العدد 4915 - السبت 20 فبراير 2016م الموافق 12 جمادى الأولى 1437هـ

في ندوة التوثيق والدموع: 40 يوماً على رحيل سيدة الأعمال فاطمة جواد... غُصَّة الرحيل باقية لسيدة «الإيجابية» و«اليد المعطاء»

«الوسط» توثِّق تقديسها لـ «الجمعة»... عشقها لمصر... وتبرعاتها لفلسطين والمؤسسات الأهلية

المنتدى الذي عقدته «الوسط» لمناقشة سيرة سيدة الأعمال الفقيدة فاطمة حسن محمد جواد - تصوير: أحمد آل حيدر
المنتدى الذي عقدته «الوسط» لمناقشة سيرة سيدة الأعمال الفقيدة فاطمة حسن محمد جواد - تصوير: أحمد آل حيدر

أكثر من 40 يوماً مرت على وفاة سيدة الأعمال فاطمة حسن محمد جواد، التي أسلمت الروح لبارئها في يوم الخميس (7 يناير/ كانون الثاني 2016)، لكن غُصَّة الرحيل لـ «السيدة الإيجابية»، و«اليد المعطاء» و«عاشقة فعل الخير»، لاتزال حاضرة لدى دائرة واسعة تتجاوز حدود الأهل والأصدقاء.

فخلال المنتدى الذي أقامته «الوسط» وضم شخصيات من العائلة ومن القطاع التجاري، غالبت الدموع أفراد العائلة ومحبي الفقيدة، حتى تعذر على زوجها محمود كازروني إتمام الحديث، بعد أن اغرورقت عيناه بالدموع على رفيقة الدرب التي «غابت جسداً، لكن روحها باقية»، على حد تعبيره.

ووثَّق المنتدى جوانب من سيرة الفقيدة التي رحلت عن عمر ناهز 58 عاماً، شملت سيرتها كرائدة أعمال عصامية، خصالها، أدوارها الريادية على الصعيد النسوي والوطني، إلى جانب العطاءات الخيرية للسيدة التي «أياديها البيضاء خافية على أقرب القريبين»، كما يشير لذلك عدد من المؤسسات الأهلية في البحرين. وتطرق الحديث الذي ضم عدداً من رجال وسيدات الأعمال، إلى جانب عدد من أفراد عائلة جواد وممثلين لمؤسسات أهلية، تطرق لأبرز خصال الفقيدة «أم حسين»، تصدَّر ذلك إيجابيتها، وتقديسها للتواصل مع العائلة، وحبها الذي غمرت به القريب والبعيد. السطور التالية، تلخص نص الحديث:

لنبدأ بالسؤال عن بدايات انشغال الفقيدة فاطمة جواد بالعمل التجاري. متى وكيف كان ذلك؟

- فيصل جواد: شهدت كثير من العوائل في البحرين التي يكون فيها رب الأسرة قائم على تجارة معينة، ترعرع الجيل الثاني على وجه الخصوص على عمل العائلة نفسها، الأمر الذي شكل ما يشبه البذرة لنمو وتطور العمل لدى أبناء هذا الجيل.

ينطبق ذلك على عائلتنا، فالفقيدة رحمها الله كانت متواجدة منذ أوائل حياتها في مقر العمل مع الوالد، وأعتقد أن ذلك شكل البذرة لمشوارها المهني، فالمرء حين يعيش جواً عائلياً ينتمي إلى العمل في فترة كانت أشد وطأة حيث الخروج للعمل منذ الصباح الباكر والرجوع للبيت في وقت متأخر، فإنه يعيش جواً قادراً على إنتاج نماذج من الفقيدة. هذا الجو كنا نعيشه، من الأولاد والبنات، وهي البداية التي أشعلت غريزة حب العمل لدى الفقيدة.

ومع مرور الوقت والتطور، كان الكل يريد إثبات وجوده ضمن العائلة والعمل التجاري، لذا كنا نقوم بأعمال من تلقاء أنفسنا، وكل ذلك مثّل دافع للفقيدة أم حسين لأن تصر على أن تكون من ضمن النجاح الذي كان يضم الوالد وأخينا علي رحمهما الله.

