العدد 4912 - الأربعاء 17 فبراير 2016م الموافق 09 جمادى الأولى 1437هـ

عملاق الصحافة العربية «هيكل» يطوي كتاب السياسة والحروب

في الثالث عشر من شهر سبتمبر/ أيلول 2013، كان عملاق الصحافة العربية، الراحل أمس، محمد حسنين هيكل، يعبر عن (خسارة فادحة)، عندما أعلن في لقاء على فضائية Cbc عن احتراق مكتبته التي كانت تضم كل الوثائق الخاصة بالحروب المصرية، كما دمر الحريق «يوميات حرب فلسطين» التي حصل عليها من حيدر باشا وزير الحربية قبل الثورة.

من أسرار «برقاش»

ذلك الحريق، أتى على كل الأوراق والكلاسيكيات التي تؤرخ لتاريخ مصر في مكتبته بقرية «برقاش» التي لم يكن يريد لها أن تدخل في أي صراعات سياسية، فقد كان هو المستهدف من الهجوم. وفي ذات اللقاء، كشف هيكل عن اجتماع خاص آنذاك، حضره الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما كان وزيرًا للدفاع، مع عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للجماعة، وسعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة، المسجونين حاليًا بـ «طره»، على خلفية اتهامات بالتحريض على العنف. وخلال ذلك الاجتماع، نوقشت كل الحلول الممكنة للخروج من الأزمة، فيما كان خيرت الشاطر يلوح بوجود كميات كبيرة من السلاح في مصر مما يعرضها لموجة إرهابية.

أمام المدعي الاشتراكي

تلك الوقائع المذكورة أعلاه يمكن اعتبارها نموذجًا من سيرة حياة الراحل هيكل التي كانت حافلة بالوقائع التاريخية المهمة، وقد طوى كتاب السياسة والحروب والمفاوضات والمقالات والكتب والأسرار بموته، لكن سجلًا من وقائع تلك الحياة ستبقى موثقة بالتأكيد، ولعل من أبرزها ما جرى في العام 1978 عندما صدر له كتابان هما: حديث المبادرة، وSphinx & Commissar، وتم سحب جواز سفره ومنعه من مغادرة مصر وتحويله إلى المدعي الاشتراكي بناء على قائمة أرسلها وزير الداخلية النبوي إسماعيل، وبدأ المستشار الوزير أنور حبيب المدعي الاشتراكي التحقيق مع هيكل فيما نسب إليه من نشر مقالات في الداخل والخارج تمس سمعة مصر، واستغرق التحقيق 10 جلسات على مدى 3 شهور من يونيو/ حزيران إلى أغسطس/ آب.

وبالمناسبة، في ذلك العام، قال أنتوني ناتنج (وزير الدولة للشئون الخارجية البريطانية في وزارة أنتوني إيدن) ضمن برنامج عن محمد حسنين هيكل أخرجته هيئة الاذاعة البريطانية ووضعته على موجاتها يوم 14 ديسمبر كانون الأول من العام 1978 في سلسلة «صور شخصية» قال عن هيكل: «عندما كان قرب القمة كان الكل يهتمون بما يعرفه، وعندما ابتعد عن القمة تحول اهتمام الكل إلى ما يفكر فيه».

من «الإيجبشيان جازيت» إلى «مع هيكل»

ولد «هيكل» في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر/ أيلول من العام 1923 في القاهرة، وتلقى تعليمه بمراحله المتصلة في مصر، وكان اتجاهه مبكرًا إلى دراسة وممارسة الصحافة، وفي العام 1943، التحق بجريدة «الإيجبشيان جازيت» كمحرر تحت التمرين في قسم الحوادث، ثم في القسم البرلماني، وتم اختياره لكي يشارك في تغطية بعض معارك الحرب العالمية الثانية في مراحلها المتأخرة برؤية مصرية، ثم تم تعيينه في العام 1945 كمحرر بمجلة آخر ساعة التي انتقل معها عندما انتقلت ملكيتها إلى جريدة أخبار اليوم خلال الفترة (1946م - 1950).

