«نستقر نحن العرب في عالم لا يستقر، ونتطور في سياق خاص بنا وحدنا: وطنٌ ينكمش في نظام، نظامٌ ينكمش في سلطة، سلطةٌ تنقلب إلى ملعب». العرب اليوم ملعب». هذه عبارات ذكرها أدونيس في كتابه الصادر في 2015 بعنوان: «غبار المدن، بؤس التاريخ»، وهي عبارات نرددها دائمًا في أحاديثنا ومجالس جلد الذات كما يحلو لبعضنا تسميتها.
يذهب كثير منا إلى لوم العرب عما يجري اليوم على ساحتنا العربية وبلادنا المذبوحة من الوريد إلى الوريد، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب. نتفنن في البكاء على أطلال أمجادنا، وعروبتنا التي ضاعت لغتها أو تكاد، عن المؤامرات التي تُحاك ضدنا، ودورنا في سهولة اقتحامنا منذ عشرات السنين وحتى اليوم. فيما يذهب بعضنا إلى القول إن العرب ليسوا سيئين، وحالهم أفضل من غيرهم، وإننا لا نجيد إلا جلد ذواتنا والشعور بالدونية والمظلومية وقد عششت في صدورنا فكرة أننا ضحية ولقمة يراها الغرب سائغة وشهية.
لستُ من الطرفين، وإن كنتُ أرى أننا اليوم كعرب لم نقدم شيئاً نحسد عليه، لكنني أرى أننا لا نستطيع أن نجمع أنفسنا في صيغة واحدة أبداً؛ وكلّ ما تعلمناه في مدارسنا سابقاً بشأن القومية العربية، وما قرأناه في الكتب عن الوحدة العربية ما هو إلا كذبة صدقناها حين لم نكن نعرف ما يجري من حولنا ولم تكن وسائل الإعلام تنقل كل ما يحدث بالتفصيل من خلافات وصدامات لا تنتهي بين الدول.
حين نتكلم اليوم عن إنجاز عربي حقيقي فنحن لا نتحدث عن العرب عامة، بل نتحدث عن دولة بعينها، وأحيانًا عن جزء من دولة عربية؛ فما يحدث اليوم على سبيل المثال في الإمارات العربية المتحدة من سباق مع الزمن ما هو إلا إنجاز ذاتي يخدم الإمارات وشعبها، نفرح لها، ونغبطها على الحكمة التي يتمتع بها حكامُها في مجال التنمية وإسعاد شعبها ومحاولة نيل رضاه، لكننا لا نستطيع اليوم أن نقول إن العرب في سباق مع الزمن، وإن السلطات العربية جميعها مهتمة بخدمة شعوبها.
حين نتكلم عن المصائب والكوارث المستمرة في بلاد عربية مّا، فنحن نتحدث عنها باعتبارها بلادًا أخرى لا باعتبارها نحن، والدليل أن ردود فعل الأنظمة العربية تجاه هذه الحوادث لا تتعدى كونها مجرد شجب او استنكار، وأحيانًا ترسل بعض مساعدات مالية وعينية إن كانت هذه الكوارث قد خلفت أضرارًا جسيمة.
ما الذي ينقصنا كي نعود كتلة واحدة قوية؟ لماذا لا نتَّحد كما اتحدَّت دولٌ لم تربطها لغة واحدة ولا مصير واحد ولا تاريخ واحد ولا دين واحد، ونحن الذين يربطنا كل هذا كما تعلمنا في طفولتنا؟ لماذا فقدنا الأمل بالقومية العربية في ظل كل هذا التشظي والتناحر والموت والحروب؟
عفواً، يبدو أن هنالك بصيص أمل؛ إذ وصلتني الآن رسالة وأنا أكتب هذا المقال عبر الهاتف من شاعرة تعرفني باسمها لكنها ذكرت أنها عربية ولم تذكر جنسيتها!
فهل يعود المثقف والأديب والفنان اليوم ليحاول رأب الصدع، ويقوم بما لم يستطع السياسي القيام به، كما تحاول فعله المهرجانات الأدبية والشعرية والفنية، وكما تحاول فعله الأنطولوجيات الشعرية والأدبية، وكما تحاول فعله الكتب المطبوعة والتي تضم أسماء من كل الدول العربية أو تلك الموسوعات التي تضم تعريفات بشعراء الوطن العربي وأدباء الوطن العربي وكتاب الوطن العربي وفناني الوطن العربي؟
ولكن هل هذا يكفي أيضاً لإعادة الأمل بإنجاز شيء يمكن أن يشار إليه بالبنان ويقال: إن هذا إنجاز عربي؟
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4909 - الأحد 14 فبراير 2016م الموافق 06 جمادى الأولى 1437هـ