كان يستغرقني ما بين 10 إلى 15 دقيقة للوصول من بيتي في مدينة حمد إلى عملي في ضاحية السيف. وشيئاً فشيئاً وجدت الطريق تستغرقني وقتاً أطول يتراوح ما بين 45 دقيقة وساعة. وبالتالي عليّ أن أضبط المنبه على وقت أكثر تبكيراً لأصل إلى العمل في الوقت المحدد. ولأن الشارع يسلكه موظفون وجهاتهم متعددة وطلبة أيضاً مدارسهم في أماكن مختلفة فلم تعد الدقائق الإضافية التي أخصمها من وقت النوم لأبكّر بالخروج إلى الشارع تكفي لأصل إلى عملي في الوقت المحدد، فالتوقيت المعدل أصبح يصادف خروج الطلبة إلى المدارس، وبالتالي أتعطل في الشارع أكثر وقد يتصادف توقيتي المعدّل مع توقيت موظفين عدّلوا مثلي مواعيد خروجهم للعمل بناء على ما تعرضوا له من تأخير.
وكلما اعتقدت أن أوقاتي استقرت، أجدني بحاجة لتغييرها بسبب دخول عوامل إضافية تتسبب في التأخير، عامل جديد كأعمال صيانة للشارع أو حادث من الحوادث التي أصبحت متكررة لارتباطها بالتوتر الصباحي الذي يقود بدوره إلى مزيد من التأخير الذي تتسبب فيه هذه الحوادث التي وإن كانت بسيطة إلا أنها تتسبب في ازدحام المركبات لحين تسويتها مرورياً.
بعملية حسابية بسيطة لمعدل الوقت الذي يجب أن يستغرقه المشوار الاعتيادي باستخدام الطريق السريع ومقارنته بمعدل الوقت الفعلي الذي أصبح يستغرقه المشوار نفسه يتضح أن الوقت الضائع والذي اقضيه في الانتظار بسبب الازدحام المروري إلى العمل يبلغ في المعدل 40 دقيقة أو ما يعادل 76 في المئة من إجمالي وقت مشواري الصباحي إلى العمل.
هذا الوقت الضائع يسببه ازدحام مروري في مشوار ذو وجهة واحدة من البيت إلى العمل، وهناك أسر يتكون مشوارها الصباحي من أكثر من مشوار ووجهة، كتوصيل الأبناء إلى المدارس والحضانات، وبالتالي يواجهون الازدحام في أكثر من موقع ويزيد بالتالي المهدور من أوقاتهم.
والذروة المرورية لم تعد مقصورة على أوقات بدء الأعمال والمدارس وأوقات الانصراف وإنما أصبحت أمراً يحدث في أي ساعة من ساعات اليوم، أخذاً في الاعتبار الزيادة الكبيرة في عدد السيارات خلال الفترة من 2003، عندما كان عدد السيارات نحو 273 ألف سيارة (الوسط/ العدد 512 /2 فبراير/ شباط 2014) ارتفعت بنسبة 111 في المئة إلى نحو 577 ألف سيارة في 2015 فيما زاد طول شبكة الشوارع للفترة نفسها بنحو 44 في المئة من 2645 كم في 2003 (الوسط/ العدد 512/ 2 فبراير 2014) إلى 3800 كم في 2015 بحسب مصدر رسمي.
وبذلك أصبح نسبة عدد السيارات 151 سيارة لكل كم في 2015، مقارنة بـ97 سيارة لكل كم في 2003.
الوقت الضائع هو عنصر واحد من الهدر الذي يتسبب فيه الازدحام المروري. ففي دراسة أكاديمية بعنوان «التكاليف والآثار غير المنظورة لتزايد أعداد السيارات في البحرين» أعدها الباحث على جاسم الحسابي كمشروع لتخرجه من جامعة الخليج العربي في 2002، تحدث فيها، إلى جانب تفاصيل كلفة الوقت الضائع وتكلفة الوقود الناجم عن الاختناقات المرورية والتي قدرها بـ 6 ملايين دينار سنوياً في ذلك الوقت، وعن تكلفة بيئية بسبب تركيز الانبعاثات التي تؤدي إلى تلوث الهواء من عوادم السيارات في الذروات المرورية وساق في وقتها أرقاماً وأوزاناً لملوثات أول وثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين والرصاص وغيرها التي ليست هذه المساحة المكان المناسب لاستعراضها وتحليلها لكن مقارنة أعداد السيارات المتسببة في التلوث في الفترة التي غطتها الدراسة وهي أواخر التسعينات والتي اعتبر الباحث استمرارها «سيترتب عليه ضغوط كبيرة على الأوساط البيئية وصحة الإنسان واستدامة الموارد»، تكفي لإثارة الرعب من المستويات التي لابد أن هذه الملوثات قد بلغتها بسبب الارتفاع الكبير في أعداد السيارات. وما يفاقم هذا الرعب أن ليس هناك في المستقبل المنظور أي رؤية واضحة لحل هذه المشكلة المرورية الآخذة في الازدياد والتي لن تتوقف، ببساطة، لعدم وجود أية خيارات أخرى في المستقبل المنظور. وسيواصل الأفراد اقتناء السيارات الخاصة بمعدل لن يقل عن المعدل الحالي الذي يقارب سيارة واحدة لكل شخصين في مساحة محدودة غير قابلة للتمدد أكثر.
