على أحد مقاهي وسط القاهرة، يشارك الموظف في مجمع التحرير محمود شكري مع رواد المقهى حيرته في كيفية تدبير نفقاته حتى نهاية الشهر. لكنه في انتظار ما هو أصعب، بعدما وعدته الحكومة بإجراءات اقتصادية «صعبة ومؤلمة» في برنامجها الذي ستعرضه على البرلمان نهاية الشهر ، وذلك وفق ما نقلت صحيفة "الحياة" اليوم الخميس (18 فبراير / شباط 2016).
ويقول شكري لـ «الحياة» إن «الأسعار في ارتفاع مستمر... هذه الحكومة لا تشعر بالطبقات الفقيرة». وطالب رئيس الوزراء شريف إسماعيل بأن «يوضح في بيانه أمام البرلمان كيف يدبر موظف لا يتعدى راتبه الإجمالي ألفي جنيه نفقات منزل مكون من أربعة أفراد».
وأضاف: «سأنزل مع أفراد أسرتي للاعتصام أمام مجلس الوزراء لمطالبة المسؤولين بتدبير الحد الأدنى من الحياة لنا... لا أريد دخلاً، فليستبدلوه بوجبات يومية ومواصلات مجانية وعلاج للأسرة وتعليم. نعيش في تقشف مستمر منذ عقود. كانت لدينا آمال بانتعاش أحوالنا بعد طول صبر، لكن تلك الآمال تتراجع مع الأيام، بل إننا ننتظر ما هو أسوأ».
هذه المخاوف يتشاركها كثيرون هذه الأيام، ما يشير إلى أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه مصر سيطغى على المشهد السياسي خلال الأيام المقبلة، إذ أثار تلويح الحكومة بإجراءات «مؤلمة»، بينها تقليص دعم سلع وخدمات وفرض ضرائب جديدة، مخاوف من اضطرابات اجتماعية واسعة.
وكانت الحكومة كشفت عن أن برنامجها الذي يتوقع أن تعرضه على البرلمان نهاية الشهر الجاري، سيتضمن إجراءات «صعبة» لخفض العجز في الموازنة، منها حزمة من القرارات الاقتصادية بينها تطبيق قانون جديد لضرائب القيمة المضافة يتوقع أن تتبعه زيادة كبيرة في أسعار السلع، إضافة إلى تقليص الدعم على الخدمات الرئيسة.
وبينما دافعت الحكومة عن إجراءاتها المرتقبة بـ «رغبتها في زيادة الإنفاق على البنية التحتية المتراجعة إضافة إلى الصحة والتعليم»، إلا أن هذه القرارات ستؤثر على الطبقات الأكثر فقراً، ما قد يتبعه حراك اجتماعي واضطرابات أمنية. وتترقب الأوساط المصرية عرضاً للقوة بين البرلمان والحكومة عندما يتم عرض برنامجها الاقتصادي وعندما يناقش البرلمان مشروع قانون الخدمة المدنية الذي تم تعديله بعدما أسقطه المجلس الشهر الماضي.
وقال لـ «الحياة» النائب اليساري المستقل هيثم الحريري، إن الإجراءات التي أعلنتها الحكومة «تأتي في الاتجاه الخطأ». وقال: «إذا كانت هناك رغبة لسد العجز في الموازنة، فلا يجب أن تأتي على حساب الفقراء، وأن تكون هناك عدالة في توزيع كلفة تلك الإجراءات».
وطالب الحكومة بـ «البدء فوراً في عدد من القرارات التي يتحملها الأغنياء، في مقدمها فرض ضرائب تصاعدية تتجاوز 30 في المئة، وضم الصناديق الخاصة التي يستفيد منها كبار المسؤولين، وعودة ضريبة البورصة التي تم إرجاء تطبيقها لعامين، والتخلص من جيش المستشارين في المؤسسات الحكومية». وقال: «على الوزراء أن يبدأوا بأنفسهم في إجراءات التقشف قبل أن يفرضوه على الطبقات الفقيرة».
وأبدى ثقته في أن النواب «سيرفضون تلك القرارات التي يعلمون تأثيرها الشعبي الكبير»، محذراً في الوقت نفسه من «اضطرابات اجتماعية» في حال تطبيق تلك القرارات «لأن المصريين بعد ثورتين يعلمون جيداً كيف ينتزعون حقهم وكيف يرفضون أي قرارات تصدر تمس بأرزاقهم». وأضاف: «أتصور أن مثل تلك القرارات قد تعيدنا إلى الانتفاضة التي خرجت في مواجهة قرارات الرئيس الراحل أنور السادات أواخر سبعينات القرن الماضي».
أما رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «المصريين الأحرار» الليبرالي أيمن أبو العلا، فرفض استباق القرارات، مشيراً إلى «ضرورة انتظار بيان أين سيتم توجيه الأموال التي سيتم تقليصها من الدعم، وإلى أي خدمات سيتم تعويضها، أم أن الأمر سيكون مجرد سد عجز الموازنة من دون دراسة تأثيرات تلك القرارات... هناك استحقاقات دستورية الحكومة ملزمة بها، لا سيما في قطاعات الصحة والتعليم والسكن. دعنا نرى البرنامج متكاملاً ونخضعه للدراسة والمناقشة قبل إعلان موقف».
واعتبر الخبير السياسي في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» وحيد عبدالمجيد، أن هذه القرارات «نتيجة إفلاس السياسة الاقتصادية المتبعة، والتي تحمّل الفئات الأدنى الكلفة الأكبر لتعويض الخسائر المترتبة على السياسة الاقتصادية. هذه سياسة عاجزة عن زيادة الموارد ووضع حلول لتراجع الإنتاج وتوقف مجموعة من المصانع».
وأشار إلى أن «تلك السياسة الاقتصادية ستؤدي إلى تراجع في مستوى الأداء الصناعي والاقتصادي وضعف الإنتاج ما يؤدي إلى مزيد من العجز، سيتم تعويضه بالجباية، بدل الالتزام بالدستور الذي ينص على الضرائب التصاعدية والمعمول بها في كل الدول الرأسمالية». ورأى أن «هناك فشلاً للسياسة الاقتصادية ومخالفة للدستور».
ونبه إلى «تراكمات اجتماعية تؤدي إلى مزيد من الفقر والآلام الاجتماعية، وهذه الوصفة المثلى لمن يريد الإضرار بالاستقرار في البلد»، متوقعاً أن «تخلق مخاطر أمنية واضطرابات اجتماعية لأنها سياسة عمياء».