العدد 4919 - الأربعاء 24 فبراير 2016م الموافق 16 جمادى الأولى 1437هـ

طبطبنا جروحنا بأنفسنا و الصحة المهنية غائبة

في حديث مع المتقاعدين:

في صمتهم وقار و في حديثهم حِكم، و في جعبتهم صندوق حكايا يقدر عمره بما يفوق الخمسين عاماً.

عمر مديد لكبار السن من فئة المتقاعدين، الذين خدموا وطنهم بكل حب حتى أبيضت لحاهم و هرمت قواهم. و إكراما لتلك الطاقات، حاور فريق الوسط الطبي مجموعة من كبار السن لسرد حوادثهم المهنية في فترة شبابهم، التي تعددت في أنواعها و ظروفها، فثقافة الصحة المهنية قديما لا تشبه الوضع حاليا، وهذا ما ستستشفه في السطور القادمة.


الشرخات: إبيضت عيني “ولن أهجر الزراعة”

أولى المحطات كانت مع الحاج السيد جعفر ابراهيم كاظم الشرخات (72عاماً) في مزرعته الكائنة في جدحفص. عمل الشرخات منذ شبابه بناءاً في قريته جدحفص و القرى المجاورة لمدة 30 سنة ، ولا زالت بعض البيوتات التي شيدها قائمة حتى الآن و يتذكره أصحابها.

وبحسرة يقول الشرخات «بسبب ظهور العمالة الأجنبية التي يجلبها مقاولو البناء اضطررت لترك البناء، والإلتحاق بالزراعة منذ 15 عاماً لحد الآن”.

مضيفا بأنه كان كثيراً ما يتعرض للإصابات كسقوط الطابوق على قدميه و آلام في الظهر و الكتفين نتيجة لحمل الطابوق و العمل لساعات طويلة في البناء، كما كان يصاب بجروح أثناء تقطيع و تنظيف النخيل و غيرها من أعمال الزراعة الشاقة.

ولأنه لم يملك تأمين صحي في ذلك الوقت ولم يكن هنالك وعي بأهمية التأمين الصحي للعمال، كان الشرخات يطبب نفسه بنفسه.

أما بعد التقاعد و لأنه كان مستمراً في العمل في الزراعة أصيبت عينه بالماء الأبيض و قام بعلاجها حيث نصحه الطبيب بعدم العودة لممارسة الزراعة حتى لا تتأذى عينه و لكنه لم يستطع الإلتزام بتلك النصيحة، فما إن تماثلت عينه للشفاء حتى عاد للعمل مجدداً في الزراعة، الهواية و المهنة التي عشقها قائلاً» سأبقى أعمل بالزراعة حتى آخر عمري».

الشرخات الذي بدت عليه السعادة في مزاولة الزراعة، لا يتمنى أن يعمل أحفاده في وظائف كهذه لأنها لا تناسب الدارسين و الجامعيين حسب قوله، و لكنه يأمل بأن يعملوا كمستثمرين و تجار في الزراعة و المقاولات و العقارات.

أما فلو عاد به الزمن لمرحلة الشباب، فأنه سيعاود العمل بذات الوظائف ( البناء و الزراعة) كما يقول.


العلوي: رفضت “المرآخ” وبقيت على الجبيرة

المحطة الثانية كانت في دُكان الحاج السيد مجيد حسين ماجد العلوي (80 عاماً) في قرية بوري، الذي أخذ يسرد لنا حكاياته في التنقل ما بين 7 وظائف مختلفة في التخصص، أولها في شركة نفظ البحرين بابكو والذي عمل بها أقل من سنة ثم رُفض من العمل بسبب إصابته بمرض «بوصفار» وتدهور صحته، وعلق على تلك الفترة من حياته قائلا» كانت بابكو الوحيدة التي تقدم دورات الصحة المهنية في ذلك الوقت».

ثم إلتحق بعدها بالعمل مع المقاول إبراهيم عبد العال لمدة خمس سنوات، ثم قوة الدفاع البريطاني في الهملة لأربع سنوات. ومن بعدها اتجه للعمل في شركة جاون براون لسنتين ثم في شركة ألبا لسنة واحدة.

أما الوظيفة ما قبل الأخيرة فكانت في الشركة البحرينية الأفريقية (BTTC) التي قضى فيها 11سنه ونصف، و تزامنت أحداثها مع أزمة الكويت و العراق. أما آخر 12 سنة من حياته المهنية فكانت في مستشفى السلمانية الطبي إلى سن التقاعد، ليتفرغ بعدها إلى العمل الحر في دكانه الخاص الذي يبيع المواد الغذائية والإستهلاكية.

العلوي وهو يعدد وظائفه السابقة، استحضر أبرز إصابات العمل التي تعرض لها خلال طريق ذهابه للسلمانية، حيث تعرض لحادث دهس من إحدى المركبات بينما كان يعبر الشارع العام على قدميه. ولكونه حينها حديث العمل في السلمانية ( أقل من سنة على توظيفه) لم تتكفل جهة العمل بدفع تكاليف العلاج بل كانت على نفقة الجندي (الجاني)، حيث خضع للعلاج في مستشفى الدفاع العسكري لمدة خمسة شهور.

ومن التفاصيل الذي يتذكرها العلوي في هذه الحادثة، إن راتبه انقطع في فترة علاجه إلى أن قام أحد الأطباء في المستشفى وهو ينتمي للعائلة الحاكمة بكتابة رسالة للسلمانية وتم على إثر ذلك قبول الطلب و إسترداد رواتبه المتأخرة.

ونفى العلوي لجوءه للمراخ لعلاج إصاباته المهنية قائلا» لقد رفضت طلب أحدهم بنزع الجبيرة من أجل المراخ!»

وحين سؤاله إذا كان يتمنى أن يعمل أحفاده بنفس تلك المهن أجاب» لا بالطبع، فلقد شعرت في تلك المهن بعدم التقدير رغم الإجهاد في العمل و التهديد بالفصل من العمل “. مشدداً بأن لو عاد به الزمن للوراء لن يعمل بتلك المهن إلا العمل في بابكو، فهو يراها جهة جيدة للعمل، تمنح موظفيها فرصة إكمال الدراسة وتطوير النفس والخبرات، كما إن بيئة العمل مليئة بجو الإحترام نظرا لوجود الكثير من الأجانب هنالك حسب قوله.

ويختم العلوي حديثه بقوله بأنه سيستمر في العمل الحُر في دكانه، ففي العمل الحر حرية، فلا يوجد مسؤول عليك ولا وقت محدود للعمل، مضيفاً “لا أظن بأنني بحاجة لفترة راحة في هذا العمر لأنقطع عن عملي في الدكان، فالراحة في العمل وليس في الكسل، فالكسل هم وتفكير».

العدد 4919 - الأربعاء 24 فبراير 2016م الموافق 16 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً