تقدم نظام الأسد في مناطق مختلفة من سورية هو تقدم لإيران وروسيا. فنظام الأسد، حتى إن سيطر على أجزاء أكبر من الأراضي السورية، لن يستطيع السيطرة على سورية. كما أن روسيا، حتى الآن، لن تغامر باحتلال سورية. ولو فعلت ذلك ستتورط بما هو أسوأ. فما يقع في سورية كان ومازال مسألة حقوق وقضية شعب، وطالما لم يتم التعامل مع هذا البعد ضمن أبعاد وضمانات لكل الفئات، ستبقى سورية تعيد إنتاج معارضة دائمة لنظام الأسد وداعميه.
الحرب الدائرة في سورية صفرية الطابع حتى اللحظة، وهذا يعني أن روسيا بالتحديد وحلفاءها ينطلقون من إمكانية الانتصار في ميدان القتال، وهذا سيسهم في إطالة الحرب.
إن اختزال مشكلة سورية بداعش «الدولة الإسلامية» يتحول لأحد الأبعاد التي تسهم في إدامة الحرب السورية، فالدولة الإسلامية نتاج للأزمة العراقية والسورية، لهذا فإن تراجع الدولة الإسلامية الاستراتيجي لن يكون ممكناً على الإطلاق بلا تراجع مساوٍ واستراتيجي للنظام بصورته الأمنية والعسكرية. إن قيام الولايات المتحدة بمحاولة جر المعارضة لمواجهة داعش بينما تتعرض المعارضة السورية لهجمات روسيا والنظام يهدد بتحويل فئات مهمة من المعارضة إلى جبهة مشتركة مع الدولة الإسلامية. الأفغنة ليست بعيدة عن الحالة السورية، بل توضع المعارضة السورية في زاوية صعبة قد تدفعها بهذا الاتجاه. وهذا يعني بأن الحرب في سورية مرشحة لتطورات أكثر صعوبة. ومن هنا خطورة فشل الحل السياسي كما تطرحه (السعودية وقطر وتركيا والخليج).
ومن جهة أخرى إن وجود قوى مسلحة عديدة تقاتل مع النظام (ميليشيا) أو ضده يعني عمليّاً أن اقتصاد حرب قد نشأ في سورية، وعندما ينشأ «اقتصاد حرب» فهو يغذي نفسه بنفسه لصالح استمرار الحرب، بل يسهم في نشوء حالة الدولة الفاشلة. هذا الاقتصاد الذي يشمل كل الأطراف بما فيها أطراف النظام والميليشيات المرتبطة به يمارس التهريب وتجارة السلع ويفرض ضرائب ويتحكم باقتصادات مناطق وأقاليم، وقد نجح في فرز تجار جدد وطبقات أجدد وأمراء حرب. اقتصاد الحرب في الحروب خاصة ضمن الدول يعطي قوة دفع للصراع لزمن ليس بالقصير. قليلة هي الحروب الداخلية والأهلية التي تنتهي قبل مرور عقد.
إن أحد أكثر التحديات التي تواجهها سورية هو خروج القضية السورية من يد السوريين، فلا النظام بصورته الحالية يملك مصيره، ولا المعارضة نجحت في أن تكون العامل الحاسم كما كان الأمر في البداية وذلك بفضل الداعمين الإقليميين والدوليين وتناقض مصالحهم وتشابك التدخلات الدولية وعبثية النظام السوري نفسه. هناك جانب أساسي في الأزمة السورية إقليمي وعالمي، فروسيا ترد على أوروبا وأوكرانيا في سورية، وإيران ترد على سورية في اليمن، وتركيا لديها حساباتها تجاه نفسها وتجاه جيرانها وتجاه الأكراد، والخليج والمملكة العربية السعودية تتواجه مع إيران في اليمن وسورية ومناطق أخرى والنظام من جانبه لا يتردد في الاعتماد الشامل على الخارج. هذا كله يجعل الأزمة السورية مرشحة للاستمرار.
في الحروب الأهلية لا حل إلا من خلال التالي: تبلور قوة محلية قوية قادرة على حسم الحرب بصورة نهائية، وذلك من خلال اكتساح كل الأطراف الأخرى كما فعل فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية (لا تمتلك روسيا هذه القدرة طالما بقيت في الجو ولا يمتلك النظام القدرة للسيطرة على كل سورية) أو تقسيم البلاد لمناطق شبه مستقلة مختلفة (كجنوب السودان مثلاً)، أو تحقيق اتفاق تاريخي توافقي (لبنان بعد الحرب الأهلية)، أو تدخل دولي خارجي يحسم الحرب ويقود وضعاً جديداً (تدخل فيتنام بقوات برية ضخمة لإسقاط الخمير روج في السبعينات) أو خليط من بعض هذه الاحتمالات. حتى الآن لم يتضح كيف ستنتهي حرب سورية، وذلك لأن أيّاً من الحلول الممكنة لم تنضج بعد. الحرب في سورية مستمرة وسط مخاسر كبرى للمدنيين السوريين وذلك في ظل غياب الحل.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 4920 - الخميس 25 فبراير 2016م الموافق 17 جمادى الأولى 1437هـ