شدّد الشيخ محمد صنقور في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع) في الدراز أمس الجمعة (19 فبراير/ شباط 2016)، على أن «التعقُّل والحِرص على مصلحةِ الأوطانِ يقتضيانِ المبادرةَ إلى إزالةِ كلِّ سببٍ ينشأُ عنه الاحتقانُ، ويقتضيانِ المبادرةَ بخطواتٍ تبعثُ على الوثوقِ وتُبدِّدُ حالةَ الشعورِ باليأسِ من الاصلاحِ المنشودِ».
وبدأ صنقور خطبته بما وردَ في المأثورِ عن الرسولِ الكريمِ (ص) أنَّه قال: «العدلُ جُنَّةٌ واقية، وجُنَّةٌ باقيةٌ».
وأوضح صنقور أن «الرسولُ الكريمُ (ص) يقرِّرُ بحسبِ هذا الحديثِ الشريف أنَّ الذي يَحمي البلادَ، ويحفظُ أمنَها، ويضمنُ دوامَ استقرارِها، ويصرفُ عنها الغوائلَ والدوائرَ، ويَقيها من البَوارِ والزوالِ هو أنْ تُساسَ رعيتُها بالعدلِ، فالعدلُ هو الدرعُ الحصينُ الواقي من الشرورِ والمخاوفِ وتقلُّباتِ الظروفِ، فذلك هو معنى قوله (ص) إنَّ العدلَ جُنَّةٌ واقيةٌ، وهو جُنَّةٌ باقيةٌ يأمنُ المقيمُ عليها من صُروفِ الدهرِ وخبايا الأيامِ ونقماتِ الغَيبِ، التي لا تخضعُ لحسابٍ، ولا يسعُ من عاقلٍ وإنْ أُوتي من الفطنةِ أقصاها أن يتنبأَ لزمنِ وقوعِها، وإنْ تنبأَ لذلك لم يتفطنْ لوِجهتِها ومآلِها، وإنْ تفطَّن لوِجهتِها لم يكنْ في وسعِه التوقِّي منها والتحصن من مفاعيلِها وآثارِها، فمفادُ الحديثِ الشريفِ أنَّ من اعتمدَ غيرَ العدلِ والإنصافِ في إدارةِ شئونِ البلاِد والعبادِ فقد أخطأ طريقَ الأمنِ والاستقرارِ، فدوامُ الأمنِ والاستقرارِ لا يتاحُ ولا يُنالُ دونَ اعتمادِ العدلِ والانصافِ أساساً في ادارةِ شئونِ البلادِ والعبادِ، وما يُتراءى من صلاحٍ يَصنعُه الكبتُ والخيارُ الأمنيُّ إنْ صدقَ أنّه صلاحٌ فإنَّه ليس له ثباتٌ ولا قَرارٌ؛ ذلك لأنَّه اعتمدَ أساساً من شأنِه التصدعُ والانهيارُ لأدنى عارضٍ، فالأساسُ الذي يَعصمُ الدولَ من الآفاتِ هو العدلُ كما أفادَ أميرُ المؤمنينَ (ع) أنَّ: «العدل أقوى أساس» وهو جُنَّةُ الدولِ كما أفادَ (ع). فما يَحسبُه الناظرُ استقراراً في غيرِ عدلٍ لا يعدو في جوهرِه الإملاءَ والاستدراجَ أو هو فُسحةٌ يمنحُها اللهُ تعالى لذوي الشأنِ ليثوبوا إلى أمرِه ويُحكِّموا إرادتَه في إدارةِ شئونِ عبادِه. وإلا كانَ سبيلُهم هو ما قضتْه سُنَّتُه في خلقِه».
وأشار صنقور إلى أن «العدلَ لا يتمحَّضُ خيرُه في إرساءِ الأمنِ والاستقرارِ، بل هو مصدرُ كلِّ خيرٍ، ومادَّةُ كلِّ صلاحٍ، فبه تزدهرُ الأوطانُ ويعمُّ الرخاء وينعمُ الناس في أفيائه بالرضا، والعدلُ هو الخلَّاقُ للطاقاتِ والمنعشُ للمواهبِ والمولِّدُ للحيويَّةِ والنشاطِ والتفاعلِ المنتج لما يعمُّ نفعُه، وهو السبيلُ المفضي إلى مجتمعٍ متآلفٍ ومتآزرٍ يشدُّ بعضُه بعضاً، وهذا هو مؤدَّى ما أفادَه أميرُ المؤمنين (ع) بحسبِ ما رُوي عنه أنَّه قال: «بالعدلِ تتضاعفُ البركاتُ» وما أفادَه (ع) من أنَّ العدلَ في أثرِه على الأوطانِ خيرٌ من خَصْبِ الزمانِ، وانَّه «ما عُمِّرت البلدانُ بمثلِ العدلِ». ولهذا أودعَ اللهُ تعالى في جِبلَّةِ الانسانِ الإدراكَ لكمالِ حُسنِه، وفرضَه جلَّ وعلا على عبادِه وجعلَه ميزاناً يُصانُ به الحقُّ ويَنتظمُ به أمرُ الخلقِ كما أفاد أميرُ المؤمنين (ع) فيما روي عنه: «العدلُ أساسٌ به قِوامُ العالمِ» وقِوامُ الأنامُ وقِوامُ الرعيةِ» وأفاد (ع) أنَّ «العدلَ ميزانُ اللهِ سبحانه الذي وضعَه في خلقِه، فلا تُخالفْه في ميزانِه ولا تُعارضْه في سُلطانِه».
