العدد 4910 - الإثنين 15 فبراير 2016م الموافق 07 جمادى الأولى 1437هـ

عبدالرحمن المناعي... معلماً وبحاراً لايزال يعشق همس الشواطئ

المناعي: هموم البحارة والصيادين في قلالي يجب أن تصل إلى المسئولين
المناعي: هموم البحارة والصيادين في قلالي يجب أن تصل إلى المسئولين

لاتزال نسمات الأربعينات من القرن الماضي تربطه بشاطئ قرية «قلالي»... مرحلة الطفولة تلك أشبه ما تكون اليوم بالنسبة إليه كحالة عشق لا تنتهي مع القرية والنخلة والقارب والبحر، وذكرياتها تحيي فيه ألق الحب الكبير... في طفولته، كان عبدالرحمن المناعي (بوطارق) يستذكر علاقته بالبحر الذي كان يقترب من حدود بيوت القرية، ولربما دمعت عيناه في اليوم مرة تلو أخرى وهو يرى ذلك البحر وقد ابتعد عن محبيه، وهم لايزالون ينادونه ألّا يبتعد عنهم فيتركهم في غربة الأسى، ولوعة الفراق.

من الحد إلى رأس الخيمة

«من مجلس بيتنا... مجلس المرحوم الحاج حسين بن علي كعلم من أعلام قرية قلالي، كان البحر يجالس أهل المجلس، وكنا نرى (حظور الصيد) واضحة ونأنس برؤيتها... كانت القرية الصغيرة في مساحتها وتعداد سكانها فترتي الأربعينات والخمسينات بقبائلها وعوائلها العربية المعروفة، كتبت عهدًا من الحب والعلاقة الأبدية مع البحر... أينه اليوم؟ لقد أصبح بعيدًا وإن كنا نراه!»، هكذا بدأ ضيفنا عبدالرحمن المناعي حديث الذكريات ليأخذنا إلى مرحلة الطفولة والشباب، فقد درس في مدارس الحد حتى أنهى المرحلة الثانوية، وفي العام 1958 عين معلمًا بمدرسة سماهيج ومارس التعليم فيها لمدة 4 سنوات، ثم انتقل إلى مدرسة عمر بن الخطاب لمدة 7 سنوات، وشاءت الظروف أن يحظى بفرصة للعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة في فترة السبعينات، فسافر إلى إمارة رأس الخيمة مع ثلاثة من المعلمين البحرينيين المبتعثين من قبل وزارة التربية والتعليم هم: عبدالله يوسف، سعود الياسي وفؤاد بوراشد، وعملوا في مدرسة ابن ظاهر في تلك الإمارة الجميلة التي كان بحرها يغمرهم بقلالي وذكرياتها.

مرحلة العمل الإداري

يستعيد المناعي حديث الذكريات فيقول: «لم أكن متزوجًا وقتذاك، فعشت مع زملائي المعلمين في بيت مستأجر، وكنا سعداء بالعمل؛ لأن الامتيازات والأجور كانت أفضل من وضعنا في البحرين، وحتى بعد زواجي، رافقتني زوجتي فهي معلمة أيضًا وعملنا معًا وقد أنجبنا ابننا (طارق) هناك، فهو من مواليد إمارة دبي، وفي مطلع الثمانينات عدت إلى البحرين وواصلت العمل في مدرسة عمر بن الخطاب، لكن خلال فترة الإجازة الصيفية، كنت أسافر إلى دبي للعمل في مطارها حتى العام 1985، وبعد التدريس، انتقلت للعمل في معهد البحرين الرياضي كمساعد إداري، وكان يُعرف آنذاك باسم الأكاديمية الأميركية، وكانت مجموعة من الأكاديميين الأميركيين يديرون ذلك المعهد، وبعد فترة من العمل، التحقت بالمؤسسة العامة للشباب والرياضة في فترة رئاسة الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة وتم تعييني مديرًا لمركز سلمان الثقافي للأطفال حتى تقاعدت في أواخر الثمانينات، وحتى بعد تقاعدي، واصلت العمل مديراً عامّاً لشركة أرض الرياضة، وأنا مستمر في عملي حتى اليوم.

جمعية الوحدة الثقافية

في مرحلة الطفولة والشباب، لاتزال تلمع في الذاكرة أسماء الأصدقاء، ويستذكر المناعي منهم: «جمعة شريدة، أحمد المناعي جاسم وأحمد ويوسف الشروقي، حسن بن راشد، عيسى عبدالله مبارك، وغيرهم من أبناء الحد وقلالي وسماهيج والدير ممن مارست معهم كرة القدم في نادي قلالي الذي انضم إلى الاتحاد البحريني في العام 1957، وبالمناسبة، كنا ننشط في جمعية الوحدة الثقافية في العام 1953 لنشر الثقافة والفكر وتنظيم الأنشطة الأدبية والمحاضرات، فمزجنا بين النشاط الثقافي والرياضي، ولعل النشاط الثقافي كان أقدم وأنشط من القطاع الرياضي».

