طفقت تحدّق طويلا ثم تسترجع أفكارها، تغيب في تفكير عميق، تنتبه مصدومة، كلماتها تخرج بتنهد وهي تعبر شفتيها، الجوع والعطش أفصح عنه جسدها النحيل، وجلدها نفث رائحةً أزكمت الأنوف لمنعها من الاستحمام لعدة شهور، بُثور وجهها تنبئ عن سرقة عفاف ضاع بين أرجاس، بطنها لصيق ظهرها، أُخذ منها كل ما يمكن أخذه، ترتجف كسعف نخلٍ في سوق النخاسين بعد عرضها للبيع مع أخريات، نياط قلبها تقطعت من الحزن، فأخذت ترقعه دون جذوة.
لم تكن تعلم أنّ القدر ينتظرها وهي تداعب أخاها الصغير، فتمرر يديها على رأسه ثم تلثمه قبلة بين عينيه، تضعه تارة على صدرها وأخرى على ظهرها، فتستشعر العاطفة بينه وبينها.
كل جنبات منزلها مسكونة بالطمأنينة ولكن أنى لها أن تبقى، بعد بضع ليال بدد سكون ليلها قعقعة أحذية تقرع مسامعها، أصواتها المرعبة أرعشت جسدها، متأملة فزعة مرعوبة وبالكاد استطاعت الوقوف لتنظر ماذا يجري في الخارج؛ برعشة يدها حرّكت نافذة غرفتها التي تطل على الزقاق وبحذر شديد استرقت النظر؛ لم تستطع إغلاق النافذة فجمدت يدها على مقبضها، عيناها لم تعد ترمش بل حدّقتا طويلاً حتى أسقطت لآلئها؛ قوة كبيرة من المسلحين ببزاة عسكرية - خلطت بألوانها أفكارها ووشوشة نظرها فلم تعد تقوى على النظر طويلا- أحاطت منزلها كما تحيط السباع فريستها، كثرتها لجلجت لسانها فلم تستطع إحصاءها، التقطت أنفاسها التي بحثت عنها ولكن خرجت مع سكون الليل ولم تستطع أرجاعها إلا بألم شديد.
عبثاً حاولت إخفاء نفسها، لمعرفتها أن الأمر لا يبشر بخير، ولعلمها بالمستهدف من هذا كله، قصيرة المدة بين معانقة أبواب المنزل للأرض؛ جهّزت نفسها سريعاً جهاز مودع قبل وصول المسلحين لغرفتها، رمشة عين حالت بينها وبين اقتحام الغرفة، لم تستطع إكمال لبس ما يلزم، دشداشة فاقعة اللون بقيت من ملبسها، هدوء خيّم على المكان وإذا هي بين ملثمين يحوطونها.
جثة قائدهم فيها من الضخامة ما تملأ المكان رعباً، ويملأ بها نفوس الآخرين رهبة، دائرة وجهه قد ملأت تجاعيد كشعره، وأنفه قد فُرش وأخذ حيزه في وجنتيه، شعر ذقنه وصل إلى كرشه، وكرشه قد خُنق بحزام عريض وهو متدلٍ حتى أعلى رجليه، له صوت كصوت مناد لجنازة فقدت للتو.
صراخ عمّ المنزل لكن أزيز الرصاص أسكنه، فأخذت الأصوات تخبو شيئاً فشيئاً؛ سلبت من عائلتها بعد أن أخبرها الدم بقتل رجال أسرتها، أما الأطفال فلا تعلم عنهم شيئاً.
المفاجأة التي هدت أركانها ثم خففت من وقع مصيبتها أنها سبيّة ضمت إلى جمع من الفتيات السبايا في معسكر المسلحين، إلى حين مجيء قائدهم الأكبر عارضا عليهم الدخول للإسلام، شعور راودها بالانحطاط لدى هؤلاء، ثم تساءلت:
أهكذا هو الإسلام؟؟
تتراجع...
لا لا يمكن أن يكون هذا هو!!
أمر قائدهم بتوزيع السبايا كغنائم على المسلحين، فكان نصيبها رجل في الخمسينات من عمره وهي في العشرينات من عمرها، اقتادها إلى جهة مجهولة، سخرها خادمة له ومُشبِعة لشهواته التي لا انقضاء لها.
لماذا تفعلون كل هذا؟ اعتراض منها على كل ما يقوم به، فأجابها:
إن الله أمرهم بذلك!!!
الحيرة والاستنكار يعصفان بفكرها، إلا أن أمرها ازداد سوء عندما كانت تسترق السمع للرجل الذي اكتوت بناره وهو يساوم مثيله في بيع السبيّة التي لديه، فأخذت تفكر في الهروب من هذا الجحيم.
قصه واقعيه وممتازة وبتوفيق
قصة رائعة تعكس الواقع
قصة معبرة وتحكي واقع يعيشه الفئات المستضعفة
حقا أنها قصة تستحق القراءة
زائر
ممتاز الى الامام دائماً
رائع
اتمنى لو اعرف النهاية
الحمدلله على نعمة الاسلام
... مبدع بالسرد .. يعطيكم العافية
كمشهد من قصة القراءة ممتعة .. الوصف الدقيق يشعرك بأنك ترى لا تقرأ.. ولكن تمنيت ان اقرأ التتمة