لستُ من هواة متابعة مباريات كرة القدم، ولا أفقه في هذه الرياضة شيئاً، ولكن ما حدث قبل أيام في الجزائر جعلني أتابع التقارير الرياضية كي أستمتع بهذا الإخلاص الجزائري للقضية الفلسطينية؛ إذ كان منتخب فلسطين على موعدٍ مع منتخب الجزائر في مباراة ودّية على ملعب في العاصمة الجزائرية.

الملعب امتلأ عن آخره بما يقارب الـ 80 ألف متابع، حضروا لتشجيع خصمهم في الرياضة، وشريكهم على الأرض. يشجعون الفريق الذي يلعب ضد فريق بلادهم، من غير أن يشعروا بتأنيب ضمير أو ينعتهم أحد ما بالخيانة، لأنهم فعلوا ذلك تحية للأرض المقاومة والأرض المحتلة التي حرّمها الصهاينة عليهم وعلى غيرهم من العرب. وما إن سجل المنتخب الفلسطيني هدفه الذي فاز به على المنتخب الجزائري في عقر داره وبين أهله، حتى امتلأ الملعب بالصياح فرحاً وتشجيعاً وانتشاءً بهذا الفوز الذي كان فوزاً للجزائري قبل الفلسطيني، فتناقلت وسائل الإعلام هذه الفرحة وهذا الحماس وأنتجت التقارير المختلفة في إخراجها وتصويرها والمتشابهة في سعادتها بهذا الاعتزاز العربي بالفلسطيني الذي قلّما تتاح له الفرصة في الالتقاء بالعرب خارج أو داخل بلاده.

هذا التشجيع الذي لقيه المنتخب الفلسطيني من أبناء الجزائر منذ أن وطأت أقدام لاعبيه أرض المطار، إذ رحب بهم مئات الجزائريين ممن حملوا العلم الفلسطيني وباقات الورد والزهور والأغاني الشعبية الفلسطينية لم يكن وليد الصدفة ولا وليد العبث، بل هو نابع من إيمانٍ حقيقيٍّ بأن هؤلاء القادمين هم أبناء فلسطين، هذه الأم التي مازالت تنتظر عودة أبناها إلى حضنها كي تفتح لهم حقول السنابل وبساتين الزيتون، وكي ترتاح المفاتيح الصدئة من على أجياد الأمهات والجدات والآباء والأجداد وتعود إلى أبوابها من غير أن يحرصوا على قفلها بعد أن يشعروا بالأمان لأنهم لا ينتظرون محتلاً أو مستوطناً قد ينهبهم بيوتهم وأبناءهم.

ترحيبٌ نابعٌ من أن هذا المنتخب ليس فلسطينياً وحسب، بل عربياً، في زمن قلَّ فيه من يعترف بالعروبة جنسيةً، منتخب من الممكن أن يكون جزائرياً لما يحمله من دمٍ عربيٍّ ولغةٍ وهويةٍ عربيةٍ وتاريخٍ عربيٍّ. رحبوا بهم ليخبروهم أنهم على أرض بلادهم أصحاب بيت وليسوا ضيوفاً، وأن القلوب معهم حقيقةً لا وهماً وتمثيلاً. وهو ما أثبته ما حدث في الملعب حين تجمع عشرات الآلاف ممن ينتظرون الفدائيين الذين يلعبون مقابل محاربي الصحراء وهم في الواقع يلعبون معهم بقلبٍ واحد. عشرات الآلاف يهتفون لفلسطين ويرفعون العلم الفلسطيني ويغنون لفلسطين.

كيف لا، وهم يعرفون أتم المعرفة معنى أن تكون أرضك مغتصبة، ومعنى أن يرتفع لك في كل يوم شهداء استشهدوا على أيدي محتل جبان يواجه الحجر بالرصاص والعلم بالبندقية؟