بعد ذلك، أصبح «هيكل» بعد ذلك مراسلًا متجولًا بأخبار اليوم وتنقل وراء الأحداث من الشرق الأوسط إلى البلقان وإفريقيا والشرق الأقصى حتى كوريا، ثم استقر في مصر عام 1951، حيث تولى منصب رئيس تحرير «آخر ساعة» ومدير تحرير «أخبار اليوم»، واتصل عن قرب بمجريات السياسة المصرية. وفي العام 1956 اعتذر «هيكل» في المرة الأولى عن مجلس إدارة ورئاسة تحرير الأهرام، إلا أنه قبل في المرة الثانية، وظل رئيسًا لتحرير الأهرام لمدة 17 عامًا، كما بدأ في العام 1957 في كتابة عموده الأسبوعي بالأهرام تحت عنوان «بصراحة»، والذي انتظم في كتابته حتى عام 1994.

جمال والسادات وسياسات الحرب

وقد ساهم الكاتب المخضرم في تطوير جريدة «الأهرام» حتى أصبحت واحدة من الصحف العشر الأولى في العالم، كما أنشأ مجموعة المراكز المتخصصة للأهرام ومركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، بالإضافة إلى مركز الدراسات الصحافية ومركز توثيق تاريخ مصر المعاصر، وإلى جانب العمل الصحافي، شارك «محمد حسنين هيكل» في الحياة السياسية، حيث تولى منصب وزير الإرشاد القومي عام 1970، وذلك تقديرًا لظرف سياسي وعسكري استثنائي؛ بسبب حرب الاستنزاف، بعد أن تكرر اعتذاره عنه عدة مرات، وشهد الحياة السياسية في مصر بفتراتها المتفاوتة، وعلى الرغم من صداقته الشديدة للرئيس الراحل «جمال عبد الناصر»، إلا أنه اختلف مع « أنور السادات» حول التعامل مع النتائج السياسية لحرب أكتوبر، حتى وصل الأمر إلى حد اعتقاله ضمن اعتقالات سبتمبر 1981.

ضجة مقال الوداع

اعتزل الكتابة المنتظمة والعمل الصحافي في الثالث والعشرين من سبتمبر/ أيلول من العام 2003 ، بعد أن أتم عامه الثمانين، وكان وقتها يكتب بانتظام في مجلة «وجهات نظر» ويشرف على تحريرها، ومع ذلك، فإنه ساهم في إلقاء الضوء بالتحليل والدراسة على تاريخ العرب المعاصر الوثيق الصلة بالواقع الراهن، مستخدمًا منبرًا جديدًا غير الصحف والكتب وهو التلفاز، حيث عرض تجاربه الحياتية في برنامج أسبوعي بعنوان (مع هيكل) في قناة الجزيرة الفضائية، وقد أثار مقاله (الوداعي) الذي نشره على جزأين ضجة كبيرة، إلا أنه عاد إلى جريدة الأهرام بنفس العمود الأسبوعي «بصراحة» في أعقاب ثورة 25 يناير، التي أطاحت بنظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك.

ويُعد العملاق الراحل «هيكل» أحد ظواهر الثقافة العربية في القرن العشرين، كما أنه مؤرخ للتاريخ العربي الحديث، وخاصةً تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، حيث قام بتسجيل سلسلة من البرامج التأريخية على «قناة الجزيرة» ولديه أيضًا تحقيقات ومقالات تربو على 700 للعديد من صحف العالم العربية والغربية في مقدمتها «الصنداى تايمز» و»التايمز» في بريطانيا، كما قام بنشر 11 كتاباً في مجال النشر الدولي ما بين 25- 30 لغة تمتد من اليابانية إلى الاسبانية، من أبرزها «خريف الغضب» و»عودة آية الله» و»الطريق إلى رمضان» و»أوهام القوة والنصر» و»أبو الهول والقوميسير»، بالإضافة إلى 28 كتابًا باللغة العربية من أهمها «مجموعة حرب الثلاثين سنة» و»المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل».

الراحل الذي يعتبر من الصحافيين العرب القلائل الذين شاركوا في صياغة السياسة العربية، فارق الحياة يوم الجمعة 12 فبراير/ شباط 2016 بعد صراع مع المرض، وهو متزوج من «هدايت علي تيمور»، ولديه 3 أولاد هم: «علي هيكل طبيب أمراض باطنية وروماتيزم في جامعة القاهرة، وأحمد هيكل رئيس مجلس إدارة شركة القلعة للاستثمارات المالية، وحسن هيكل رئيس مجلس الإدارة المشارك والرئيس التنفيذي للمجموعة المالية (هيرميس)».

العدد 4912 - الأربعاء 17 فبراير 2016م الموافق 09 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً