تكوَّنت في دولة الإمارات العربية المتحدة، وزارة للسعادة الوحيدة من نوعها في الشرق الأوسط، ويبدو أن رئيس الدولة قد رأى أنه قد قام بتوفير كافة الماديات والاحتياجات لشعبه ولم يبقَ إلا إضافة السعادة إليها لتكتمل حياتهم بالعيش الرغيد،
شيء طيب وحِسٌّ مُرهف بأن تقلق الدولة على سعادة أبنائها في الوقت الذي تقوم دولٌ أخرى بقتل وتهجير مواطنيها في الجبال وعبر البحور، وإن السعادة القصوى لهم في أن يكون لهم وطنٌ وأرضٌ يعيشون عليها بأي شكلٍ وثمن ودون معاناة التهجير والحروب الطاحنة والجوع، وإذ أتساءل ما هي السعادة الحقيقية لشعوبٍ مُرفهة اقتصادياً، وكيفية تحقيقها، حيث تتضارب الآراء بشدة في هذا المجال شرقاً وغرباً، ودعوني آخذكم في هذه الرحلة الغريبة لتحقيق السعادة (interisting journy for happiness) أهي في الممتلكات التي لا تُعد ولا تُحصى وحتى الثمالة، أم هي (المال والبنون زينةُ الحياة الدنيا) كما جاء في الذكر للقرآن الكريم.
ولكننا من خلال أحاديث معظم الأغنياء أنهم الأكثر تعاسةً، وبأنه لا المال ولا البنون تمكنا من ولو جزء بسيط من السعادة المزعومة؛ بل ازداد الطمع والمعارك، واختلف الأبناء وانتشرت الفُرقة بين العائلات وابتعدوا عن بعضهم، والأغرب من ذلك كله أن كل التجارب الإنسانية تؤكد أيضاً أن السعادة وقتية وفتراتها قصيرة جداً، فنحن قد نُسعد بضحكة طفلٍ أو لسماع خبر مفرح أو نكتة أو وردة من عزيز، أو بشفاءٍ من مرض، كما يوجد سِرٌّ آخر في أجسامنا يجلب السعادة الوقتية بانتظام وهي مادة اسمها الاندروفين حينما تُفرز في الدماغ تتسبب بذلك الشعور المريح جداً وقد نسميها تجاوزاً نوعاً من السعادة. ويزداد إفراز هذه المادة أثناء التأمل والأنشطة الحركية، مثل لعب الرياضة أو عمل ما نحب من الهوايات، والقراءة، والفنون، أو مشاهدة فيلم عاطفي دون إسراف أو الموسيقى والرقص وفي ممارسة اليوغا والتصوف... إلخ.
وفي دراسة لأحد الأبحاث لألفي شخص حديثاً، من عدة بلدان، وجدوا أن جل سعادتهم بتوطيد العلاقات بالحميمية والحُب مع أهاليهم وأصدقائهم، كما كثرت الأمثال والحكايات قديماً بأن القناعة والرضا بالحال مهما كان الوضع الأُسري والاجتماعي والمادي هو قمة السعادة والبهجة، فالقناعة إذن هي الكنز الذي لا يَفنى، وفي اعتقادي الخاص أنه حينما تكون النفوس قانعة وراضية بما أعطاها الله ودون الشكوى والتذمر، والتراضي مع النفس والروح الداخلية وبكل ما نَملُك، فتجد كل الأشياء جميلة، ويُضيف ذلك إلى سعادتنا في وصال العيش، ولا بأس من محاولات تحسين الحال، ولكن بشرط أن لا يُنسينا سعادتنا أو يلهينا عن تلمس ما يُضيف إليها.
