الشباب هم قوة الحاضر وأمل المستقبل بما يتمتعون به من دينامية وطاقة متجددة، وهم ظاهرة اجتماعية تواجه تحديات عميقة بسبب انعدام الاستقرار السياسي والأزمات الاقتصادية، وبسبب ما حملته العولمة من متغيرات نوعية متسارعة، وما أحدثته من تناقض حاد وتأثير بالغ على مجتمعاتنا الخليجية ذات البُنى القبلية والمذهبية هي الأكثر اندماجاً والتصاقاً بالعولمة فكل هذا وذاك انعكس على أفكار الشباب واتجاهاتهم السلوكية، بل وأعاد تشكيل واقعهم وجعلهم في قلب الأحداث وتحت سطوة ثقافة العولمة وإغراءاتها الاستهلاكية بل ونتائجها المتوحشة.
وتبعاً لمصطفى حجازي في كتابه «الإنسان المهدور»: «يمثل الشباب الكتلة الحرجة التي تحمل أهم فرص نماء المجتمع وصناعة مستقبله، كما أنهم يشكلون في الوقت ذاته التحدي الكبير في عملية تأطيرهم وإدماجهم في مسارات الحياة الاجتماعية والوطنية والإنتاجية النشطة... وهم العبء على الدولة التي غالباً مَّا تقصر في وضع الاستراتيجيات الكفيلة بحسن توظيف طاقاتهم الإنتاجية، وملفهم يشكل أكثر حالات الهدر والأكثر خطورة على مستقبل المجتمع، والشباب بنظره ليسوا شريحة واحدة بل فئات لكل منها ظروفها وخصائصها وإمكاناتها وأزماتها، وهم يتوزعون بين فئة الشباب المحظية المترفة وهي قلة قليلة، والفئة المنغرسة اجتماعيّاً ومدرسيّاً، وتمثل جيل النخبة من الشباب، وفئة طامحة لبناء مكانتها اجتماعيّاً بدأت تأخذ حظها من الفرص، وفئة الشباب المهدور طاقاته وهي الأكثر حضوراً داخل المجتمع، والتي لا تدخل ضمن الحسابات والخطط»، وعليه فإن التحديات التي يواجهها شباب الخليج عميقة وخطيرة وخصوصاً لجهة وضعهم التعليمي وللفرص المتاحة أمامهم في سوق العمل.
الإنفاق على التعليم
من حيث التعليم في الخليج، نجد أنه تطور تطوراً كبيراً، بسبب وفرة العائدات النفطية التي ساهمت في توسع وإدخال تحسينات على الأنظمة التعليمية والتربوية وتبني وإدخال مفاهيم حديثة ومتطورة حول العملية التعليمية، فضلاً عن كثافة الاستثمار فيه، إذ أنفقت دول الخليج قرابة (60 مليار دولار) بحسب «المركز المالي الكويتي»، فيما ذكر «البنك الدولي» في 2013 أن دول الخليج تستحوذ على غالبية حصة سوق التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إذ تبلغ (45 مليار دولار) مقارنة بـ (75 مليار دولار) لتلك الدول، وهو ما يعادل في المتوسط (3.8 في المئة) من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بالمعدل العالمي (4.4 في المئة)، كما توقعت مؤسسة «فينتشرز ميدل إيست» أن يصل إجمالي الانفاق على موازنات التعليم خليجيّاً إلى (90 مليار دولار) سنويًّا، منها (7.7 في المئة) للسعودية، و(14 في المئة) للكويت و(18.6 في المئة) لعمان و(21 في المئة) للإمارات من الموازنات العامة مقابل (2.2 مليار دولار) للبحرين و(7.2 مليارات دولار) لقطر وبزيادة (7.3 في المئة)، ماذا يعني هذا؟
يعني أن هناك مكاسب كمية ونوعية تحققت في مجال توسيع التعليم، حيث بلغ قيد الجنسين في جميع مراحل التعليم العام والخاص ببلدان الخليج نحو (9 ملايين) العام 2012 مقابل (2,1 مليون) العام 1980، بيدَ أن هذا التطور وعلى رغم تأثير العائدات النفطية والجهود المبذولة لرفع معدلات الالتحاق بالتعليم، فإنه لايزال في وضع الثبات، وإن التحسينات المدخلة على التعليم وجودته المرتبطة بزيادة معدلات الالتحاق به لم تقترن حتى الآن بحسب تقرير البنك الدولي بزيادة إنتاجية العمالة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، لماذا؟ لأن هناك قيوداً مؤسسية يتعذر معها الاستفادة من رأس المال البشري بكفاءة، ما يعني عدم قدرة النظام التعليمي على توفير ما يكفي من المهارات اللازمة لاحتياجات سوق العمل، مضيفاً أنه وعلى رغم حجم الإنفاق العام على التعليم في الخليج فهو أقل مما هو عليه في البلدان مرتفعة ومتوسطة الدخل الأخرى، وإن الاستثمارات فيه ستستغرق وقتاً حتى تؤتي ثمارها، ولن تؤثر إلا على الجيل القادم من الداخلين إلى سوق العمل، ومنه دعا إلى التركيز على الالتحاق بالعمل المهني، إذ أثبتت التجارب الدولية أن من الصعوبة معالجة البطالة الناتجة عن ضعف العملية التعليمية عبر الإنفاق العام على التدريب أثناء العمل فقط على رغم أهميته، إنما يتطلب زيادة التركيز على التدريب المهني، فمن شأن نظام التعليم المزدوج، الذي يجمع بين التلمذة الصناعية والتعليم المهني الرسمي، أن يكون فعالاً في معالجة عدم اتساق المهارات، وهذا النظام يُطبَّق في ألمانيا وقد ساعد على تحقيق التوافق بين التدريب من جهة واحتياجات أرباب العمل من الجهة الأخرى، كما ساهم في خفض معدلات البطالة، هذا وتناولت تقارير متعددة أسباب ارتفاع نسب البطالة بين شباب الخليج بما له صلة بالدولة الريعية وسياسة التعليم واقتصاد السوق الحر الذي يشجع على وجود الأيدي العاملة الأجنبية الرخيصة وتناميها ومزاحمتها للمواطنين في فرصهم وأرزاقهم.