أما التطور، فقد شكل الخطوة الثانية، حيث تطلب ذلك من الفقيدة تحصيل العلم، فذهبت لمدينة مانشستر في بريطانيا، ولاتزال ذاكرتي تحتفظ بتفاصيل ذلك اليوم، الذي كان يوماً عصيباً وشديد البرودة، لتعود بعد إتمام الدراسة الفقيدة للبحرين ونيلها شهادة دبلوم في إدارة الأعمال من جامعة سالفودر، ولتؤسس محلنا لبيع الأغذية في قرية باربار (سوبرماركت)، وقد مثل أول محل من نوعه يفتح خارج المنامة، وكان ذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 1980، حيث أدارت المحل بكفاءة وبشكل يومي ما شكل حافزاً لها.

بعد ذلك، ارتأت الفقيدة الحاجة للانتقال لإنجاز آخر، فافتتحت المحل الثاني وهذه المرة في وسط «البر» في قرية النويدرات، وكذلك كان لها دور في إدارة المحل. ثم كان للفقيدة التي عشقت مصر كثيراً، سفرها لـ «أم الدنيا»، ومن هناك اقتبست فكرة إنشاء محل «ست الكل» لبيع التحف والانتيك في مجمع العلوي في النويدرات، وذلك بعد أن اطلعت على التجربة ذاتها في القاهرة.

هذا العمل منحها الاستقلالية، وكانت في الوقت نفسه عضو مجلس إدارة مجموعة جواد بقيادة أخينا الأكبر أبو أمير رحمه الله، فكانت لها بصمتها في عمل المجلس حيث نقاشاتها الحارة التي تتطرق لكل صغيرة وكبيرة، ولا تقنع باليسير، حيث طموحها بفهم تفاصيل وحيثيات اتخاذ القرارات، لكنها في الوقت ذاته كانت تحرص على الوقوف بجانب المجلس إذا دعت الضرورة.

ولعل أكثر ما نفخر به كعائلة، ما أنجزته الفقيدة داخل البحرين، تحديداً مساهمتها في تأسيس جمعية سيدات الأعمال، والتي مثلت شيئاً كبيراً لها، حيث ذهبت لسمو رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، ليشجعها على تأسيس الجمعية حتى قال لها «أنت كرجل».

وإذا تحدثت عن صفاتها، فهي كما نقول «حبوبة»، بحيث كانت تبادرنا بالمصافحة بحرارة وشوق، ما جعلها محبوبة بين الناس.

علاوةً على كل ذلك، لم يقتصر نشاط الفقيدة على الداخل البحريني، بحيث كان لها إسهاماتها في جمعية سيدات الأعمال العرب، حيث اكتسبت عضويتها عام 2007، كما كانت عضواً في رابطة الاستشارات القانونية المصرية عام 2009.

والشيء الذي أود قوله هنا، هو أنني لم أتمكن من استغلال كامل قوة الفقيدة التي رحلت عنا بعجالة، فطبيعة المرء اطمئنانه لوجود الآخرين معه، وهذا الاطمئنان يحول دون تفكير الشخص باحتمالية رحيل كل شخص.

في نفس سياق هذا الحدي، نسأل القريبين من مشوار الفقيدة الممتد: كيف رأيتم شخصيتها؟

- منى المؤيد: تعرفت على الفقيدة أواخر التسعينيات حين قررنا تأسيس جمعية سيدات الأعمال في 1999م، فكنا نجتمع في جمعية رعاية الطفل والأمومة بشكل غير رسمي، وكان ذلك بتشجيع من قبل الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة وبمساعدة الشيخة حصة الصباح التي كانت صديقة للفقيدة.

كانت لفقيدتنا رحمها الله، موقع مهم بيننا لأنها كانت صديقة للشيخة حصة والشيخة لولوة، حيث توافق الجميع على أهمية تأسيس جمعية لسيدات الأعمال.

أثناء تلك الاجتماعات تعرفت عليها، لتنشأ بيننا علاقة ترابط روحي بل إنني كنت أرى روحي فيها، نظراً لإخلاصها وحبها لوطنها، ولطبيعة شخصيتها المرحة التي تقدم من خلالها الحب للجميع، فقد تطور هذا التقارب لتصل العلاقة بيننا للصداقة.

