
وفي الاستدراج نفسه فصَّل بتجلٍّ هو أهله «ظلّت لولوة بنت محمد تفعل ذلك لكي لا تعين المرّ على الحلو، تسخر منهما بعمق رصين، تمحوه بابتسامة، تُعيد الجملة في مواقف مختلفة حتى لا ينسى المرّ أنّه مرّ، ولا ينسى الحلو أنّه جهة الناس، لا تقاوم المرّ، فلا جدوى من ذلك في تاريخ أكثر صراحة منك، لكنّها تلجأ إلى الابتسامة، سعة الصدر، إلى الصبر مستنداً إلى القناعات، وأن المرّ وأنّ الحزن لا يهزمان الإنسان، خصوصاً عندما يكون محاطاً برغبة إنقاذ الناس من موت أشدّ: موت الإنسان الحي في أمسّ حاجاته، وهو يتعفّف».
هل نسيتم «معجم العين»، الذي فيه درس عبدالله الخان، ووصاياه بالصورة أيضاً؟ «في عينيه يُدّخر الكلام... تأجّل الكلام في عيني عبدالله الخان سبعين سنة لا يُحدّث الناس فيها إلا صوراً. أما الكلام الذي هو الكلام فأوانه حين تستريح العينان. أدرك الخان جيداً أن الصورة ذخيرة الكلام، فترك التفاصيل فيها، وفي سيرته كلها للناس. ربما كان هذا ما أرجأ الكلام عن نفسه. يُسوّي صور الناس، وجوههم، أماكنهم، حياتهم، وأفراحهم، يومياتهم، آمالهم ومآلهم، يخلد ما مرّ بينهم وفات، ويُسكن نياتهم في صورهم».
نص حسين المحروس: ذلك التداخل في الفنون الذي يؤثث عالمنا بجدارة.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4928 - الجمعة 04 مارس 2016م الموافق 25 جمادى الأولى 1437هـ