وبعد كل هذا وذاك فالحياة لا يمكن أن تُعطينا سعادة دائمة ومستمرة لما فيها من مُنغصاتٍ ومشاكل تلتهم هدوءنا وتؤثر علينا سلباً، شئنا ذلك أم أبينا، وتذيب سعادتنا حيث تنقلب السعادة أحياناً وبدون سببٍ إلى كآبة دائمة، على رغم كل محاولاتنا لإبعادها إما لأسبابٍ وقتية هرمونية أو مَرضية أو توارثها جينياً، فالاكتئاب يصيب كبار السن في الغالب من المتقاعدين، وساعاتهم بعد جلوسهم في البيت، ولكنه ازداد انتشاراً وأصبح يصيب الأطفال والمراهقين والشباب، لأسبابٍ غامضة أو تكنولوجية.
فانتشار الأمراض النفسية والعصبية على رغم التقدم في علاج معظم الأمراض العضوية، بشكلٍ يصعب علاجه؛ بل وأصبح هو ما يؤدي لظهور الأمراض العضوية.
ويبدو لي بعض الخواطر في نشر السعادة لتلك الوزارة علها تقنعكم:
وأبدؤها بمحاولة الوزارة المعنية لتدعيم العلاقة ما بين العوائل، وزيادة الحميمية مع الآباء والأمهات، والتحفيز بعمل المسابقات والجوائز للعوائل الأكثر حباً واهتماماً ببعضهم، وأن تُقنع المواطنين بأن يكونوا قانعين بأحوالهم مهما كان دخلهم ودون تذمر، وأيضاً بعمل مشروع وإعلانات ترشيدية للإقناع، وأن تفتتح لهم الشواطئ والنوادي وتُشجعهم على ممارسة الرياضات بكل أنواعها واليوغا والرقص والفنون من الرسم والنحت والموسيقى...إلخ، كي يزداد نشاط الدماغ لإفراز مادة الاندورفين وأيضاً بعمل البيانات والمسابقات والتحفيز للأكثر تواصلاً، وأخيراً أن تتفاهم مع الأغنياء وتُقنعهم بالقوانين لتحديد ثرواتهم بالحد الأدنى منها، وأن تمنع توسعاتهم وشراهتهم، ولتأمين سعادتهم، ربما تعتقدون أنني كنت أمزح في تفسير السبل للسعادة وقد أكون، ولي كلمة أخيرة بشأن الاكتئاب وانتشاره وتذمر الناس قد يكون من أجهزة الاتصال الإلكترونية (التواصل الاجتماعي الكاذب) التي جعلتهم لا يتزاورون، وتبقى الاتصالات عبر الشاشات والكتابة فقط، مما أدت لاقتصارها على الأصدقاء الهلاميين بالمقام الأول والمزيد من الوحدة!
وبهذا قصمت ظهر العائلة، وتضاءلت الحميمية بين الجميع، وإذ أقترح أن تكون أول مهمة لوزارة السعادة هي الحد من هذه الظاهرة في المجتمع، وأن تُعيد إليه توازنه، فهل هناك من سيتمكن من خلع النقال من بين أيدينا والتوقف عن المسجات والإيميلات والإنستغرام؟ والعودة إلى الزيارات بين البيوت، والتكلم بالصوت ودون استعمال التليفونات، لم أتصور أن نشر السعادة سيكون بالمهمة الصعبة، بل وقد يكون من الضرورة إلحاق وزارة لمنع الاكتئاب لمساندتها. وأخيراً أن السعادة حُلم صعب المنال، وقد تناقلته البشرية عبر أجيالها ومشوارها الطويل.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 4915 - السبت 20 فبراير 2016م الموافق 12 جمادى الأولى 1437هـ
جميل جداً
مقال رائع ومعبر باركك الله وارجو ان يستمع لك الوزراء او الوزيرات
الاكتئاب
لعل وسائل التواصل الاجتماعي وإعلامها السريع ف تناوله للاخبار والأحداث سبب رئيسي ف تكوين حالة من الاكتئاب لذا ينبغي ع المستخدمين لهذه الوسيلة التقليل من الاعتماد عليها ف نقل الأحداث والأخبار وشكرا للكاتبة المحترمة ف تناولها لمواضيع مهمة تخص سعادة المجتمع.