بِمَدينتي يَلِدُ الزِّحامُ غُبارا
وَبِخَصْرِها لَفَّ الضَّبابُ مَدارا
وَالعابِرونَ عَلى الْجِراحِ تَراقَصوا
وَالأرْضُ تَشْرَبُ خَوْفَها إِنْذارا
وَالْمُتْعَبونَ كَما الزُّجاجُ طَلاسِمٌ
سَحْناتُهُمْ صوَرٌ بِلَوْنٍ غارا
فَلَكَمْ عَصافيرُ الدُّموع ِتَرَنَّحَتْ
وَسَلالِمُ الْخَيْباتِ نَخْلاً صارا
وَالْكُلُّ مُفْتَرِشٌ بُحَيْرَةَ وَهْمِهِ
بِجُيوبِهِمْ كَمْ جَمَّعُوا الأَصْفارا
يَقِفُ السَّحابُ مُعَزِّيَاً وُمُهَلِّلاً
لِلْمُعْدَمينَ إِلى الْهُطولِ أُسارى
غَرْقى السُّباتِ حُروفُهُمْ مَبْتورَةٌ
دُوْنَ النُّقاطِ تَوَسَدُّوا الأَقْدارا
عَشِقوا الدُّخانَ تَلَفَّعوا بِسُكونِهِ
وَدُعاؤُهُمْ لَيْلٌ يَموتُ نَهارا
يَتَقَلَّبونَ عَلى جُنُوبِ هُمومِهِمْ
وَيُرَتِّلونَ إِلى الْمَدى الأَذْكارا
قَذَفوا الرَّحيلَ بِتَمْتَماتِ صَلاتِهِمْ
ضَوءُ الْمَكانِ يَضَمُّهُمْ إِصْرارا
(فالسِّيفُ) يُقْضَمُ كالتَّجاعِيدِ التي
رَسَمَتْ تَضاريسَ التُّرابِ مَرارا
وَأَبي وَقبْضَتُهُ الْمَنارَةُ لَوَّحَتْ
لِسَفينَةٍ بِالأُفقِ تَشْهَقُ نارا
وَشَتائمُ النَّاجينَ زَيفُ قَصائدٍ
تُتْلى فَيَغْمِسُها الصَّدى إِنْكارا
قَرَؤوا الْبحارَ نَوافِذَاً مَجْهولَةً
وَالْواصِلونَ تَحَرْفَنُوا الإِبْحارا
وَأرى السَّواحِلَ كالْعَباءَاتِ انْتَقَتْ
مَنْ بِالخَفاءِ تَسَلَّقُوا التَّيارا
وَبَقَيْتُ أَبْحَثُ في حَقيبَةِ دَهْشَتي
حَتَّى تُباغِتَ أَضْلُعي الأَسْرارا
وَيَدي تُداعِبُ خُصْلتينِ لِجَدتي
وَالشَّيبُ مُصْفَرٌّ أَضاءَ سِوارا
وَغَدَتْ تَسُفُّ حِكايَةً كَسِلالِها
قَدْ أوْقَفَتْ في مُقْلَتَيَّ دُوارا
كُنْتُ الْغَريبَ عَلى رُفوفِ أَصابِعي
وَخُطوطُ كَفَّيْها بدَتْ أَسْفارا
وَكَأَّنَ أَقْنِعَةَ الضَّياع ِتَمَزَّقَتْ
فَتَحتْ إِليَّ ذِراعَها أَنْوارا
آنَسْتَ ياوَلَدي كَوابيسَ الْغَوى
وَلَبِسْتَ ظِلَّكَ مِنْ هُنا تَتَوارى
وَثَمِلْتَ مِنْ فِنْجانِ عَيْني سَكْرَةً
حَتّى امتَطيْتَ خَيالَكَ استِنْفارا
وَبِعُنْفُوانِ الرِّيح ِنَبْضُكُ جامِحٌ
وَبِساطُ وَهْمِكَ صافَحَ الأَقْمارا
فَلْتَحْتَسِ قَلَقَ الزَّمانِ بِقَهْوَتي
فَغَدَاً تَذوبُ مِنَ الْحَياةِ مِرارا !!
(شعر: علي العُنيسي)