ويواصل المناعي أنه في فترة الخمسينات والستينات، عندما ترأست نادي قلالي كنت أعمل مع اخوتي الأعضاء والإداريين لتنشيط الثقافة والفكر والرياضة، لكن في تلك الفترة، رجحت كفة المسابقات الثقافية والمسرحيات وكان لنادي قلالي أكثر من مشاركة في مسابقات التلفزيون، وكذلك في المسابقات الخليجية في المملكة العربية السعودية بمهرجان البحر الأحمر، وشاركنا في دولة قطر وفي دولة الكويت ضمن مهرجانات الغوص، وأريد التنويه إلى أن نادي قلالي كان عبارة عن انطلاقة رائدة لتشجيع القراءة والكتابة، ونتجت عن ذلك شريحة من الشباب القارئ من ذوي الوعي الثقافي والسياسي الكبير.

وقفة مع حرف S

في قطاع التعليم، عملت معلمًا للغة الإنجليزية، وكنا نهتم في ذلك الوقت بكل الأمور المتعلقة بدقة المعلومات وأسلوب التدريس، وأتذكر أن أحد الأساتذة المفتشين، وهو المرحوم وفا نبهان، فلسطيني الجنسية، يتجول في الفصول ويتابع عمل المعلمين، وذات يوم، زارني في الصف بمدرسة سماهيج، وقد كتبت اليوم السبت (saturday)، وقبل الدخول في الدرس، كان من عادتي أن أهيئ الطلبة وأتحدث معهم في أمور كثيرة... عن أحوالهم وعن بعض الحكايات، وعندما شرعت في الدرس، قال لي المرحوم نبهان: «أستاذ... السبت... Saturday... الحرف الأول يجب أن يكون كبيرًا (capital letter) وليس صغيرًا (small letter)».. قال ذلك أمام الطلاب، وفي ذلك تدقيق على كل شيء في الحصة.

كذلك درست مادة الجغرافيا، ففي التدريس كنا نستخدم وسائل إيضاح بحسب المتوافر، وكانت الخريطة هي المهمة ولا نتكلم فقط كمعلمين، بل نتيح المجال للطلاب؛ لكي يتحدثوا ويشرحوا على الخريطة، وحينها، أدركت أن هناك مشكلة في المنهج، وهي أننا في مادة الجغرافيا نركز في الخرائط والمعلومات والدروس على القارات والدول الغربية من مختلف أصقاع العالم، مع أن الأولى هو تعليم الطلبة عن جغرافية مملكة البحرين ودول الخليج العربي ثم دول العالم، لا بأس بالحديث عن سيبيريا وشيكاغو وطوكيو... بل حتى في التهوية... الرياح، حين نلقن الطالب عن التيار الحار في المحيط الأطلسي فالأجدى أن نعلمه عن الطقس في منطقة الخليج العربي، وكذلك الحال بالنسبة إلى الطيور المهاجرة والبيئة المحلية، وكم أحب الطلبة قصة الأب الذي يسير مع ابنه على شاطئ البحر ويجمعان المحار والأصداف ويتعرف الابن على أدوات صيد الأسماك وغيرها.

تقديم المزايا للمعلمين

لايزال المناعي مرتبطًا بمهنة التعليم، فقبل حوالي ثلاث سنوات كما يتذكر، أعاده الحنين للاتصال بإدارة مدرسة عمر بن الخطاب للسلام والتحية، فأبلغهم أنه في حالة وجود نقص أو غياب لأي معلم، فسأحضر لأغطي مكانه، تعبيرًا عن ارتباطه بمهنة التدرس، وقاعدته أن المعلم حين لا يكون عاشقًا لمهنة التعليم فإنه لن ينجح، ولهذا يرى أن قطاع التعليم اليوم في حاجة ماسة إلى تطوير المناهج الدراسية، بل وتنظيم اليوم الدراسي بحيث لا يتم إرهاق الطلبة بالمواد الثقيلة في أوقات الظهيرة نهاية الدوام، وأن يتم تحديث التعليم التكنولوجي، ومن المهم أيضًا تقديم التسهيلات والمزايا للعاملين في قطاع التعليم لما يبذلونه من جهد في تنشئة الأجيال.

عوداً إلى شئون «قلالي»

يعود بنا الحديث مع المناعي إلى قرية «قلالي»، فهو كبحار محترف يجد في موضوع البحر أهمية كبيرة ولاسيما للصيادين المحترفين من أهل القرية والقرى المجاورة، وفي ذلك يسرد: «لقد أبعدوا عنا البحر... المشاريع الكبرى مثل ديار المحرق، جزر أمواج وديلمونيا مثلاً يلزم أن تعود بالنفع على الأهالي بعد أن تضرروا من الدفان الجائر، ودعني أصف لك منطقة كان يطلق عليها اسم «الكشاشة»، وهي بمثابة أرض صخرية كبيرة ممتدة من قلالي إلى الحد وربما أبعد من ذلك، وينبت في هذه المنطقة عشب له عدة تسميات شعبية منها الفراني... العلب... البيبل، وهو عشب زكي الرائحة حين تحكه تصدر منه رائحة زكية، وهذا العشب عبارة عن غذاء لسمك الصافي، لذلك كانت منطقة الكشاشة موئلاً طبيعيّاً للحياة الفطرية وحولها ما يقرب من 15 كوكباً (نبع ماء عذب في البحر)، كل ذلك (مات بسبب الدفان الجائر)».

