في مقاله المنشور في «الوسط» بتاريخ 30 من شهر ديسمبر/ كانون الأول العام 2015 الماضي، تحت عنوان «التدين... لاصطياد النساء!» يضع الزميل حسن المدحوب تحت المجهر واحداً من المواضيع التي يتحاشى الكثيرون طرقها أو تناولها خوفاً من إساءة الفهم والنية بأن من سلّط الضوء عليها إنما يسعى لتشويه سمعة فئة بأكملها لها تقديرها ومكانتها السامية في المجتمع، وهنا فإن من ينتمي إليها ويستغل الثقة المطلقة والمكانة التي يتمتع بها لدى النساء ذوات النوايا الطيبة، جريمته أفدح من الإنسان العادي الملتزم دينياً، بالنظر للقدوة والمثل الأعلى التي يفترض أن يتحلى بها من يؤدي أقدس المهام الدعوية والشرعية.
لكن ما لم يكشف النقاب عنهم حتى الآن إلا نادراً هم فئة ذوي الإعاقات العقلية، وبخاصة من البالغين، وهي الأكثر وجوباً في مراقبتها من قِبل ذويها لأنها لا تعقل أصلاً ما حدث لها من الذئاب البشرية لتعبر عن شكواها. وتأكيداً على ذلك قرأت ملخصاً لدراسة كندية أرى بأنها على درجة من الأهمية تخلص إلى أن نصف ذوي الإعاقات العقلية يتعرضون للاعتداءات الجنسية ليس في كندا فحسب، بل أنها تحولت إلى ما تصفها بـ «آفة عالمية»، إذ يؤكد جرمانوس كوتور الباحث في «المعهد الجامعي لدراسة القصور الذهني» أن هذه الظاهرة منتشرة في الولايات المتحدة وأستراليا وأيرلندا، وأن وكالة الصحة في هذه الأخيرة شخصّت 1450 ضحيةً من الأطفال والبالغين من كلا الجنسين، بعضهم تعرضوا لاعتداءات سطحية وبعضهم لاعتداءات عميقة، أما حسب مؤشرات المؤسسات الصحية الأميركية فتشير التقديرات إلى تعرض ما يقرب من 65 في المئة من ذوي الإعاقة العقلية.
الأدهى من ذلك كما تبيّن الدراسة الكندية أن 49 في المئة من اعتداءات العام الماضي 2015 وقعت في المصحات العقلية ذاتها، أي في الأماكن التي يفترض أن تعالج المرضى أو تخفف من إعاقتهم وتشكل حصناً لهم ضد الذئاب البشرية، وقد ارتكبها الأطباء والمشرفون والسواق والمسعفون، بينما 30 في المئة من الاعتداءات ارتكبها الأقارب في البيوت وطالت فترة بعض الاعتداءات المنتظمة إلى عشر سنوات. وتتناول الدراسة بالأسماء نماذج لضحايا تقشعر الأبدان من هول ما تعرضوا له من حالات كما يروي ذووهم، والغريب أن هذه الظاهرة إذ تحدث في مجتمعات غربية فإن الآباء والأمهات، كما هو الحال في مجتمعاتنا الشرقية الدينية والمحافظة، لا يملكون الجرأة وينتابهم الخوف والحرج الشديدين من إبلاغ الشرطة أو رفع دعاوى قضائية، مما يُخلّف حسب الدراسة الكندية ذاتها تركة مؤلمة لضحاياها: 60 في المئة في حالة خوف واضطراب مُبالغ فيه، حزن لا يعرفون البسمة أو الفرح 30 في المئة، 25 في المئة اضطرابات في النوم، ضحايا أصبحوا عدوانيين 30 في المئة، بينما يبلغ مجمل الصدمات والجروح النفسية 90 في المئة، ويؤكد باوتشور أن بعض حالات سرطان الرحم لدى الحامل بفعل الجريمة ناجمة من انتقال الأمراض الجنسية من المعتدي إلى المُعتدى عليها.
وبناء على كل تلك المعطيات المتقدم ذكرها ولوضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة ناشدت «الجمعية الكندية للأمهات والآباء» ذوي الضحايا بعدم الصمت إزاءها، والتحلي بشجاعة الإبلاغ، وبخاصة في ظل تسوية بعض القضايا ودياً وإبقائها طي الكتمان (الحياة، 24 ديسمبر، كانون الأول 2015).
وإذا كان لدى دول غربية ككندا مراكز أكاديمية متخصصة في رصد وتحليل الظاهرة وتشخيص آثارها وعواقبها ومراكز صحية معنية لعلاج الضحايا، فمن يدق ناقوس الخطر في مجتمعاتنا العربية في ظل افتقارنا لمثل تلك المراكز العلمية والصحية؟ وإذا كان كذلك ذوو الضحايا في المجتمعات الغربية يتحرجون من الإفصاح أو الإبلاغ عن تلك الحالات التي تعرّض لها أبناؤهم وبناتهم فما بالنا بالمجتمعات العربية والشرقية المعروفة بأنها الأشد محافظة وتديناً؟
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 4913 - الخميس 18 فبراير 2016م الموافق 10 جمادى الأولى 1437هـ