حيث ينتشر بر سار، يستريح المعبد الدلموني على مساحة مترامية الأطراف، متوسطاً مستوطنة العصر البرونزي بتاريخ بناء يعود لـ 1900 سنة قبل الميلاد، كما تؤكد هيئة البحرين للثقافة والآثار.
المعبد الذي يتخذ شكلاً غير منتظم ويعود لحقبة معاصرة لمعبد الدراز، بدا موقعاً منسياً، في إشارةٍ لقلة مرتاديه، ومهملاً، في إشارةٍ لحاجته للمزيد من التأهيل والحماية.
وعبر جولتها التفقدية، عاينت «الوسط» تردد أعداد قليلة من السياح الأجانب على الموقع، وسط ملاحظات طالت افتقاره للإرشاد السياحي، ويشمل ذلك إنشاء مركز مخصص للزوار وتخصيص مرشدين سياحيين في الموقع.
بجانب ذلك، تركزت الملاحظات على حاجة الموقع للحماية، تحديداً عبر تطوير سياجه المتواضع لسور يحمي الموقع من أضرار العبث، والعمل بموازاة ذلك على التنقيب عن التلال المحيطة بالموقع، والعناية بمكوناته من القبور الأثرية المتواجدة في الأطراف.
المعلومات الرسمية، تتحدث عن المعبد، موضحةً أن بناء المعبد قبل نحو 4 آلاف عام، تزامن مع إعادة بناء المستوطنة على نطاق واسع خلال حقبة المدينة الثانية التي ظلت مستخدمةً من 150-200 سنة، وفي تلك الأثناء آل كثير من المنازل القريبة منها إلى السقوط والخراب.
وتوجد أمام المعبد بعض القوائم المستديرة أو موائد القرابين التي توازي مثيلاتها في معبد الدراز، فيما يشير موقعه المرتفع وهندسته المعمارية الخاصة، إلى تفرده بوصفه محط العقيدة الدينية للسكان.
من جانبه، يتحدث الباحث محمود البقلاوة عن معبد سار باهتمام بالغ، مشيراً إلى أن المعبد الذي أثار جدلاً بين المنقبين والآثاريين حول نظرية التقويم الشمسي، يرجح تمتعه بعبادة إله القمر وذلك من خلال شواهد المعبد الأثرية التي تتخذ شكل هلال (رمزية القمر)، إلى جانب الأختام الدلمونية المكتشفة في سار والبروز إلى شكل القمر والهلال.
وبعيداً عن حالة الجدل، يشدد البقلاوة على أهمية الترميم المتلازم لآثار المعبد، تحديداً من خلال إعادة الشكل المتلازم للمعبد في ترميمه وفق الأصل، ومطالباً الجهات المعنية بضرورة عمل الترميم البارز لهذا المعلم وفق سابق عهده.
وفي الحديث عن القيمة التاريخية لمستوطنة سار الأثرية، يقول البقلاوة إن البحث الآثاري هو السبيل الوحيد لكشف حياة المجتمعات التي وُجدت قبل اختراع الكتابة منذ خمسة آلاف عام تقريبًا، كما أن البحث الآثاري نفسه يشكِّل رافدًا مهمًا في إغناء معلوماتنا عن المجتمعات القديمة التي تركت سجلات مكتوبة.
وإيضاحاً لمواقع المستوطنة، قال «تزخر المستوطنة بالعديد من المواقع، أهمها معبد سار الدلموني لعبادة إله القمر، بيوت الكهنة، بئر الماء، بيوت المستوطنة، السوق، المخازن، المعامل لصناعة الأختام ونحوها وغيرها، المدافن الكبيرة الدائرية البارزة، المدافن المتشابكة، المدافن على شكل خلية نحل، الطرقات، معبد النار (تأسس لاحقا)، مقبرة للأطفال وقد أزيلت بعد إنشاء شارع «هايوي الجسر»، وأخيراً المقبرة الإسلامية في المنحدر المحاذي للمستوطنة في قرية سار».
عطفاً على ذلك، بين البقلاوة أن أهمية دور المعبد والمعتقد في الحياة الاجتماعية والمجتمعية والمدنية في مستوطنة دلمون العريقة، تكشف جملة أمور، من بينها دور المعتقد في إبراز الحياة الدينية والعمل وفقها كتشييد المدافن، والعقيدة الدينية لسكان المستوطنة ذات الطابع الذي يعبر عن المساواة والإخاء والحميمية من خلال تشييد البيوت المتشابهة والمدافن المتقاربة والمتشابهة، ما عدا المدفن الدائري الكبير.
وأضاف «بجانب ذلك، تبرز الطبيعة البسيطة للمعبد، حجم التآلف والمحبة الاجتماعية فلا غطرسة أو كهنوتية أو عبودية دينية مجحفة، كما تبين عمق التواصل المدني والعدالة المدنية الاجتماعية، وخاصةً أننا نتحدث عن طبيعة معبد لا مثيل له في الحضارات المقابلة والمجاورة وكونه يتناسب مع حجم والمباني القائمة في مدن دلمون العريقة».
وتابع «علاوةً على كل ذلك، فإن المعبد يستغل الإقامة الشعائر الدينية والطقوس والمراسم الجنائزية والاحتفالات الاجتماعية والتجمعات المركزية لتلاوة وإعلان وإصدار المراسيم والتشريعات الدينية والمدنية، كما كان مركزاً للأنشطة الدينية والاجتماعية والاحتفالية والمختصة بالعبادات والتقاليد».
من وحي كل ذلك، دعا البقلاوة إلى مواصلة عمليات التنقيب الصحيحة، ومراعاة عمليات الترميم الصحيحة، منوهاً بما يختزنه الموقع الأثري من كسر الفخار والتي تعد بمثابة المفتاح الرئيس لعمليات المجسات من أجل التنقيب.
العدد 4914 - الجمعة 19 فبراير 2016م الموافق 11 جمادى الأولى 1437هـ