تحولت ندوة مساء الإثنين (22 فبراير/ شباط 2016) لوداع الكاتب اللبناني خالد زيادة في نهاية عمله سفيرا لبلاده بالقاهرة إلى تذكير بفترات من الانفتاح الثقافي العربي-العربي سمحت بحرية الانتقال والتفكير والنشر وهي مساحات رآها البعض تميل إلى التقلص.
فالروائي المصري عبده جبير روى تجربة زمالته لزيادة في العمل الصحفي في بيروت منذ نهاية 1973 حين كانت لبنان "جاذبة للمغضوب عليهم من المثقفين العرب" ينشرون فيها ما لا يستطيعون نشره في بلادهم وفيها عرض فيلم (العصفور) ليوسف شاهين عام 1973 قبل السماح بعرضه بالقاهرة في العام التالي.
وقال الناقد المصري صلاح فضل في الندوة التي عقدت بمكتبة القاهرة الكبرى إن لبنان ربما تعود مرة أخرى إلى أن تلعب هذا الدور "كساحة للحرية التي تتقلص مساحتها يوما بعد يوم" ربما في إشارة إلى صدور أحكام بسجن ثلاثة من الإعلاميين والكتاب المصريين في الآونة الأخيرة بتهمتي "ازدراء الأديان" و"خدش الحياء العام".
وأضاف أن دراسات زيادة "المفكر والفيلسوف" عن العلاقة بين العرب وأوروبا تكمل دراسات بدأت في بدايات القرن العشرين على يد جيل الرواد وأن "حضوره الثقافي القوي في مصر" يذكر بحضور مماثل للبنانيين منهم "شاعر القطرين" خليل مطران (1872-1949) وأن زيادة يستحق لقب "سفير القطرين" في إشارة إلى لبنان ومصر.
وزيادة أديب وأستاذ جامعي درس الفلسفة بالجامعة اللبنانية ونال الدكتوراه من جامعة السوربون عام 1980 وتولى منذ عام 2007 منصب سفير لبنان في مصر والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية.
وصدر لزيادة عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة أربعة كتب وقعها للحضور عقب الندوة وهي (الكاتب والسلطان... من الفقيه إلى المثقف) و(الخسيس والنفيس... الرقابة والفساد في المدينة الإسلامية) و(لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب) و(تطور النظرة الإسلامية إلى أوروبا) والذي صدر الشهر الماضي.
وحضر الندوة مسؤولون ومثقفون مصريون منهم نائب رئيس الوزراء السابق يحيى الجمل ووزير الثقافة السابق عماد أبو غازي والروائيان إبراهيم عبد المجيد ومكاوي سعيد ومنظم الندوة الناشر محمد رشاد والسفير المغربي محمد سعد العلمي والسفير الفلسطيني السابق بركات الفرا الذي اقترح على زيادة أن يكتب تجربته في العمل بالجامعة العربية طوال ثماني سنوات "شهدت كثيرا من الخلافات وكان (زيادة) صوتا هادئا يجمع ولا يفرق".
وقال زيادة إنه لم يتوقع أن يشغل منصبا دبلوماسيا قبل عمله سفير بمصر وإن تجربته في مصر "كانت ثرية بالتواصل مع أجيال من المثقفين" كما استطاع أن ينظم وقته ليتمكن من كتابة مؤلفاته الأخيرة لتي نشرها في القاهرة.
وقال الكاتب المصري نبيل عبد الفتاح إن زيادة "نموذج للمثقف الرفيع التكوين أصيل الفكر وعميق المعالجات في دراساته وكتبه وفي ممارساته كدبلوماسي جاء من دائرة المثقف والأكاديمي... أحد القلائل الذين تداخلوا في الحياة الثقافية المصرية حضورا وكتابة".
وأضاف في ورقة عنوانها (صورة من قريب للدبلوماسية الثقافية) إن زيادة "باحث قدير... يؤمن بضرورة تجديد الفكرة العربية في عالم عربي يعاني من الانقسامات والتشرذم والتفكك والانهيارات" من خلال دراساته عن تحولات العالم العربي بداية من العصر المملوكي وصولا إلى "مصر الليبرالية والناصرية" حتى الآونة الأخيرة.