كثيراً من الأسئلة والتعليقات والمكالمات وملخصات الأخبار، تلقيتها وقرأتها خلال الأسبوع الماضي، كلها تدور حول التغيير الحكومي الذي أجريناه أخيرًا في دولة الإمارات، وزراء للسعادة والتسامح والمستقبل ووزيرة للشباب بعمر الـ22 وتغييرات هيكلية في التربية والتعليم والصحة وإدارة الموارد البشرية وغيرها، البعض تناول التغييرات بالإعجاب - وهم كثيرون - وآخرون بالاستغراب، وفريق ثالث من وراء البحار قارن التغييرات ببناء أطول برج وأكبر جزيرة وكأن التغييرات جزء من حملة دعاية تقوم بها دولة الإمارات.
ولعلي أوجه خطابي اليوم إلى الفريقين الأخيرين؛ لأشرح لهما بشكل مختصر لماذا غيرنا؟
نحن غيرنا؛ لأننا تعلمنا الكثير خلال السنوات الخمس الأخيرة، تعلمنا من أحداث المنطقة حولنا، وتعلمنا من دروس التاريخ، وتعلمنا أيضًا من جهود كثيرة بذلناها لاستشراف المستقبل.
علمتنا منطقتنا وعبر أحداث رهيبة مرت بها في السنوات الأخيرة أن عدم الاستجابة لتطلعات الشباب الذين يمثلون أكثر من نصف مجتمعاتنا العربية هو سباحة في عكس التيار وبداية النهاية للتنمية والاستقرار.
علمتنا منطقتنا أن الحكومات التي أدارت ظهرها للشباب وسدت الأبواب أمامهم... إنما سدت أبواب الأمل لشعوب كاملة، نحن لا ننسى أن بداية التوترات في المنطقة وما يسمى للأسف ربيعًا عربيًّا إنما كانت لأسباب تتعلق بتوفير فرص للشباب، وبيئة يستطيعون من خلالها تحقيق أحلامهم وطموحاتهم.
نحن دولة شابة، ونفخر بذلك، ونفخر أيضًا بشبابنا، ونستثمر فيهم، ونمكن لهم في وطنهم، وعيّنا وزيرة شابة من عمرهم، وأنشأنا مجلسًا خاصًّا لهم، ونؤمن بأنهم أسرع منا في التعلم والتطور والمعرفة لامتلاكهم أدوات لم نمتلكها عندما كنا في أعمارهم، ونعتقد جازمين بأنهم هم الذي سيصلون بدولتنا إلى مراحل جديدة من النمو والتطور.
علَّمتنا السنوات الأخيرة في منطقة الشرق الاوسط «الجديد» أننا نحتاج إلى أن نتعلم التسامح ونعلمه ونمارسه، أن نرضعه لأطفالنا فكرًا وقيمًا وتعليمًا وسلوكًا، أن نضع له قوانين وسياسات ومنظومة كاملة من البرامج والمبادرات.
نعم تعلمنا ذلك من مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين والمنكوبين الذين رأيناهم في آخر خمس سنوات في هذه المنطقة بسبب التعصب والكراهية، وعدم التسامح الطائفي والفكري والثقافي والديني.
لا يمكن أن نسمح بالكراهية في دولتنا، ولا يمكن أن نقبل بأي شكل من أشكال التمييز بين أي شخص يقيم عليها، أو يكون مواطنا فيها لذلك عينًا وزيرًا للتسامح.
عندما كانت المنطقة في أزهى عصورها متسامحة مع الآخر، ومتقبلة للآخر سادت وقادت العالم... من بغداد إلى دمشق إلى الأندلس وغيرها... كنا منارات للعلم والمعرفة والحضارة؛ لأننا كنا نستند إلى قيم حقيقية، تحكم علاقاتنا مع جميع الحضارات والثقافات والأديان من حولنا، حتى عندما خرج أجدادنا من الأندلس خرج معهم اليهود ليعيشوا بينهم؛ لأنهم يعرفون تسامحنا.
نعم تعلمنا من التاريخ أهمية التسامح، لكن جاءت الأحداث الأخيرة في منطقتنا لتؤكد لنا أنه لا مستقبل لهذه المنطقة من دون إعادة إعمار فكري، ترسخ قيم التسامح والتعددية والقبول بالآخر فكريًّا وثقافيًّا وطائفيًّا ودينيًّا.
التسامح ليس فقط كلمة نتغنى بها؛ بل لابد أن تكون لها مؤشرات ودراسات وسياسات وترسيخ سلوكي في مجتمعنا لنصون مستقبله ونحافظ على مكتسبات حاضره.
نحن دولة نتعلم كل يوم ومع كل درس نتعلمه لابد أن نأخذ قرارات لنطور بها مستقبلنا... وبالحديث عن المستقبل، ولماذا غيرنا اسم إحدى الوزارات لتكون أيضًا وزارة للمستقبل؟ أقول لأننا نتعلم أيضًا من المستقبل وليس فقط من التاريخ.