بعد تأسيس الجمعية، ذهبنا لقرينة عاهل البلاد رئيسة المجلس الأعلى للمرأة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة والتي رحبت بنا ودعتنا للقصر، كما كانت تحتفظ سموها للفقيدة بمعزة كبيرة، ثم بعد ذلك أجرينا زيارات لجلالة الملك وسمو ولي العهد في أول سنة من تأسيس الجمعية، وكنا قد قررنا اختيار الفقيدة لمنصب رئاستها.

عقب ذلك، واصلت الجمعية نشاطاتها، وبعد الفقيدة، تسلمت أنا رئاسة الجمعية، وكنا على اتصال دائم، ولعل ما عرفني أكثر على شخصيتها هو العمل في أول لجنة لسيدات الأعمال بغرفة تجارة وصناعة البحرين في 2001، فلايزال نشاطها المكثف حاضراً في الأذهان.

هنا تسعفني الذاكرة للإشارة لموقف معين يدلل على مقدار وطنية الفقيدة وقوميتها، حيث كنت أمثل المرأة في الغرفة عبر ترؤس لجنة سيدات الأعمال، فيما كانت الفقيدة رئيسة جمعية سيدات الأعمال، وحين تضاعفت المشاكل في فلسطين عام 2002، كان تلفزيون البحرين يجمع التبرعات. لحظتها اتصلت بالفقيدة عند الساعة 8 ليلاً لأعلمها عن رغبتنا في جمع التبرعات للشعب الفلسطيني وذلك صباح اليوم التالي، فما كان من فقيدتنا إلا التفاعل الكبير والاستجابة، معبرةً من خلال ذلك عن إنسانيتها الرفيعة، وبالفعل ذهبنا للتلفزيون لإجراء اللقاء الذي صاحبه تنفيذ حملة التبرعات.

أما أهم صفات الفقيدة التي لا أنساها، فتتمثل في تواضعها وحبها للناس، كانت محبة للجميع بما في ذلك الفقراء وصغار الموظفين، كانت تصدر محبتها هذه للجميع، ولذلك نحن نؤكد على أن البحرين، برحيل فاطمة جواد، خسرت امرأة مهمة وفاعلة إنسانياً وتجارياً.

- جواد الحواج: بالنسبة لي فقد كان سماع نبأ رحيلها بمثابة الصاعقة، ولا يعود ذلك للعلاقة في العمل التجاري وحسب، فمنذ صغري كنت أتردد على محل حسن جواد الكائن في مجمع يتيم بالمنامة، وأتذكر مواقف مهمة لهذه المؤسسة العريقة التي تدين بالفضل في نجاحاتها للمؤسس والأبناء، ومن بينهم فقيدتنا الغالية فاطمة جواد.

في الحديث عن «أم حسين»، أشير إلى أنني وحتى بعد رحيلها بأكثر من 40 يوماً، ماأزال أشعر بتواجدها معنا، حتى أنني لحظة وصولي للندوة، شعرت بتواجدها معنا، تماماً كما لو كانت روحها الطاهرة تظلل هذا اللقاء.

وخلال العشرين سنة الماضية، أتذكر حين زارتنا الشيخة حصة في الغرفة كان ذلك بتواجد الفقيدة فاطمة جواد والتي أظهرت مكانة بارزة وقوة ملحوظة وذلك من خلال التعامل.

كنا بحكم قرب بيتنا من محلات جواد في باربار، نجد الفرصة للتواجد ورؤية الفقيدة، وكنا نرى فيها الإنسانة الطيبة، وهذا ما يجعلنا نقول إن البحرين فقدت امرأة قدمت الكثير لبلدها، عبر اهتمامها بالتطوير التجاري في البحرين، وهذا يؤشر على حجم الإسهام الذي قدمته البيوت التجارية البحرينية في رفد الاقتصاد وتدعيم أركانه.

فالبحرين تمتلك ريادة على مستوى النشاط النسائي وهي في ذلك مشهود لها على مستوى العالم، وإذا تحدثنا عن القطاع التجاري، فإن الفقيدة تمثل إحدى أهم سيدات الأعمال في المملكة، فعبر وجودها في الغرفة شاركت في الكثير من الفعاليات والندوات، كما عملت داخل اللجان.

وفي إطار الحديث عن الذكريات، أشير إلى محلها «ست الكل» الذي كنا حين نزوره، نقف على طموحاتها الكبيرة والخبرة التي اكتسبتها من خلال المؤسس (الوالد)، وبقية الإخوان لما وصلت إليه من مراحل متقدمة.