والبديل لايُعنى به باصات يتبارى المشغلون على جودة صنعها وأناقتها وإنما وقبل كل ذلك انضباط تشغيلها، ووصولها ومغادرتها في أوقات محددة بالدقائق، وهذا لن يتحقق قبل أن تتوفّر البنية التحتية لمثل هذا النظام، بإنشاء مسارات خاصة للباصات لاعلاقة لها بازدحامات السيارات الخاصة، وهو ما يأتي ذكره كلما تمت الإشارة في المناسبات والمحافل عن أزمة الإزدحامات المرورية، وأهمية الحد من أعداد السيارات، وتوفير مواصلات جماعية على مستو عال من الجودة، تستقطب كل فئات المجتمع وخصوصاً تلك المرتبطة بمواعيد وأعمال وساعات عمل غير مرنة، وكل من يحرص على إنفاق وقته بشكل فعّال. عدا ذلك، سيتواصل الوضع على ماكان عليه منذ 1971 عندما سيّرت أول باصات النقل العام، وسوف لن يخرج النظام المواصلاتي البديل عن حيز الأمنيات والكلام. وستضاف إلى التكلفة البيئية وتكلفة الوقت الضائع كلف جديدة يستحدثها الوضع وهي الكلفة المزاجية التي سيدفعها في كل ذروة آلاف المحشورين في طوابير السيارات الطويلة ككلفة إضافية على أوقاتهم الضائعة.
فضياع الوقت بمعدل 40 دقيقة من مشواري الصباحي، يشاركني خسارته الكثيرون، ومضاعفة هذا الوقت بتكرار المشاوير من شأنه أن يقلص ساعات اليوم المتاحة للآلاف من الأشخاص ويجبرهم على إعادة ترتيب حياتهم. وفي هذا السياق حذرت استاذة جامعية في دراسة أعدتها عن الازدحام في المدن الرئيسية للجارة المملكة العربية السعودية، وتقول الأستاذ المساعد بكلية التربية بقسم علم النفس في جامعة الملك سعود حنان حسن عطا الله، في دراستها: «إن نشوة الصباح والحماس الذي يجب أن يعتري الناس وهم يذهبون باكراً إلى أعمالهم، تتسبب في فقدها تلك الازدحامات، فبعد ساعة أو 45 دقيقة من الغوص في الزحام المروري، يصبح من الصعب أن يصل الموظف لمكتبه وهو في حالة نفسية وعصبية تسمح له بأداء عمله بشكل طبيعي كما إنها تشكل إنهاكاً نفسياً للإنسان».
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 4925 - الثلثاء 01 مارس 2016م الموافق 22 جمادى الأولى 1437هـ
شكرا للكاتبة المتألقة هناء بوحجي دائما لها أفكار و مواضيع مهمة في تطوير وتعديل قوانين و أفكار تخص البلد ياريت من اصحاب القرارت تتخذ إجراءات و حلول لهذه المشاكل اليومية الرئيسية المهمة لكل فرد و تاخذ أفكار الناس المثقفة الي قاعدة تعطي من وقتها الخاص من اجل حياة افضل لوطننا الغالي.
اسباب الازدحام
عدد الاجانب النظاميين والفري فيزا يقارب مليون وكل من هب ودب يحصل على رخصة سباقة بالاضافة لتجنيس ما يقارب نصف مليون ... دول الخليج العربي لا تعطي رخصة قيادة الا بشروط وليس كل من هب ودب
..
الكاتبة تطرقت الى موضوع مهم جدا وبالفعل معاناه لكل افراد المجتمع ... مهارة وفن وتحليل قائم على اتقان وبحث من عدة مصادر ... تسلم يدك هناء ... الى الامام دائما