مصدر رزق البحارة

ولابد من الحديث عما تعرض له البحارة الذين يعتمدون على البحر كمصدر رئيس للرزق، فمعيشتهم تأثرت كثيرًا بسبب تلك المشاريع، ونحن كأهالي تحركنا على الموضوع منذ البداية، وقبل البدء في تنفيذ المشاريع؛ لأننا كنا نخشى الوصول إلى النتيجة التي نعاني منها اليوم بسبب تدمير البحر، وبعد أن (صار الذي صار)، فلا ينفع البكاء على اللبن المسكوب! ونحن اليوم نقترح بعض البدائل من قبيل أن تعوض إدارات تلك المشاريع السياحية البحارة بمبلغ شهري لكي يضمنوا دخلاً يعينهم في حياتهم، وكذلك المساهمة في إنشاء فرضة قلالي وتزويدها بالكهرباء والماء والمرافق اللازمة، ونأمل أيضًا في توظيف شباب المنطقة، فهناك عدد كبير من شباب قلالي والحد والدير وسماهيج عاطلون عن العمل، ومن الواجب توظيفهم في تلك المشاريع، فهذا واجبهم الوطني، وعلى الجهات المعنية أن تتحرك معنا، فنحن كأهالي لا نستطيع وحدنا فعل شيء دون دعم رسمي.

ويستدرك المناعي ليقول: «لقد ناقشنا كل تلك الأفكار مع البحارة ومع الأهالي لكن ليست لديهم إمكانية إيصال هذه الأفكار إلى المسئولين، وكما تعلم فإن البحارة يعيشون في قلق بسبب أن البحر هو لقمة عيشهم ومصاعب الحياة تتضاعف، ونعم أن التطبيق صعب لكننا نريد أن يصل صوتنا إلى القيادة الرشيدة للبلاد، وكما عهدنا رئيس الوزراء الموقر صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، فإن سموه لن يتأخر في تلبية ما يتطلع إليه الأهالي».

الإسكان و«ملاعب النادي»

وفي محطة الختام، لم يغفل المناعي التطرق إلى ملفين رئيسيين من ضمن مطالب الأهالي، هما مشروع الإسكان الذي لم يستفد منه عدد كبير من أبناء القرية وتم توزيع البيوت بنسبة كبيرة على مستفيدين من خارجها، بل حتى الأراضي المتوافرة، ومنها على سبيل المثال موقع سفن الغوص القديم (الميدف الخاص بالوالد المرحوم حسين بن علي)، طالبنا بأرضه لكن مع شديد الأسف حصل عليها شخص من خارج قلالي!

وإذا جئنا إلى ملاعب النادي، فالنادي اليوم يعاني من هذا الملف، ومع أن المساحة المخصصة للملاعب عمرها 90 سنة، إلا أن الأرض خرجت من أيدينا ولم نمنح البديل، وفي اجتماعات مجلس إدارة النادي ناقشنا الموضوع، وللعلم، فإن الأرض التي فقدها النادي هي مخصصة لملاعبه منذ أيام المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، (طيب الله ثراه)، الذي اعتبر أن الأرض للنادي مادام النادي موجودًا، وبعد مرور كل هذه السنوات فهذا يعني أن الأرض للنادي بالطبع، إلا أننا فقدنا الأرض، وعرضت علينا منطقة أخرى هي عبارة عن بحيرة لكن تبين أن أرضها ملك خاص! ولم نحصل عليها.

وبعد، فإن أهالي قرية «قلالي» يأملون في أن تولي القيادة الرشيدة اهتمامًا بمطالبهم واحتياجاتهم، وأن تتحقق تطلعاتهم التي طالما حلموا به وتتحول إلى حقيقة على أرض الواقع.

عبدالرحمن المناعي متحدثاً إلى «الوسط»  - تصوير : محمد المخرق
عبدالرحمن المناعي متحدثاً إلى «الوسط» - تصوير : محمد المخرق

العدد 4910 - الإثنين 15 فبراير 2016م الموافق 07 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:59 ص

      تسلم بو طارق على طرح همومنا احنه أهالي قلالي وشكرا للوسط والصحفي الرائع أستاذ سعيد محمد تحية من كل أهل قلالي وشكراً

    • زائر 1 | 1:58 ص

      يعطيك العافيه

      أستاذ عبدالرحمن المناعي بصراحة هذا من خيرت أبناء البحرين المخلصين رجل مخلص و معطاء لعمله حتى بعد التقاعد يحب الخير حتى للغير ....الله بعطيك الصحة و العافية

اقرأ ايضاً