وفي أكثر من مناسبة كنا مع «أم حسين»، وزرنا مرات عديدة جمعية سيدات الأعمال بتواجدها، وكنا نرى فيها مثالاً للمرأة الصادقة، وهنا صفة تكشف لنا سبباً من أسباب النجاح ومحبة الناس لها، بحيث كانت صادقة في عملها، ولا أرى أن الكلمات قادرة على الإحاطة بكل عطاءاتها.

- عبدالحسن الديري: لاشك أن نبأ فقد المرحومة أم حسين، حين تناهى لأسماعنا، كان له وقع كوقع الصاعقة. لحظتها تواصلت مع صديقتها سيدة الأعمال خيرية دشتي للتثبت من الخبر الذي كنا نعجز عن تصديقه. فنحن نتحدث عن رحيل مفاجئ، تلقّاه الجميع بهول الصدمة.

وبرحيل فاطمة جواد، تكون البحرين قد فقدت إحدى سيدات الأعمال البارزات، والمعزَّى في ذلك وبشكل كبير هو قطاع الأعمال.

هي إحدى سيدات الأعمال العصاميات والرائدات، فلم تكتفِ بأن أتاح لها القدر الانتماء لإحدى العوائل التجارية، بل باشرت بنفسها عملها الخاص، وإضافة لذلك فقد باشرت العمل الريادي الأهلي، وذلك من خلال التأسيس مع بقية قريناتها، أول جمعية لسيدات الأعمال في البحرين، وهي بذلك تكتسب ريادة على مستوى دول مجلس التعاون.

أعود بالذكريات للعام 2000، فبالإضافة لمعرفتي العائلية مع المرحومة، تشرفت بالعمل معها جنباً إلى جنب لتأسيس جمعية سيدات الأعمال واستضافتها كأول متحدثة لبرنامج رائدات الأعمال، كان ذلك في معهد البحرين للتدريب سنة 2002.

كانت الفقيدة أحد أفضل الامثلة، جنباً إلى جنب الأخت خيرية دشتي، وممثلين عن بنك البحرين للتنمية، فكان ذلك باكورة البرنامج الذي ظللته الفقيدة بحماسها وحيويتها، حيث تطرقت للتجارة وتأسيس الأعمال بوصفها رائدة في هذا المجال.

وباعتقادي، فإن الفقيدة جمعت 4 خصال في شخصية واحدة، كزوجة، كسيدة أعمال، كرائدة في العمل الأهلي، وكامرأة عصامية بجانب عملها في مجموعة العائلة.

أما الجانب الأخلاقي للمرحومة، فيعجز اللسان عن الشكر والثناء عليه، حين أتذكرها فإنني أجد سلوة بما حظينا به العام الماضي من تكريمها من قبل جمعية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومنحها العضوية الفخرية. أتذكر ذلك، ممزوجاً بتذكر نبل أخلاقها وكيفية تفاعلها مع ذلك حتى أنني أتذكر عبارتها حين قالت بكل تواضع «ما شاء الله... لحد الآن تتذكروني!».

- منصور الجمري: شخصياً، أتذكر وعبر لقاءاتي بالفقيدة فاطمة جواد، ما تحتفظ به أم حسين من امتلاكها وجهة نظر، وحماس، فكانت تضيف لأي حديث، وجهة نظرها، كما كانت دائمة الترحاب بالآخر، معبرة من خلال ذلك عن طاقتها الإيجابية الكبيرة والتي كانت وسيلتها لإشعال الحماس في الحديث والجو. كانت تحتفظ باللغة الحماسية دائماً، وأعتقد أنها كانت تعتمد ذلك في إدارة عملها.

معنا في الندوة، عدد من أفراد العائلة الكريمة، والمجال مفتوح للإدلاء بأي حديث أو موقف للفقيدة...

- يوسف بدر (زوج ابنة الفقيدة): كل الحاضرين يعرفون الفقيدة أكثر مني بحكم زواجي من ابنتها رباب قبل 5 سنوات، لكن للأمانة فقد أشعرتني الفقيدة ومنذ أول يوم أنها أمي الثانية، مع أني لم أتوقع أن يتمكن أحد من أن يأخذ مني هذه المكانة.

