في الماضي, كانت البكتيريا أحد أكبر أعداء البشرية , قتلت هذه الميكروبات المجهرية ما لم يقتله البشر في حروبهم المجنونة..

كانت الأوبئة تمر على القرى و المدن, فتفتك بالجميع بلا رحمة , شيوخاً و نساءاً و أطفال. و لنا خير مثال بالطاعون الذي ضرب أوروبا في القرن الرابع عشر و الذي أدى إلى فناء أكثر من ثلثلي سكان القارة.

بقيت البكتيريا مسيطرة على مصير البشر إلى أن تم اكتشاف أول مضاد حيوي على يد العالم الاسكتلندي أليكساندر فليمينغ في العام 1928 و هو البنسلين.

هذا الاكتشاف الهائل حوَّل البكتيريا من وحوش كاسرة إلى حملان وضيعة لفترة طويلة من الزمن.. انتصرنا في المعركة , لكن الحرب لم تنته بعد. اعتقدنا بأننا قضينا على أسوأ كوابيسنا على مدى التاريخ البشري, لوهلة ظننا أننا أكثر ذكاء من هذه الجراثيم المجهرية .

صمدت البكتيريا أمام الهجمة الأولى, بدأت بتجميع قواها و قررت المقاومة .. تعلمت أساليب جديدة لحماية أنفسها و مواصلة الفتك بالبشر, أصبح لدينا بكتيريا مقاومة للبنسلين , لكننا ابتكرنا أسلحة أقوى, صنعنا مضادات حيوية فتاكة, لكن البكتيريا استمرت بالنضال..

وصلت البكتيريا إلى مرحلة متقدمة, أصبح بعضها مقاوماً لجميع أنواع المضادات الحيوية! و في نفس الوقت استنزفنا نحن البشر جميع أسلحتنا, لا يوجد لدينا سلاح جديد في السنوات الخمس – و ربما السنوات العشر- القادمة.

في كل سنة تزداد حالات البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية , كنا نراها مرة كل سنة, الآن بدأت بالزيادة شيئا فشيئا, انتقلت البكتيريا من مرحلة الدفاع إلى الهجوم المضاد ..

أخشى من تلك اللحظة التي أرى فيها طفلاً مصاباً بالتهاب رئوي, لكنني لا أستطيع علاجه بأقوى مضاد متوفر, أتخيل تلك البكتيريا تتجول كالوحش الكاسر في أقسام المستشفى و هي تتبجح أمامنا و تقول : ((لن تستطيعوا فعل أي شيء, سأسلب منكم أغلى ما تملكون!))

حينها سنكتشف أننا عدنا مئة عام إلى الوراء و أن علينا البحث عن سلاح جديد يغير موازين القوى في حربنا الشاملة على البكتيريا.

إلى أن تحين تلك اللحظة , مازالت الحرب قائمة و سنقاتل حتى آخر لحظة ...

د. نافع الياسي

طبيب أطفال - مستشفى توام

الإمارات العربية المتحدة