شاركتُ في الدورة الـ36 لمنتدى التنمية (الخليجي) والذي انعقد في البحرين خلال 19 - 20 فبراير/ شباط 2016، والذي انعقد تحت عنوان «المياه والتنمية المستدامة في دول مجلس التعاون الخليجي»، والذي هو موضوع تقني في الظاهر، ويبدو أن تنسيقية المنتدى اختارته ليس فقط لأهميته ولكن للابتعاد عن القضايا المتفجرة التي تعصف بالخليج.
لن أستعرض الأوراق القيمة والتي قدمها خبراء متخصصون بإشراف مدير المشروع وليد زباري، فقد تم عرضها في بعض الصحف المحلية، لكنني سأعرض لبعض ما دار في المناقشة العامة، وبعض الملاحظات على هذه الدورة.
الملاحظة الأولى، هو أن عدد الحضور في هذه الدورة قد يكون الأقل في تاريخ المنتدى، بل إن بلداناً مثل قطر والإمارات وعمان ممثلة رمزياً بشخص أو شخصين وهذا يعكس أجواء الاختناق في منطقة الخليج، والخوف من الكلام المباح، وخصوصاً في ضوء منع أعضاء من المنتدى من الدخول للبلدان المضيفة للمنتدى، وغياب بعضهم القسري إما خلف القضبان أو المنع من السفر. أما الملاحظة الثانية، فهي أن الشيخوخة دبت في معظم الحاضرين وغياب الشباب التام، وقد كانت آخر محاولة لجلب شباب إلى المنتدى في اجتماع دبي في 2012، بمبادرة من عضو لجنة التنسيق عمر الشهابي، وأي تجمع لا يجدد دماؤه محكوم عليه بالضعف والفناء.
أما الملاحظة الثالثة، فهي أنه وباستثناء المنسق العام محمد الرميحي والمنسق للشئون المالية علي موسى، فقد غاب باقي المنسقين، أما الجلسة التنظيمية المغلقة لأعضاء المنتدى فلم يحضرها إلا عدد قليل، حيث سافر البعض ولم يكترث البعض الآخر بالحضور، ما يعد مؤشراً خطيراً.
المناقشة العامة في اليوم التالي أتاحت مجالاً نسبياً لوضع أزمة المياه في إطارها الأوسع، وهو أزمة المنطقة وبلدانها وأنظمتها ونخبها برمّتها فمن الواضح أن عقوداً من إنتاج النفط والبحبوحة الاقتصادية لم تستغل لبناء اقتصاد منتج، لا يرتهن للنفط. كما إنه وفي سياق حمى التوسع العمراني، والتضخم السكاني، والتعامل مع الطبيعة والتي هي نتاج قرون بعبث، قد أعادنا إلى حضارة الحجر وليس البشر، واستنزف أو في طريق الاستنزاف للموارد الطبيعية وخصوصاً المياه والأراضي الزراعية، وقضى على السواحل الطبيعية، وضرب البيئة والعبث بها. والأخطر أن التركيبة السكانية أضحت هجيناً، حيث المواطنون أقلية في وطنهم. وضاعت فرصة التنمية المستدامة التي تضع الإنسان في قلب التنمية، فأضحى المواطن رهينة العمالة الأجنبية، حيث تسود الاتكالية والاقتصاد ولقيم العمل.
بالطبع فإن ذلك ليس بمعزل عن النظام السياسي، حيث خابت آمال الاستقلال، واستقوت الفئة الحاكمة بمداخيل النفط الهائلة لتحكم قبضتها على المواطنين، في دولة المكرمات وليس دولة الحقوق.
تكمن الخطورة اليوم في أن المواطنين بعد أن صودرت حقوقهم السياسية فهم في الطريق لفقدان حقوقهم الاقتصادية في ظل أزمة انهيار أسعار النفط، وبالتالي انهيار مداخيل النفط، والدخول في عصر التقشف والضرائب وإنهاء عصر الخدمات الأساسية المجانية من تعليم وتطبيب وغيره، ومما يفاقم الوضع أن الأزمة الاقتصادية تترافق مع دخول المنطقة بأسرها في حالة من الإضراب والاضطرابات والقلاقل، حيث دول الخليج طرف فيها، ما يعني إعطاء الأولوية للإنفاق العسكري والأمني، ما سيضاعف من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
من هنا كانت دعوة المشاركين لتنسيقية المنتدى أن تبادر لتقديم مرئيات المنتدى إلى حكام الخليج ومسئوليه، فليس معقولاً أن تظل طروحاتهم حبيسة الجدران الأربعة، أو محصورة على نخبة ضيقة. طرح البعض ضرورة انفتاح المنتدى على المجتمع بمختلف مكوناته وكذلك الانفتاح على الإعلام الذي يمكن أن ينقل أفكارهم ومرئياتهم إلى الرأي العام فيما هو متاح في هامش محدود من الحرية.
المنتدى بحاجة إلى صحوة لما آل إليه من شيخوخة الأعضاء والمراوحة في الأساليب ذاتها، والعزلة عن المجتمع، وتجنب القضايا الحساسة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4921 - الجمعة 26 فبراير 2016م الموافق 18 جمادى الأولى 1437هـ
الاستاد عبد النبي العكري رجل وطني ونعم الرجال