كانت تتصف بقوة الحضور، والحب الذي غمرتنا به، أما إنسانياً فكانت الخالة فاطمة حين تزور أي محل من محلات مجموعة العائلة، تبادر الموظفين البحرينيين هناك عن أمورهم الوظيفية وأحوالهم، وتسألهم بتكرار عن ما إذا كانوا بحاجة لشيء معين.

كانت تصر على التواصل مع الموظفين، وكانت حتى في البيت، تضع صندوق الصدقات الذي يتواجد في كل زاوية، يخرج بشكل أسبوعي ليحل محله صندوق آخر، وهكذا. كانت تذكرنا على الدوام بالصدقة والأعمال الخيرية، كما كانت تحب الكل، والكل كان يبادرها نفس الشعور ولذا فهي فقيدة الجميع.

- محمود كازروني (زوج الفقيدة): تطرق الجميع للحياة المهنية للفقيدة، ولذا سأركز في حديثي على الجانب الشخصي، فمنذ العام 1985 كانت العلاقة الزوجية وطوال العقود الثلاثة كانت «أم حسين» أمّاً مثالية، لحسين ورباب.

(وبلغة متهدجة غالبها البكاء)، قال: كان الهاجس رحيلها قبل رحيلي... رحمها الله.

كنت أشجعها باستمرار على نشاطها النسائي، وكانت كثيرة السفر والانشغال بالعمل، وكنت بديلاً ناجحاً في البيت، وعلاقتنا الزوجية كانت مثالية. رحلت عنا مبكراً وبصورة مفاجئة، ونحن نحمد الله على كل حال.

- أمير علي جواد: بالنسبة لنا فإن خسارة رحيل المرحومة موجعة، فقد خسرت العمة والأخت والصديقة، وكل شيء. فالمرء حين يرحل يشكل ذلك خسارة لعزيز رحل دون عودة.

لها حضورها الكبير، ورحيلها خلق لنا فجوة، حتى أنني حين أدخل المكتب للسلام على «أبو كريم» (فيصل جواد)، أعرج على مكتبها الذي لايزال حتى اليوم مفتوحاً ومضاء. صباح كل يوم ألقي نظرة على المكتب والشعور الذي يغالبني هو فقد عزيز كمن أتوقع له أن يعود، لكنه أمر الله الذي لا راد لقضائه.

كثفت من نشاطها كثيراً، ولم تترك مجالاً إلا وساهمت فيه، بما في ذلك المجال الخيري.

تحدثتم عن صفة القوة في شخصية الفقيدة، فإلى أي حد يمكن القول إنها رحلت دون أن تقدم كل ما في جعبتها من طموحات؟

- فيصل جواد: بكل موضوعية أنوه هنا إلى أن الفقيدة لم تستغل استغلالاً كافياً، فأية شخصية إذا كانت صاحبة عطاء، فإنها يجب أن تستغل، وعدم تحقق ذلك قد يشكل خسارة للطرف الآخر، وليس للطرف المعطي الذي لا يخسر شيئاً.

لذا فإن رحيلها خسارة لنا في المجموعة أكثر من أن يكون الرحيل خسارة لها، فقد كانت سيدة معطاءة، لم تستغل طاقاتها.

وإذا تحدثنا عن مجموعة جواد التجارية، فنحن نتحدث عن إضافة مهمة بلا شك لاقتصاد مملكة البحرين، فما مقدار ما حرم منه هذا الاقتصاد جراء رحيل المرحومة فاطمة جواد؟

- جواد الحواج: أية شركة أو مؤسسة تعمل من أجل مصلحة البلد والناس، فإن أي خلل يصيبها فسيمتد بآثاره للقطاع بصفة عامة، فالبنية الأساسية في القطاع التجاري هم التجار والمؤسسات التي تتطور بما ينعكس إيجاباً على مجمل القطاع.

بالنسبة لمؤسسة حسن جواد، فإنني ومنذ طفولتي أي أكثر من 50 سنة، أتذكر جملة مواقف، أحدها حين قال لي أحد التجار الكبار (آسيوي الجنسية)، إنه حين جاء للبحرين سنة 1948م، وقد تحدث عن عمله في المؤسسة، ما يعني أنها موجودة قبل هذا التاريخ، وهي اليوم من المؤسسات الكبيرة المعروفة في البحرين.

