العدد 4912 - الأربعاء 17 فبراير 2016م الموافق 09 جمادى الأولى 1437هـ

هيكل الصحافة والسياسة يترجَّل

هيكل مع عبدالناصر والسادات
هيكل مع عبدالناصر والسادات

تُوُفيَ في القاهرة يوم أمس (الأربعاء) الكاتب والمؤرخ المصري البارز محمد حسنين هيكل عن عمر ناهَز 93 عاماً. وقالت صحيفة «الأهرام» المصرية - التي رأَسَ هيكل تحريرها مدة 17 عاماً - أن حالة هيكل الصحية كانت قد «ساءت منذ 3 أسابيع حين بدأ بالخضوع لعلاج مكثف في محاولة لإنقاذ حياته بعد تعرضه لأزمة شديدة».


طَبَرِيّ الصحافة والسياسة يترجَّل... كَتِفُ هــيكل ودَوَاتُه تحفظ «قَرْن العرب» البائس

الوسط - محمد عبدالله محمد

توفي في القاهرة يوم أمس الكاتب والمؤرخ المصري البارز محمد حسنين هيكل عن عمر ناهَز 93 عاماً. وقالت صحيفة «الأهرام» المصرية (التي رأَسَ هيكل تحريرها مدة 17 عاماً) إن حالة هيكل الصحية كانت قد «ساءت منذ 3 أسابيع حين بدأ بالخضوع لعلاج مكثف في محاولة لإنقاذ حياته بعد تعرضه لأزمة شديدة بدأت بمياه على الرئة رافقها فشل كلوي».

هيكل الذي خلَّف وراءه إرثاً كبيراً من التاريخ المُدوَّن لأبرز أحداث القرن الماضي، والتحليل السياسي لتلك الأحداث، بالإضافة إلى أحداث عقد ونصف من هذه الألفية، كان يعني الكثير للعديد من الرؤساء والزعامات السياسية والروحية والثقافية والثورية في العالم، ممن صادقوه أو رافقوه أو تعرفوا عليه أو قرأوا له بإحدى اللغات الثلاثين التي كانت تُكتَب وتُتَرجَم كتبه إليها.

مدخل:

عندما هَمَمتُ بالكتابة عن الراحل، راجعتُ إرشيفي ومكتبتي، أحصِيْ فيها ما أسَرَنِي من أسفاره منذ سنين. وجدتُ أن واحداً وعشرين كتاباً تضم 10 آلاف و 544 صفحة هو ما استقرّ لدي. والحقيقة أن إرث الرجل كان بحق غذاءً تاريخياً وفكرياً ولغوياً شَكَّلَ جزءًا مهماً من عمل الكثير من الصحافيين والمثقفين العرب، الذين تعلموا منه رؤية الأشياء كما ينبغي مسنودة بالوثائق التي كان يحرص على أن يُغذي بها الراحل كتبه الثمينة، بحيث يُضيّق الخِناق على الشَّك ليترك الحقيقة تزدهر.

ففي عالَمٍ مُضطرب ومليء بالوقائع تحتاج الذاكرة إلى رديف. والرديف كما كان يراه هيكل هو عبر «تسجيل الاجتماعات بالصوت والصورة أثناء وقوعها؛ لكي يمكن الإمساك بالتاريخ حياً مرئياً ومسموعاً» كما كان يقول. لذلك طوّر هيكل من ذلك الرديف، بأن حوّله إلى صِيَغ تقليدية في وعاء حديثٍ. ولأن وسائل الإعلام استغرقت في الأخبار وجَافَت الأفكار؛ فقد أصبح لِزاماً أن يُرَشَّق الخبر بقراءة ما قبله وحينه ولاحقه، لكي تُفهَم الأمور كما يجب، وكان هذا من أدق الأساليب الصحافية التي اتبعها هيكل.

البداية:

في الثامن من فبراير عام 1942م تنبّه المصريون إلى شابٍ يكتب بشكل جميل ولائق وجاد. كان ذلك الشاب يُسمّى محمد حسنين هيكل، ويعمل في جريدة «الإجيبشيان جازيت» الصادرة باللغة الانجليزية. وبالمصادفة فقد كان ذلك التاريخ يعني العام الثالث للحرب العالمية الثانية، والعام الذي اندلعت فيه معركة العَلَمَين بين الجيشيْن الألماني بقيادة الماريشال أرفين رومل والانجليزي بقيادة الجنرال برنارد مونتغمري والتي كان أرضها من نصيب مصر.