إشكالية البطالة
من هنا، الجميع متفق على تفشي البطالة بين شباب الخليج بل وعلى قناعة تامة بمخاطرها وتأثيراتها السلبية عليهم وعلى المجتمع، لكنهم بالطبع يختلفون حول تقدير نسبتها وأسبابها، ومما يُصعب من تشخيصها وقياسها كظاهرة، هو شح البيانات المتعلقة بها وتضاربها وعدم دقتها أو غيابها، فحسب دراسة «لمؤسسة الخليج للاستثمار» فإن متوسطها بين المواطنين الخليجيين يبلغ (5.21 في المئة) حتى 2011، فيما قدر «صندوق النقد العربي» أنها تمثل (9.9) في الإمارات، و(28.7) في السعودية، و(19.6 في المئة) في الكويت، و(1.54 في المئة) في قطر، و(27.9 في المئة) في البحرين وبالطبع وزارة العمل في البحرين لا تقبل بهذه النسبة إذ تقدرها بمعدل (3.7 في المئة) فقط، إضافة إلى أن الدراسة كشفت أن معدلاتها تزيد في أوساط الشباب للفئة العمرية بين (19و25 عامًا)، وهنا مكمن الداء والخطورة كون نسبة الشباب في بلدان الخليج تبلغ نحو (40 في المئة) من متوسط إجمالي السكان الذين يتجاوزن نحو (40 مليون نسمة) من مواطنين ومقيمين، والأهم من جهة محمد الرميحي «أن أنظار الأقطاب الدولية التي تقود العولمة تسعى إلى تمرير مجمل أفكارها واتجاهاتها للاستفادة منهم إيجابيّاً والإمساك بزمام هذه الشريحة أو التأثير في خياراتها لما تشكله من أهمية اقتصادية في سياساتهم - أي أقطاب العولمة -.
أما خطورة الأمر الآخر فتنبع من أن بطالة الشباب العربي عامة بحسب صندوق النقد العربي، ليست وليدة انكماش اقتصادي مؤقت، بل تمثل ظاهرة طويلة الأمد وهيكلية تزداد سوءاً، وهي تعدّ من أبرز التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ولاسيما بتركزها بنسبة عالية في صفوف فئة المثقفين والشباب خريجي الجامعات والداخلين الجدد إلى سوق العمل، وهذا قد يعود إلى (مشاكل هيكلية) لها صلة بعدم ملاءمة ومواكبة نظم التعليم مع متطلبات سوق العمل.
خلاصة الأمر، أن غياب الرؤية الواضحة للاستقرار الاقتصادي والسياسي وعدم تبني سياسات اقتصادية واضحة تحرك النمو وتقلل من حجم العمالة الأجنبية وتصلح قطاع التعليم وتعيد النظر في تشريعات سوق العمل وتحفزه، بالتأكيد لكل هذه العوامل تأثير كبير على تفشي البطالة في أوساط الشباب، كما يتحمل القطاع الخاص مسئولية تقصيره في توفير فرص العمل وتوظيف الكوادر الوطنية وتأهيلها بالتدريب، أما لجهة التعليم فالسؤال لايزال مطروحاً عما إذا أخفقت أنظمة التعليم المحلية بعد كل هذه الجهود وكثافة الإنفاق في تقديم المعرفة والتدريب والمهارات اللازمة التي تؤهل الشباب للمنافسة وباقتدار في سوق العمل، خصوصاً والقطاع الخاص ما برح يفضل العامل الأجنبي ويستغل كل المتاح للتملص من مسئوليته تجاه العمالة الوطنية.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4911 - الثلثاء 16 فبراير 2016م الموافق 08 جمادى الأولى 1437هـ