وبعيداً عن الجانب العاطفي، فإنني أؤكد أننا فقدنا بمغادرة المرحومة شخصاً في هذا القطاع، وغيابه سيترك فجوة، لكنني على ثقة على قدرة الأبناء على ملئها.

هذا الحديث دون ريب، يمتد ليشمل الريادة التي تتصف بها المرأة البحرينية...

- جواد الحواج: نعم، فللمرأة البحرينية موقعها الريادي الذي يتجاوز حدود جغرافية البلد والمنطقة، ليصل للعالم. وكنا في غالبية سفراتنا نقف على المكانة الراسخة للمرأة البحرينية.

وعطفاً على ذلك، فإننا نشير للمشوار الكبير الذي قطعته المرأة البحرينية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ولنسأل: إلى أي حد يمكن القول إن الفقيدة فاطمة جواد تمثل علامة من علامات هذه الريادة؟

- منى المؤيد: حين تخرجت من الجامعة كان من النادر أن نرى امرأة بحرينية في مركز قيادي، وحتى في الوزارات والجهات الحكومية كان يسند لها الوظائف ذات مستوى أقل من إمكانياتها، لكن وخلال الـ 30 سنة الماضية تمكنت المرأة البحرينية من تحقيق قفزة كبيرة، وكان للمشروع الإصلاحي لعاهل البلاد تأثيره الكبير، عبر تشجيع جلالته على دخول المرأة في الوزارات والسفارات وغيرها.

لا يمكن إنكار ذلك، لكن من المهم أيضاً الإشارة إلى أننا وكسيدات أعمال لم ندخر جهداً، فأسّسنا الجمعيات وشاركنا في المؤتمرات.

وبالنسبة للفقيدة فاطمة جواد، فإنني لا أنسى الإشارة للطاقة أو القوة الإيجابية التي كانت تحملها الفقيدة، فكانت مصدراً باعثاً للسعادة على الدوام، وشخصياً تلمست ذلك حين عملت معها في جمعية سيدات الأعمال.

لم تكن تميل للقيل والقال فكانت تنأى بنفسها عن أية خلافات، حتى أنها امتنعت في فترة عن التواجد في الجمعية بسبب بعض المشاكل أو الخلافات.

كانت محبة للجميع، ولبلادها، فكانت تسعى لرفع شأن المرأة وحين سافرت لدبي في 2014، كانت مفاجأة لي حين رأيت الفقيدة متواجدة هناك، من أجل تكريمها نظير اختيارها من قبل مجلة «فوربس»، كواحدة من بين أقوى النساء العربيات تأثيراً وحضوراً، وقد جاءت في المرتبة الثانية بحرينياً من بين 10 نساء تم اختيارهن في القائمة المذكورة. لحظتها كانت السعادة غامرة، وكان بمثابة الانتصار لنا جميعاً.

الملفت في الحديث، تكرار مفردة الإيجابية في خصال الفقيدة، فما سر هذه الطاقة؟

- فيصل جواد: أشير رداً على ذلك لموضوع الاقتباس الوارد لدينا، فحين يسافر المرء لبلد معين لفترة، يعود محتفظاً بلكنة من لهجة مواطني ذاك البلد، وبالنسبة للفقيدة فقد كانت تحتفظ بعلاقة وطيدة جداً مع والدها رحمه الله، والذي كان محبوباً في المجتمع البحريني والتجاري، لدرجة أن من كان يجلس معه لا يرغب في تركه، وبسبب ملازمة فاطمة للوالد (أسماها على اسم والدته)، فقد ارتبطت معه ارتباطاً شديداً واكتسبت منه حب الناس، حتى أنني لا أتذكر أن سمعت منها عبارة تفيد بكرهها شخصاً، بل إنني لم أسمعها تتحدث بسلبية عن أي شخص، خلافاً لما هو معتاد لدى الكثيرين. ولعل هذا يفسر ويوضح مصدر طاقتها وقوتها الإيجابية، فإذا كانت تتواجد في مكان تضفي عليه من هذه الطاقة الكثير.

- منصور الجمري: ما لاحظته في عزاء الفقيدة، تواجد الكثير ممن يعملون في المجموعة، من العمال وغيرهم، كانوا يتلقون التعازي تماماً كما لو كانوا من الأهل والعائلة.