وأضاف «أما ما هو المرادُ من العدلِ الذي هو ميزانُ اللهِ تعالى في خلقِه والذي يَنشدُه الناسُ، فهو رعايةُ حقوقِهم وصَوْنُها بل وحمايتُها من التعدِّي، فالعدلُ لا يتمحَّضُ في الرعايةِ لحقوقِ الإنسانِ وحسب، بل هو الرعايةُ والحمايةُ لحقوقِ الإنسان، والعدلُ يعني تكافؤَ الفرصِ في مختلفِ الشئونِ في الحقوقِ والوظائفِ الإداريَّةِ والسياسيَّةِ والامتيازاتِ، ونبذُ كلِّ أشكالِ التمييزِ الذي يُكرِّسُ حالةَ التهميشِ والإقصاءِ لطرفٍ أو قِطاعٍ مِنَ الناسِ على أساسٍ طائفيٍّ أو عِرقيٍّ أو مناطقيٍّ أو أيِّ منشأٍ آخر من المناشئ، والعدلُ يعني المساواةَ بين مكوِّناتِ المجتمعِ في مختلفِ مناحي الحياةِ في الكرامةِ والعيشِ الكريمِ والتعليمِ والصحَّةِ والمسكنِ والعملِ وما أشبهَ ذلك، والعدلُ يعني التوزيعَ المُتوازِنَ والمُنصِفَ للثرواتِ، وتكافؤَ الحظوظِ في التمتُّعِ بالمواردِ والمنافعِ والمكاسبِ، والعدلُ يعني التأسيسَ لأنظمةٍ وقوانينَ يُراعى فيها كلُّ أفرادِ المجتمعِ، وتستهدفُ السيرَ بخطىً واثقةٍ وجادَّةٍ في طريقِ الإلغاءِ لمختلفِ الفوارقِ السياسيَّةِ والحقوقيَّةِ، ثم يُبنى على ذلك التأسيسُ لضوابطَ ومعاييرَ ومؤشراتٍ تَكشفُ بكلِّ شفافيَّةٍ عن مدى جدَّيةِ الإرادةِ السياسيَّةِ والإداريَّةِ في تحقيقِ هذه الغاياتِ، ومعاييرَ أخرى يُعرفُ بها مقدارُ ما تمَّ تطبيقُه ومدى تناسبِه مع الفترةِ الزمنيةِ والظروفِ الموضوعيَّةِ».
وتابع «بهذا وبمثلِه تتحقَّقُ العدالةُ الاجتماعيَّةُ التي تفتقرُ إلى إيمانٍ صادقٍ بضرورةِ تفعيلِها، وإرادةٍ جادَّةٍ تبعثُ على السيرِ نحوَها بخطىً ثابتةٍ ومطَّردةٍ ومُتسارِعةٍ، وتبعثُ على التحدِّي والمكابرةِ لكلِّ عقبةٍ تقفُ في طريقِ الوصولِ إلى هذه الغايةِ الساميةِ، حينذاك يتظافرُ الجميعُ من أجلِ تذليلِ الصِعابِ التي قد تَعتري بعضَ المراحلِ، ويتفهَّمُ الناسُ انَّ الوصولَ إلى المرتبةِ المتقدِّمةِ من العدالةِ الاجتماعيَّةِ إنَّما يتمُّ عبرَ مراحلَ لكنَّها مراحلُ مرسومةٌ ومتلاحِقةٌ».
ورأى صنقور أن «التراخي وتعاقب الإخفاقات في الانتقالِ من مرحلةٍ إلى أخرى يبعثُ على الشكِّ في الجدِّيةِ، وهو ما يُولِّد حالةَ التذمُّرِ في النفوسِ، ويتعَّقبُه شعورٌ باليأسِ من الوصولِ إلى غايةٍ، وذلك هو ما يُعمِّقُ من حالةِ الاحتقانِ، فالتعقُّلُ والحِرصُ على مصلحةِ الأوطانِ يقتضيانِ المبادرةَ إلى إزالةِ كلِّ سببٍ ينشأُ عنه الاحتقانُ، ويقتضيانِ المبادرةَ بخطواتٍ تبعثُ على الوثوقِ وتُبدِّدُ حالةَ الشعورِ باليأسِ من الاصلاحِ المنشودِ».
العدد 4914 - الجمعة 19 فبراير 2016م الموافق 11 جمادى الأولى 1437هـ