لقد ثبت للعقلاء الواعين في المجتمعات العربية والإسلامية في السنوات الخمس الأخيرة أن من يلجأ إلى مخاطبة الناس خطابا طائفيا ومذهبيا بغيضا، فإنه يعاني من أزمة كبيرة في فهم الدين ومتطلباته الأساسية، وبسبب فقدانه الثقافة المستنيرة والفكر النير يكون غير قادر على ترويج أفكاره التي يتبناها، وبالتالي يكون عاجزًا عن تحقيق أهدافه في مجتمعه بالطرق العقلانية.
المتبني لهذا النهج لا يفكر في إحراز مكاسب مذهبية للطائفة التي ينتمي إليها، فإنه يهدف إلى تفكيك مجتمعه من خلال إفساد وتمزيق العلاقات الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية في بلده، والأدلة على ذلك لا تعد ولا تحصى من كثرتها وتنوعها، في البلدان التي أبتليت بداء التحريض والشحن الطائفي البغيض من قرنها حتى أخمص قدميها.
كان الخطاب الطائفي المستمر الذي يبث في أوساط المجتمعات العربية والإسلامية طوال اليوم عبر القنوات الفضائية ومنابر الجمعة والمناهج الدينية التي تثير الفتن المذهبية بين المكونات المجتمعية لإضعافها وتوسيع المشاكل الإنسانية فيها، فهنا لا نتحدث عن شخص بعينه، ولا فئة بعينها، وإنما نتكلم عن كل خطاب طائفي بوجه عام، سواء جاء من هذا الشخص أو ذاك.
لا ريب أن الخطاب المذهبي البغيض سواء صدر من فرد معين أو صدر من جماعة معينة، فهو منبوذ ومستهجن من جميع عقلاء أمتنا العربية والإسلامية والإنسانية، في اعتقادنا أن الخطاب المدمر للمجتمعات الإنسانية ليست له علاقة لا من بعيد ولا من قريب بدين أو مذهب، فمن يدعي أنه يمارس هذا النهج باسم مذهب معين، فإنه يفتري على المذهب الذي ينتمي إليه؛ لأن الذي ينتهج هذا المسلك غير الإنساني هو أبعد ما يكون عن تعاليم مذهبه الحقيقية.
فكل المذاهب الإسلامية التي تستمد قيمها ومبادئها من القرآن والسنة النبوية تدعو إلى الألفة والمحبة ونبذ التفرق والخصام بين المسلمين، وجمعيها تمتثل للأمر الإلهي الذي بينه الله جل جلاله في القرآن العظيم، قال تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا» (آل عمران: 103)، فالإنسان المؤمن الفطن هو الذي يدرأ عن نفسه الشبهات، ناهيك عن المحرمات التي بسبب اقترافها يطول وقوفه أمام الله جلت عظمته، في اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فلو كل إنسان يعمل في القنوات الفضائية وغيرها من الوسائل الإعلامية في إثارة النعرات الطائفية البغيضة، ويصنف مجتمعه في تعاملاته معه بحسب الانتماء المذهبي أن يجلس مع نفسه قليلا، ويحاسبها حسابا منصفا، ويسألها هل العمل الذي يمارسه، والذي يؤدي إلى حدوث انعكاسات سلبية وخطيرة على واقع مجتمعه يتوافق ولو بنسبة بسيطة مع الإرادة الإلهية أم تخالفها تماماً؟
فالعقلاء دائما يخضعون أنفسهم إلى مراجعات يومية لكل الأفعال والممارسات التي يقومون بها طوال اليوم، سواء كانت الممارسات التي فيها ظلم لنفسه، أو التي بها ظلم لغيره، ولا شك أن الظلم الثاني أصعب بكثير من الظلم الأول؛ لأن الله تعالى لا يغفرها إلا بغفران من وقع عليه الظلم، هذا الصنف من الظلم يتطلب من الإنسان في حال ارتكابه ضد الآخرين أن ينهيه في عالم الدنيا قبل الرحيل إلى الآخرة، فإن تأخيره إلى الآخرة سيكون وخيمًا عليه نفسيًّا ومعنويًّا، فلهذا يطالب الإسلام الحنيف الشخص المقترف لهذا الذنب الكبير القيام بتسوية حقيقية مع المظلوم من باب الرأفة به، على سبيل المثال، ممارسة القذف والبهتان والافتراء وغيرها من الممارسات المؤذية ضد أي شخص، يضعها إسلامنا العظيم تحت عنوان الظلم الكبير، ويضع تحتها عشرات الخطوط الحمراء، لقساوتها وشدتها على النفس الإنسانية، التي يحترمها الإسلام ويقدرها ويجعل المساس بها خطيئة لا تغتفر، وجل الذنوب التي ترتكب ضد الآخرين تبدأ بكلمة ثم تتحول إلى أفعال وممارسات سلبية قد تودي في بعض الأحايين بحياة الكثيرين من عباد الله الأبرياء من النساء والرجال والشيوخ والأطفال، الذين كما يقال ليس لهم ناقة ولا جمل في كل ما يحدث حولهم، فنسأل الله أن يمن على أمتنا العربية والإسلامية بحال أفضل من هذا الحال.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 4916 - الأحد 21 فبراير 2016م الموافق 13 جمادى الأولى 1437هـ
صدقت أستاذنا المحترم الحطاب الطائفي يفرق المسلمين ويفرق الأمة العربية ويفسد العلاقات الإنسانية وماذا عن التحزب الطائفي
لا ادري اين وصلنا وهذا حالنا حين يقف مسؤول ليصف طائفة بأكملها او فلنقل الجزء الأكبر من الطائفة الشيعية بالتبعية والعمالة لإيران فقط لأنهم طالبوا بحقوقهم التي كفلتها الاديان وكفلتها الدساتير الوضعية .
تركوا كل منابر الارهاب وذهبوا لمنابر أبي عبد الله الحسين سبط النبي لكي يمارسوا التضييق عليها وهذه سنّة لم تنجح من قبل ولن تنجح فأهل البيت نور الله الذي تكفّل هو ببقائه واتمامه مهما حاول المحاولون النيل منه