لذلك، كانت تلك الأحداث مجالاً لأن يُخصِّب الشاب أفكار الصحافة المتوقدة لديه. فغطَّى وقائع معركة العَلَمَيْن. وكان المبلغ الذي يُصرَف له لـ «بدل الانتقال» هو جنيه واحد في الأسبوع. ثم قررت الصحيفة أن تمنحه مرتباً شهرياً وقدره 12 جنيهاً في الشهر، ثم 18 جنيهاً مع حلول عام 1945م. ثم 35 جنيهاً عندما انتقل للعمل في صحيفة آخر ساعة، ثم 45 جنيهاً عندما انتقل إلى صحيفة أخبار اليوم في العام 1946م كسكرتير لتحريرها. ثم 100 جنيه عندما أضِيف له صفة مراسل شرق أوسطي. ثم 200 جنيه عام 1951م. وبعد عام أصبح رئيساً لتحريرها براتب وقدره 360 جنيهاً.

ومع ذلك المشوار، بدأ اسم الشاب الذي لم يكن يتجاوز الـ 35 من العمر يزدهر أكثر. فعرضت عليه الأهرام منصب «رئيس التحرير» في العام 1956م براتب سنوي وقدره 6000 جنيه وحصة من أرباحها مقدارها 2.25 في المئة. ثم توالت شهرة محمد حسنين هيكل عندما بدأت مقالاته تُنشر خارج مصر؛ وذلك لأنها كانت مقروءة جداً، إلى أن أحِيْل إلى التقاعد في يونيو من العام 1975م، بأمر من السادات.

كاتبٌ دولي

نصحه اللورد مايكل هارتويل مالِك دار التلغراف والسير دنيس هاميلتون رئيس مجلس إدارة التايمز، بأن يبدأ في استثمار ما يملكه من موهبة باتجاه إصدار الكتب، وكان أولها كتابه الذي أسماه «ساسة وثوَّار». ولكي تتأكد الدُّوْر الناشرة في الغرب من قدرة هذا الصحافي العربي على كَسْب ثقة وعَيْن القارئ الغربي، وهل يُتوثق مما يقوله من معلومات، فقد نُسِخَت من مخطوطة الكتاب 3 نسخ: واحدة أسنِدتَ لأستاذ متخصص في الشرق الأوسط من جامعة أوكسفورد، وثانية أُسنِدَت لسفير بريطاني سابق خَدَم في المنطقة، وثالثة لقارئ عادي كي تقاس عليه «جاذبية القراءة»، فأجازه الثلاثة وكان محل إعجاب كبير.

كانت الميزانية التقديرية لكتابه هي 5 ملايين جنيه استرليني، من ضمنها حملة إعلانية بنصف مليون جنيه استرليني. عُرِضَ الأمر على 3000 ناشر في فرانكفورت فهرعَت إليه أكبر دور نشرٍ في العالم: فلاماريون الفرنسية، ومولدن الألمانية، وأساهي اليابانية، وكولينز الانجليزية/ الأميركية. وكانت حصة هيكل كدفعة مُسبقة من حساب مقدم العقود هي 100 ألف جنيه استرليني. وهكذا تحوّل محمد حسنين هيكل من صحافي وكاتب في مصر إلى كاتب عالمي له حضوره.

المنهَج وأدواته

أدرك هيكل أنه ومع وَفْرَة الأخبار وتدفّقها اللحظي يحتاج المرء إلى إعادة موضعَتها بشكل صحيح. كيف يُمكن تسخير كلّ ذلك الكمّ الهائل من الأخبار لقراءة الواقع والمستقبل معاً؟ لذلك سعى هيكل إلى أن يضع مساراً له طرق رئيسية وأرصفة ونقاط عبور استدراكيّة لتحقيق ذلك. وأمام الرغبة في التحكّم بالأخبار الوفيرة ووضع المسار الصالح لها، أصبحت الحاجة ماسّة لأن يُستدَعَى التاريخ المُحصّن بالتدوين والتسجيل والقراءة وليس التاريخ المعتمد على الذاكرة وعلى ما في الصدور.

