حين تُقدِّم بورتريهاً لنص ما، فأنت بذلك تقدِّم في الوقت نفسه «بورتريهاً» لصاحبه. لا يُمكنك الفصل بين الاثنين؛ لكن التركيز الذي ابتغته هذه المساحة منذ العمودين السابقين اللذين تناولا الشاعرتين البحرينيتين حمدة خميس وفوزية السندي، ينصبُّ على النص بالدرجة الأولى، من حيث لغته، أو من حيث التوجُّه إلى النص عموماً.
عبدالقادر عقيل، واحد من الأسماء التي تتسم بهدوء مستفزّ وجميل يكاد لا يشبهه أحد ممن نعرف في هذه الساحة التي أهم سماتها التوتر والانفعال وأشياء أخرى لا مجال هنا لإثارة حساسيتها. ذلك الهدوء ستراه يتبدَّى وينعكس على مساحة كبيرة من الأعمال القصصية وغيرها من تناولات تُعنى بشئون الكتابة.
بعض العناوين في مجموعاته القصصية يوحي بتوتر وانفعال من الطراز الذي نعرفه في العلاقات؛ لكنه في النص وإن بدا كذلك؛ إلا أنه لا يخلو من الهدوء على الأقل في الاشتغال على عوالمه. منذ «استغاثات في العالم الوحشي»، مجموعته القصصية التي أصدرها في العام 1979، وهو يسهر على نصه بتلك القيمة العالية المراعاة والهدوء، والصداقة المعلنة بينه وبين نصه، هي التي منحته تلك القدرة الجميلة، والمسارات الواثقة من أن مشروعه سيجد مكانته اللائقة في المشهد الإبداعي البحريني والخليجي، من دون ضجيج، ومن دون التماس لمساحة تضعه في بؤرة الضوء الذي تنازع ويتنازع حوله كثيرون، وهو بالمناسبة ضوء لا يخلو من عتمة، وخصوصاً إذا تحقق من إغاظة أو تشفٍّ أو علاقات ليست بريئة بالضرورة.
في «مساء البلُّورات» التي صدرت في العام 1985، امتداد ما لمشروعه الأول، مع قفزات حققها السهر على لغته ورؤيته في بحر 6 سنوات.
مع تمرُّس تجربته في الكتابة، والإحاطة بآلياتها وآفاقها وجمالياتها، لم يتحدَّد جانب من وعيه النقدي بالكتاب الذي جمع فيه مقالاته وحمل عنوان «موضوعات حول العامية والشعر العامي»، وصدر في العام 1986 فحسب؛ إذ إتقانه للإنجليزية، أتاح له أفقاً أرحب وأشمل، بالانفتاح على آخر التيارات النقدية والفكرية التي انعكست في صورة أو أخرى على قراءاته وتناولاته لموضوعات الأدب والثقافة، من دون أن ننسى أن الإحاطة وتوافر ذلك المُعطى والنافذة على إبداع الآخر، تركا أثرهما حتى على نصه، من حيث شكله والمضمون.
لكنه يظل مشدوداً إلى عالمه الأول (القصة)، حيث هو بعوالمه المتنوعة، وشخصياته التي يشتغل على نموها واطرادها في الأحداث التي يوجدها لها، ولم يكُ مفاجئاً فوز «رؤى الجالس على عرش قدامه بحر زجاج شبه البلور»، بالجائزة الأولى في مجال القصة في مسابقة سعاد الصباح للإبداع الفكري بين الشباب العربي، في العام 1989، لتتوالى الإصدارات بنص «الشوارق» في العام 1991، ومجموعته «الشوكران» في العام 1994، وروايته «كف مريم» في العام 1997، ورواية «أيام يوسف الأخيرة»، في العام 1999، ومجموعته القصصية «إثنا عشر ذئباً على مائدتي» في العام 2006، وغيرها من الأعمال.
هو الوديع حد الدهشة تلك التي تنتاب من حوله، لم تزده «اثنا عشر ذئباً على مائدته»، إلا ذهاباً إلى النص في أجمل حالاته وهدوئه ومحبَّته الخلَّاقة.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4921 - الجمعة 26 فبراير 2016م الموافق 18 جمادى الأولى 1437هـ
شكرا استاذنا العزيز على المقال الذي يظهر ابداعات كتابنا المحليين الذين بصراحة نجهلهم بسبب تزاحم الساحة الادبية بكتاب كثر والمؤلفين والتركيز على الكتاب العالميين ز