- محمود كازروني: نعم، حتى أن أصحاب الصالونات اللاتي كانت المرحومة معهم على علاقة، أغلقوا محلاتهم حين سمعوا بنبأ الوفاة وجاءوا لتقديم العزاء، ومازلت أتذكر تواجد أكثر من 18 سيدة منهن، من مختلف الجنسيات.

- فيصل جواد: إلى جانب ذلك، وعلى المستوى العائلي كانت عائلتنا تجتمع كل خميس في منزل العائلة في العدلية، وبدورها اختارت الفقيدة يوم الجمعة لاجتماع العائلة لديها في البيت ولا أبالغ إذا ما قلت أن ذلك يوازي لديها من حيث الأهمية، الصلاة والصيام إلى درجة أنها كانت تعتبر يوم الجمعة يوماً مقدساً، فإذا كانت في البحرين، كان لزاماً على الجميع أن يكونوا في البيت من الأخوات وأبنائهم وبناتهم.

كانت جامعة للعائلة، التي كان يصل عدد أفرادها إلى 30 شخصاً، وفي هذا اليوم (الجمعة) لم تكن تذهب لأي مكان آخر، بما في ذلك حضور الزيجات أو غيرها من المناسبات، وكانت تطلب من الناس بألا يوجهوا لها أي دعوة في هذا اليوم، وهي في ذلك كانت تتنازل عن كثير من الأمور الخاصة فقط من أجل أن تجمع العائلة، ولعل ذلك هو أحد الأسباب وراء استمرار حالة التأثر لدى العائلة جراء غيابها المفاجئ، فليس بوسع أحد القيام بنفس الدور.

- جواد الحواج: لا غرابة في موازاة أهمية يوم الجمعة لدى الفقيدة، للصلاة والصيام، فالصلاة وجدت من أجل هذا التواصل وهذه الإنسانية.

- عبدالحسن الديري: وأنا أستمع للحديث، حاولت أن أستجمع بعض صفات الشخصية القيادية، تتصدر صفات الإيجابية، قبول التحدي، البشاشة، الإصرار على النجاح، قوة التواصل، وكل هذه الصفات وأكثر من ذلك نجدها في حياة الفقيدة قد تجلت بشكل كبير، وهي عبر ذلك تقدم الدروس للنشء ولمختلف الأجيال.

إذاً، هي الذكرى التي يُستلهم منها مجموعة دروس، والتي تنقلنا للسؤال عن الدور الوطني للفقيدة، وهي التي نالت الثقة الأميرية وقتها من قبل عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بإصداره وقتها، في (22 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2000) أمراً أميرياً رقم (36) لسنة 2000 بتشكيل اللجنة الوطنية العليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني.

- فيصل جواد: أعتقد أن كل بحريني وبحرينية، لديهم حس وطني شديد جداً، وجزء من ذلك يعود لتاريخ هذا البلد العريق، حتى قيل إنك لن تجد بحرينياً لا يقرأ في السياسية، أو ليس لديه ما يقوله في الشأن الوطني.

وبالنسبة للفقيدة، فقد شكلت ثقة عاهل البلاد لها مصدر فخر كبير، بحيث اختيرت ضمن الصفوة الوطنية التي اختيرت في عضوية هذه اللجنة، للاستئناس برأيهم، حيث تم اختيار أعضائها من قنوات معينة، تجارية وعمالية وسياسية وغيرها.

ولعل ثقافة الجيل الذي ننتمي إليه، يمتاز بمستوى أكبر من ثقافة الجيل الحالي، تحديداً جيل الشباب الذين قد يفتقرون للبعد الجغرافي والمحيط، ولعل ذلك يؤشر لمحطات مهمة في تاريخ البلد من بينها ما حصل في الخمسينيات، نتيجة الاضطهاد الأجنبي للبحرينيين في أكبر مؤسسة اقتصادية في البلد.

عطفاً على ذلك، أشير لما اتصفت به الفقيدة أم حسين من حس وطني شديد جداً، لأهلها ووطنها، ولكل من هو في البحرين، ولا غرابة في ذلك لسيدة نشأت في جو وطني.