لذلك، صار هيكل يُدوِّن ما بين 10 و100 ورقة يومياً كما يقول أحد الصحافيين (عادل حمّودة) الذي أجرى معه لقاءً مطولاً. وكان يكتب كل شيء ويُسجّله. تحدّث مع حسن باشا صبري رئيس الوزراء المصري أيام الملكية فسجّل ما دار في 32 ساعة. وسجّل ما دار بينه وبين محمود فوزي نائب رئيس الجمهورية الأسبق فسجّل 40 ساعة نقاش. وتحدّث مع الإمام الخميني في باريس ثم في قُم فَكَتَبَ رؤيته لأحداث إيران الثورة في كتاب «مدافع آية الله». كان يُدوِّن كل شيء.

ليس ذلك فحسب، بل دوَّن بعضاً من معاركه مع الخصوم كما وجدنا في كتابه «بين الصحافة والسياسة»، الذي ردّ فيه على الأخويْن علي ومصطفى أمين، حين انقلبت الأحوال، وأصبحا من ذوي الحظوة لدى الرئيس الراحل محمد أنور السادات في الوقت الذي ساءت علاقة هيكل بالسادات أثناء حرب أكتوبر.

كان هيكل يُصرّ على الاحتفاظ بقصاصات أخبار كُتِبَت في عشرينات القرن الماضي، وكان «مهووساً» بالوثائق. فقد أحضر معه 600 - 700 ألف وثيقة إلى صحيفة الأهرام عندما كان رئيساً لتحريرها. لذلك فعندما يتكلّم الرجل فإن تاريخاً بأكمله ينهض معه وبجواره. وعندما يُفسّر الأحداث فهو لا يقول إلاّ ما يَشْخَصُ به الواقع فعلاً مسنوداً بالأرقام. ولأنه مُزدحم بالأفكار والأحداث؛ فإنه وفي أحيان كثيرة يضطرّ إلى حرق بعضها لصالح أخرى يعتقد بأنها أهم.

وفرة المعلومات

امتاز هيكل بامتلاكه إرشيفاً ضخماً وثميناً لا يُضاهى جعل مكان حفظه اليابان، حيث تتمتع بقوانين حماية صارمة. كان لديه من الأرقام والمعلومات ما لا يخطر على بال أحد، إلى درجة أن العديد من رؤساء الدول كان يستدعيه للتشاور وتبادل الرأي. وربما كان مَردّ ذلك أن خزائن الكتب والأرشيف تُفتح له في أنحاء العالم، فضلاً عن مؤسسات أممية ودولية بسبب علاقاته الممتدة. نحن نتكلم عن مرحلة كان الاعتماد الكلي فيها على الورق، ولم يكن هناك شيء اسمه الانترنت ولا ثورة اتصالات.

وقد أعطِيَ الرجل فرصة في إحدى المناسبات في منتصف التسعينات كي يتحدث فطرح بعضاً من المعلومات الصادمة عن المجتمع المصري. فقد أشار إلى أن هناك 50 فرداً تبلغ ثروة كل واحد منهم ما بين 100 و200 مليون دولار في مصر. وأن هناك 100 فرد تتراوح ثروة كلّ منهم ما بين 80 و100 مليون دولار. وأن هناك 150 فرداً تتراوح ثروة كلّ منهم ما بين 50 و80 مليون دولار. وأن هناك 220 فرداً تتراوح ثروة كلّ منهم ما بين 30 و50 مليون دولار. وأن هناك 350 فرداً تتراوح ثروة كلّ منهم ما بين 15 و30 مليون دولار. وأن هناك 2800 فرد تتراوح ثروة كلّ منهم ما بين 10 و15 مليون دولار. وأن هناك 70 ألف فرد تتراوح ثروة كلّ منهم ما بين 5 و10 ملايين دولار. وقد شكَّلت كلمته صدمة طبقية حينها في الصحافة المصرية وداخل عموم المجتمع المدني.

كان يقول منذ زمن أن الدول العربية مازالت تحتاج إلى 50 مليار دولار كبنية تحتية في مجال الكهرباء والماء، و90 مليار دولار لمجال الاتصالات، في حين أن الأموال التي تم تهريبها من عالمنا العربي خلال العشرين عاماً الماضية (حين إلقاء الكلمة) تكفي لهدم وبناء الوطن كله 10 مرات! كان يذكر ما كان يدور بين الرؤساء وأصحاب القرار، معتمداً في ذلك على الوثائق الرسمية السرية وغير السرية التي كان يملكها.