بذلنا جهودا كبيرة في السنوات الأخيرة لاستشراف المستقبل، ولدينا خطط كبيرة وسياسات وطنية علمية وتقنية تتجاوز قيمتها الـ300 مليار درهم؛ استعدادًا لاقتصاد المستقبل، اقتصاد لا يجعل أجيالنا رهينة لتقلبات أسواق النفط ومضارباتها وعرضها وطلبها.
لابد لحكوماتنا أن تفكر بما بعد اقتصاد النفط من اليوم، لابد من إعادة النظر في المنظومة التشريعية والإدارية والاقتصادية بشكل كامل، للابتعاد عن الاقتصادات المعتمدة على النفط... لابد من وضع بنية تحتية تنظيمية، ومادية قوية لبناء اقتصادات مستدامة لأبنائنا ولأبناء أبنائنا.
نعم نحن مغرمون بالمستقبل وما يحمله، المستقبل يحمل تغييرات عظيمة في الصحة، وطرق التعليم، وفي إدارة مدن المستقبل، وفي الخدمات الذكية، وفي التنقل المستقبلي، وفي الطاقة المتجددة، وفي الفضاء، ونحن وضعنا رهاننا في موجة التغييرات القادمة، واستثمرنا في أبنائنا، وتجربتنا مفتوحة للجميع للاستفادة منها.
لا أكتب هذا المقال اليوم تفاخراً أو إعجابًا بأية إنجازات؛ بل أكتبه لأرسل رسالة إلى المنطقة من حولنا بأنه بيدنا لا بيد غيرنا يأتي التغيير، منطقتنا ليست بحاجة إلى قوى عظمى خارجية لإيقاف انحدارها، بل لقوى عظمى داخلية تستطيع التغلب على موجة الكراهية والتعصب التي تضرب نواحي الحياة في الكثير من دول المنطقة.
أكتب مقالا لإرسال رسالة بأنه لابد للحكومات أن تراجع دورها، دور الحكومات هو خلق البيئة التي يستطيع الناس من خلالها تحقيق أحلامهم وطموحاتهم وذواتهم، خلق البيئة وليس التحكم فيها، تمكين الناس وليس التمكن منهم، وظيفة الحكومات خلق البيئة التي يستطيع الناس أن يحققوا فيها سعادتهم، نعم وظيفة الحكومات هي تحقيق السعادة، ولسنا جددا في الحديث عن السعادة، منذ فجر التاريخ والكل يطلب السعادة، أرسطو ذكر أن الدولة كائن حي يتطور ليسعى لتحقيق الكمال المعنوي والسعادة للأفراد، وابن خلدون كذلك، وفي مقدمة الدستور الأميركي نُصَّ على حق الجميع في السعي لتحقيق السعادة، بل إن هناك مطالبات من الأمم المتحدة بتغيير المعايير المعتمدة لقياس نجاح الحكومات، من معايير اقتصادية إلى معايير تتعلق بسعادة الإنسان، وخصصت الأمم المتحدة يومًا عالميًّا لتأكيد أهميته.
السعداء ينتجون أكثر، ويعيشون أطول، ويقودون تنمية اقتصادية بشكل أفضل، بحسب الدراسات، أستغرب من استغراب الكثيرين من تعييننا وزيراً للسعادة في حكومتنا، السعادة لها مؤشرات وبرامج ودراسات، السعادة يمكن قياسها وتنميتها وربطها بمجموعة من القيم والبرامج، سعادة الأفراد وسعادة الأسر وسعادة الموظفين في عملهم وسعادة الناس عن حياتهم وتفاؤلهم بمستقبلهم ورضاهم النفسي والمهني والمجتمعي، كل ذلك يحتاج إلى برامج ومبادرات في قطاعات الحكومة كافة، ولا بد من وجود وزير لمتابعة ذلك مع جميع القطاعات والمؤسسات الحكومية، عندما نقول إن هدف الحكومة هو تحقيق السعادة، فنحن نعنيه حرفيًّا، وسنطبقه حرفيًّا، وسنسعى إلى تحقيقه بما يتناسب مع طموحات شعبنا وتطلعاته وعاداتنا وثقافتنا.
نعم نحن غيَّرنا حكومتنا، وأتمنى أن نكون نموذجًا يمكن أن يستفيد منه غيرنا، ومعادلة التغيير عندنا بسيطة: تنمية تقوم على منظومة من القيم، ويقودها الشباب، وتستشرف المستقبل، وتسعى إلى تحقيق سعادة الجميع، والله الموفق أولاً وآخراً.
إقرأ أيضا لـ "محمد بن راشد آل مكتوم"العدد 4923 - الأحد 28 فبراير 2016م الموافق 20 جمادى الأولى 1437هـ
فى اعتقادي المتواضع ان هدف وجود حكومة هدفة تحقيق السعادة للمواطن والمقيم..
سبب ثورات الربيع العربي هو عدم شعور الشعب بالسعادة ولكن السعادة موضوع ذو شجون ونسبي من شخص الى اخر.
نعم نحن غيَّرنا حكومتنا، وأتمنى أن نكون نموذجًا يمكن أن يستفيد منه غيرنا،