تكملة لمقال سابق لنا بعنوان «أبعدوا الفقراء عن تقشفكم» نوجز هنا مثالاً واحداً لكيفية دعم الدولة للجمعيات الخيرية التي تحمل على كاهلها التزامات مادية ومعنوية كبيرة، وتتكفّل بما يزيد عن 11 ألف عائلة محتاجة، إضافةً لقيامها بالكثير من المبادرات الاجتماعية كمساعدات التعليم والزواج والعلاج، وتلك التي تساعد على التنمية المستدامة في المجتمع البحريني.
في أحدث إحصائية عن واقع الجمعيات الخيرية في البحرين نشرت قبل عام ونصف (2014) تبين أن الغالبية العظمى (85 %) من مقرات الجمعيات لا تزال مستأجَرَة، 15 % فقط من الجمعيات تملك مقراتها الرسمية. هذا يعني أن جزءًا كبيراً من دخل هذه الجمعيات يذهب كإيجارات لمقراتها، إضافةً إلى مصاريفها الأخرى كرواتب لموظفيها التنفيذيين، والمصاريف الأخرى كالكهرباء والماء والبلدية.
كما أن عدم وجود مقرات مناسبة مملوكة لهذه الجمعيات لا يسمح لها بالقيام بأي استثمار في المجال العقاري مثلاً، والذي يمكن أن يضيف لدخلها ما يساعد على تحمل تبعات تكاليف خدماتها التي تقدّمها للفقراء والمحتاجين.
الإحصائية نفسها تقول أيضاً أن الغالبية العظمى من الجمعيات (83 %) لم تحصل على أراضٍ حكوميةٍ من الدولة. محاولات معظم هذه الجمعيات، لإيجاد حلٍّ لهذه المشكلة بما في ذلك طلباتها التي تتقدم بها للحصول على أراضٍ حكوميةٍ للجهات المختصة، دائماً ما تواجه بعدم الاكتراث لعدم وجود تشريعات أو أوامر أو توجيهات تحض على ذلك.
لدينا تجربة شخصية مفادها أنه ومنذ عام 2004، أي قبل 12 عاماً، تقدّمنا نيابةً عن جمعية خيرية (صندوق خيري سابقاً) في المنطقة الوسطى بطلب تخصيص أرض محددة موجودة ومتوفرة في المنطقة وليست مخصصةً لأحد، وضمن الحدود الجغرافية للجمعية؛ ولكن هذا الطلب ظلّ يراوح مكانه إلى الآن على رغم المتابعة.
وفي هذا المجال، نعلم أيضاً بأنه كانت هناك متابعات كثيرة وحثيثة وجادة بين هذه الجمعيات والسلطات المختصة وبالذات وزارة التنمية الاجتماعية آنذاك والبلديات والمجالس البلدية والبرلمان والديوان الملكي، لإيجاد أراضٍ خاصةٍ لها لاستثمارها في صالح الفقراء والأسر المحتاجة والمجتمع ككل.
هذه التشريعات التي تحتاجها الجمعيات الخيرية في البحرين ليست جديدة في دول مجلس التعاون الخليجي. ففي الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية مثلاً، أصدرت الحكومة في مايو/أيار 2013 تشريعاً يساهم في إعانة الجمعيات الخيرية فيها، هذا نصه «بعد الاطلاع على ما رفعه معالي وزير الشؤون الاجتماعية قرّر مجلس الوزراء الموافقة على تعديل الفقرة (2) من المادة (13) من لائحة منح الإعانات للجمعيات الخيرية، الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (610) وتاريخ 13/5/1395هـ، لتكون بالنص الآتي: «تمنح كل جمعية خيرية قطعة أرض بمساحة لا تزيد على ألفين وخمسمئة متر مربع، ويتم ذلك بناءً على اقتراح من الوزارة وموافقة وزارة الشؤون البلدية والقروية».
لسنا هنا بصدد المقارنة مع ما يتم تحقيقه في الجارة الكبرى؛ ولكن لتكن لنا تشريعاتنا الخاصة التي تحمي وتعين جمعياتنا الخيرية وتساعدها على تحمل هذا العبء الكبير الذي تقوم به من أجل الخير والصالح العام في هذا البلد العزيز، بما يتناسب مع ظروفنا ومقدراتنا المالية وحجم بلدنا ومساحته. ونحن نجزم بأن هناك في كل منطقة في البحرين قطعة أرض صغيرة حتى لو بحجم 900 متر مربع، يمكن لكل جمعية خيرية أن تستغلها كمقرٍّ لها وتستثمرها بصورة تجعلها تعتمد اعتماداً ذاتياً على نفسها. وهذه الأراضي متوفرة في المناطق الجغرافية التي تخدمها هذه الجمعيات. كما أن هذه الجمعيات أدرى بشعابها وتحتاج فقط إلى تفهّم من قبل السلطات المختصة لاحتياجاتها وتنتظر فقط الأوامر العليا لتحقيق ذلك.
هذا النوع من الدعم والإعانة، أي تخصيص الأراضي، لا يحتاج لدعم مالي مباشر ولا يؤثر بأي شكل من الأشكال على ميزانية الدولة التي نتفهم بالتأكيد حاجتها للتقشف فيها، كما لا تحتاج هذه الأراضي إلى إعادة استملاك ولذلك فإن تخصيصها لا يكلف الدولة شيئاً يذكر.
نتوق إلى نظام أو تشريع أو أمر يسمح بتخصيص الأراضي لمقرات الجمعيات الخيرية وتحديد آلياته. ونرجو من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، كونها حلقة الوصل مع هذه الجمعيات، أن تضع في استراتيجيتها التنسيق مع الجهات المختصة الأخرى في الدولة لتحقيق هذه الأمنية للجمعيات الخيرية، وأخذ زمام المبادرة لتلبية الاحتياجات الأخرى لهذه الجمعيات ومساعدتها على تنمية وتطوير العمل الخيري التطوعي في البحرين. وعلى الجمعيات الخيرية بذل جهودها لتوفير المال للاستثمار في هذا المجال بحسب قدراتها وأدائها ونجاحها في تطبيق الأهداف التي أنشئت من أجلها، وحسب قدرة الجمعيات عموماً على إدارة المال بنجاح لتحقيق هذه الأهداف.
من أجل خير البحرين والصالح العام... خصّصوا الأراضي واتركوا استثمارها بأيدي الجمعيات الحريصة على منفعة الناس، وهي من ستقوم نيابةً عنكم بزرع سنابل الخير وبناء مستقبل أفضل لمستحقيها.
إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"العدد 4926 - الأربعاء 02 مارس 2016م الموافق 23 جمادى الأولى 1437هـ
نضم صوتنا معك با أبا علي
لا شك ولا ريب أن ما تقوم به الجمعيات الخيرية كبير جدا ويصب في صالح الأسر المتعففة ،رغم أنها تعتمد في عملها ومساعداتها على محسني هذا البلد الطيب ،وأقل شيء ممكن أن نطالب به مقار لها وعفائها من الرسوم الرسمية والكهرباء والماء ودعم مادي سنوي