زوّار الفجر

كان محمد حسنين هيكل أحد أقطاب الحقبة الناصرية كما هو معروف. فقد كان صديقاً شخصياً لعبدالناصر وأحد رجالات دولته. وبعد وفاة الأخير استمر في عمله إلى جانب الرئيس السادات، وبقي عضواً في مجلس الأمن القومي، لكن العلاقة ساءت بين الرجلين قبل منتصف السبعينيات، ولم يجد هيكل فجر الثالث من سبتمبر سنة 1981م إلاّ وقوات الأمن المصرية تطرق باب شقته، وتطلب منه المجيء معها. كان هيكل ضمن 3000 شخص من قيادات المجتمع المدني المصري، جرى اعتقالهم من زعماء أحزاب وأساتذة جامعات وقيادات نسائية وقبطية.

أمضى هيكل الذي كان يبلغ من العمر حينها 64 عاماً عدة شهور في السجن. وكانت حجّة السادات في اعتقاله 3000، أنهم يُعرّضون أمن البلاد إلى الخطر. وقد شرح بالتفصيل طريقة اعتقاله وظروفها وما شاهده خلال وجوده في السجن، وعند تفتيش مكتبه وبيته الريفي، وذلك في كتابه خريف الغضب. وقد عُدَّ هذا الكتاب هجوماً على السادات وحقبته كما قيَّمت ذلك السيدة جيهان السادات، التي استفزّها فيه حوادث عن شخصها نفتها في العديد من اللقاءات.

هيكل خصماً

كان محمد حسنين هيكل الصحافي الأقرب لجمال عبدالناصر، وانسجم مع توجهاته القومية ومع سياساته إلى حد كبير بل وكان عرّاب خطاباته وتصريحاته. وبعد رحيل عبدالناصر ومجيء أنور السادات تغيّرت الكثير من السياسات والسّمات التي كانت في زعامة مصر، الأمر الذي سمح ببروز شخصيات صحافية أخرى تأخذ مكانها لدى رئيس الجمهورية الجديد أمثال علي أمين ومصطفى أمين بعد الإفراج عنه، لذلك بدأت بوادر حروب إعلامية تنشب بين هيكل وخصومه الذين كانوا مُهمّشين خلال الحقبة الناصرية، في الوقت الذي بات ظهر هيكل مكشوفاً مع بدء خلافه مع السادات.

كان الخصوم يعتبرون أن هيكل حَبَسَ نفسه في «كهف الناصرية» على حد وصف أحدهم، ولم يرد الخروج منه حتى بعد رحيل زعيمها. بل إنه سَكَتَ عن إخفاقات حقبة عبدالناصر ولم يقل عنها حرفاً، بما فيها انتهاكات حقوق الإنسان كما كانوا يقولون. أما عن دوره في المؤسسات الصحافية القومية فقد شُبِّه في أحد المقالات أنه كمن يريد أن يفسد الأمور إذا أُخرِجَ منها مثل ما حصل في الأهرام. كان هيكل قد تعرّض ودخل في معارك إعلامية شرسة مع كثيرين، ولكن كان ذلك حين حلّ به خريف السياسة وجافته القصور. وقد نفى هيكل تلك الاتهامات.

وكَتَبَ عن هذه المعركة قائلاً: «لدى الآخرين منابر ضخمة كأنها الحصون، وأنا في الهواء الطلق أو في العراء».

صديق الزعماء

كان من أهم الأشياء التي تمتع بها محمد حسنين هيكل هو صداقته لعدد كبير من الرؤساء والزعماء في العالم. لذلك كانت شهادته على الأحداث عادة ما تكون مُذيّلة (أو مُصَدَّرَة) بتزكيات رجال السّياسة الكبار. فبعض كتبه مُمضاة من قِبَل رؤساء للجمهورية، كما في حالة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتيران. وكانت تلك العلاقة قد منحته المعلومة من منبعها، الأمر الذي جعله يُمسك بجزءٍ هام من ناصية الحقيقة. فهو لم يعتمد كثيراً على «العَنْعَنَة» بل هو يروي مباشرة من المصدر ودون حِجَاب.