يتشعب الحديث عن شخصية الفقيدة فاطمة جواد، وللجانب الإنساني والخيري حضوره الرئيسي، وهنا نود أن نستوضح من ممثل مأتم الإمام علي (ع) بقرية بوري، بعضاً من هذا الجانب عبر تجربة مباشرة للمأتم.

- عباس محمد علي: من خلال الحديث نلحظ أنه وعلى رغم ارتباطه بسيدة أعمال إلا أن الجانب العاطفي والحس الاجتماعي، كانا حاضرين في حديث جميع الشخصيات.

بالنسبة لنا في مأتم الإمام علي (ع)، كان نبأ رحيل الأخت أم حسين، صادماً لنا، فقد كانت فاجعة، فقد كنا نسعى لتكريمها في حياتها، لكن التأجيل والقدر، حرمانا من ذلك.

وتقديراً لأياديها البيضاء، فقد أقمنا لها مجلس عزاء في المأتم، وهو قليل في حقها، فقد كان تعاملنا مع أم حسين غالباً عن طريق الهاتف، وكنا نقف بجلاء على عطائها اللامحدود في المجال الخيري، حتى آثرت ذلك على نفسها وعلى مصلحتها، فقد كانت تبادر للعطاء دون أن تسأل، وتجربتنا خير شاهد، فالمعتاد أننا في المأتم نرفع مجموعة رسائل للحصول معلنين لنشاطات المأتم الثقافية، وكانت الفقيدة تتصل بنفسها في حال لم نتصل لها، وكانت تتساءل: لماذا لم ترسلوا الخطاب؟ لماذا لا تتحدثون؟ لماذا لا تسألون؟

كانت هي من تبادر لذلك، وما هذا إلا جزء من الأيادي المعطاءة التي بدأت تتكشف بعد رحيل أم حسين، ودليلنا على ذلك تساؤل ابنها حسين عن معرفتنا بوالدته، التوقيت والكيفية، في حديث يشير لعدم معرفتهم بكثير من ما تقوم به الفقيدة من عمل للخير وعطاء الفقيدة أبكانا رغم عدم معرفتنا إياها بصورة مباشرة.

البصمات الخيرية للفقيدة فاطمة جواد بينها وبين ربها، هي مأجورة ومثابة عليها، وهي نقطة تدفعنا للتساؤل عن ما إذا كان لدى العائلة نية في تخليد هذه العطاءات عبر إنشاء مؤسسة خيرية.

- رباب محمود: أنا وأخي حسين، والعائلة، عازمون العقد على أن لا يتوقف عطاء الوالدة، ونأمل أن نوفق لترجمة ذلك في الفترة المقبلة.

- فيصل جواد: كعائلة لانزال تحت تأثير صدمة الرحيل، ونأمل أن نشرع بعد فترة من تخليد ذكرى فقيدتنا أم حسين، وذلك عبر بحث جملة مشاريع وأفكار.

العدد 4915 - السبت 20 فبراير 2016م الموافق 12 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:58 م

      رحمكِ الله يا ام حسين وانها لخسارة كبيره لرحيلك عن هذه الدنيا

      رحيل فاطمة جواد

    • زائر 2 زائر 1 | 11:30 م

      ام حسين

      رحمك الله واعمال الخير التي عملتيها وحب الناس سبقتك فهنيئا لك اغبطك عليها عالرغم من عدم معرفتي بك الا بعد نشر خبر وفاتك حيث كنت أسمع الجميع يثني عليك ويمتدحك
      اسأل الله ان يتقبل عملك وان يجعل مثواك الجنه

    • زائر 4 زائر 2 | 2:59 ص

      حياتنا لن تكون كما كانت وانتِ فيها أبدا كل شي تغير ولن يكون كما كان في ظِلاَل عطفك وحبك وانسانيتك، ولكننا سنستمد من روحك الطيبة ما يعيننا في حياتنا من صبر وقوة تحمل وكرم وحب واهتمام.
      سنستمد من حب أهل البيت سلام الله عليهم ومن صبر زينب سلام الله عليها وحبك وتعلقك فيهم ما يقوينا لنسير في درب لن تكوني موجودة فيه بجسدك ولكن روحك موجودة لن تفارقنا.
      هذا وعدنا بأن نسيير على دربك وخطاك فقد تعلمنا الكثير منك.
      احبك وأحب قلبك الطيب ❤️
      ام حسين

اقرأ ايضاً