عندما تقرأ كتبه تؤمن بذلك تماماً. فلا أحد يقرأ ما فيها إلاّ ووجدَ أنها تنفرد بما لم يذكره أحد. ليس على مستوى التحليل فقط، بل حتى في تشريح الأشخاص وغوامض ما جرى معها وفي حياتها. هل تتذكرون ما كُتِبَ عن قضية مونيكا لوينسكي مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون؟ بالتأكيد نعم، ولكن ما كتبه هيكل حول تلك القضية لا يُعادله شيء أبداً. فقد أشار بالوثائق لعمليات القتل الغامضة التي رافقت القضية فضلاً عن الأموال التي قُدمت لـ«بولا جونز» وسيرة كلنتون عندما كان حاكماً لولاية أركنساس.

في أكتوبر من العام 2011م سأل الأستاذ غسان شربل عبدالسلام جلود الرجل الثاني في نظام العقيد الراحل معمّر القذافي حتى العام 1992م، إنْ كان قد ذهب في بداية السبعينات إلى الصين بهدف شراء قنبلة نووية؟ (وهي بالمناسبة معلومة ذكرها هيكل) فأجاب «ذهبت إلى الصين مقترحاً أن يكون هناك تعاون يمكننا من إنتاج سلاح نووي. الحقيقة أننا كنا شباناً وتحركنا الحماسة، وغضبنا من امتلاك إسرائيل سلاحاً نووياً». كان هيكل عليماً بالأمور.

النظريات الثلاث

كان لهيكل في مشوار الكتابة عدد من الأفكار التي انفرد بها كما هي في المصطلحات التي ابتكرها كـ «زوار الفجر» ويعني بهم رجال الأمن حين يأتون لاعتقال أحد المعارضين. لذلك كانت لديه بعض النظريات التي كان يؤمن بها ويعتمد عليها في طريقة عرضه الأحداث، بعضها من أقواله وبعضها نقلها عن أصحابها.

النظرية الأولى: وهي المتعلقة بقياس الأزمان وارتباطها بالأفعال التي جرت فيها. فالقرن والزمن عند هيكل يُقاس بحجم الفعل فيه، لذلك فإن 20 عاماً مكتنزة بالأحداث والمنعطفات تساوي 100 عام خاملة من حياة الأمم والشعوب. وكان يشير في ذلك إلى القرن العشرين الذي شَهِدَ حربيْن عالميتيْن وحرباً باردة ثم حروباً ساخنة عديدة، سواء في ما حصل بين العرب وإسرائيل أو في الكوريتين أو الحرب العراقية الإيرانية التي كانت أطول حرب في القرن.

النظرية الثانية: وهي المتعلقة بعلاقة السياسة بالجغرافيا. فاتباعاً لنصيحة المارشال الفرنسي الأسطورة شارل ديغول له بأنك إذا أردت أن تتحدث في السياسة فعليك أن ترى الجغرافيا أولاً. فحين تكون الدول «جزائرية» الشكل لا حدود لديها سوى الماء تكون حساباتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية مختلفة عن تلك التي تحاصرها الجغرافيا البرية من كل جانب، وهكذا في بقية الفروقات الجغرافية.

النظرية الثالثة: وهي المرتبطة بالذاكرة. فهو لا يؤمن بما يُحفظ في الصدور كونه اعتمادٌ خاطئ، والصحيح هو التوثيق. لذلك يقول حول ذلك: «مشكلتي مع بعض الناس أو مشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة، ولا أغطي مساحة الفراغات فيها بما ينسجه الخيال أو التمني، فأنا أعرف كم هي ضعيفة ذاكرة البشر أمام الأيام وأمام الأهواء، وهكذا كنت طول عمري أسجل وأكتب وأحتفظ بكل ورقة أشعر أن ملف التاريخ الذي عشته قد يحتاجها في يوم من الأيام».

في المحصلة، كان هيكل قامة صحافية بارزة في العالم وصاحب قلم سيّال. وقد أرَّخ لأغلب قضايا العرب منذ ما قبل الاستقلال، ويستحق أن يُخلَّد اسمه عرفاناً بما قدّمه وحفظ به ذاكرة العرب خلال قرن كامل.

كانت لهيكل علاقات تاريخية وثيقة بالساسة العراقيين
كانت لهيكل علاقات تاريخية وثيقة بالساسة العراقيين
لقاؤه مع الإمام الخميني
لقاؤه مع الإمام الخميني
صورة تجمع هيكل بالفنانة أم كلثوم
صورة تجمع هيكل بالفنانة أم كلثوم
هيكل في إحدى مراحله العمرية
هيكل في إحدى مراحله العمرية

العدد 4912 - الأربعاء 17 فبراير 2016م الموافق 09 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً