هو شرف الدين عبدالوهاب بن فضل الله النشو، الذي كان ناظم الخاص، وهي وظيفة في الحكومة المملوكية تعدل وزير المالية، وكان حينها من أهم شروط صاحب هذا المنصب أن يكون ممسكاً وقاسي القلب، لكنه أضاف عليها صفة ابتكار الأساليب؛ لإرغام الناس على دفع ما يبتدعه من طرق لاستخراج الأموال من جيوبهم، وقد استمر في منصبه لثمانية أعوام في حكم السلطان الناصر بن محمد قلاوون.
ولأن السلطان كان مهتماً بزيادة المال في خزنته في آخر فترة حكمه؛ فقد سمح للنشو بعمل أي شيء من أجل هذا الهدف، ولم يكن يقبل أن تقال عنه أي كلمة سوء، فتجاوز به الأمر أن بدأ بفرض أموال وضرائب على عامة الشعب من الفقراء الذين لا يسمع صوتهم أحد، كصغار الباعة وأصحاب السفن على النيل وعمال الصناعات الصغار، ثم بدأ يسطو على ما لدى الناس من ذهب وسكر ومجوهرات بطرق ملتوية لا يمكن أن يرفضوها.
ولم يكن الصغار والفقراء وحدهم من عانى منه؛ بل إن يده طالت الأمراء وكبار التجار أيضاً، ينهب أموالهم بطرق لا تخطر على بال ويودعها خزينة السلطان، بل ووصل به الأمر إلى الاستحواذ على مال الأيتام بحجة أن أخا القاضي القائم على دار الأيتام سرق أموالاً من خزينة المالية التي كان ناظراً لها، فاضطر القاضي لإعطائه ما أراد مرغماً، وكان المبلغ قرابة الستة آلاف دينار هي نصيب بعض الورثة.
ومما كان يذكر عنه أن السلطان أراد فرو السنجاب ذات مرة ولم يكن متوافراً في السوق، وبعدما كبس الفرّائين ولم يجد لديهم مطلبه، جعل يأخذ ما على أقبية الناس وما على كسوتهم وثياب نسائهم، كي يصنع للسلطان ما يريد.
وبعد أن طغى وكثرت الشكاوى التي تصل إلى السلطان في رقع مهربة، خشي السلطان على نفسه وخصوصاً بعدما وصل إليه رسول من نائب الشام لشكواه، واجتمع الناس حول القلعة يدعون على النشو الذي كان مريضاً بالقولنج، فأمر السلطان شرطته بالقبض على النشو وجماعته وهو غير راضٍ، وعندما بلغ الأمر الناس في القاهرة، خرجوا كالجراد المنتشر وأشعلوا الشموع ورفعوا المصاحف على رؤوسهم ونشروا الأعلام فرحاً واستبشاراً.
وفي يوم محاكمته تجمع الناس حوله وأرادوا رجمه وهو في جنزير بعنقه، وكانوا يهجمون عليه هجمة بعد هجمة برغم طرد الشرطة لهم، حينها كان النشو يقاسي أنواع العذاب حتى هلك، فدفن في مقابر اليهود، وجعلوا لقبره حارساً لمدة أسبوع كي لا ينهبه الناس ويحرقوا جثته!
هكذا كانت نهاية الرجل الذي تفنن في ظلم الناس، وإفراغ جيوبهم رغبة في رضا سلطانه، الذي ما إن أحس بالخطر يحاصره حتى تخلى عنه وقدمه كبش فداء سهل المنال للحانقين عليه.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4907 - الجمعة 12 فبراير 2016م الموافق 04 جمادى الأولى 1437هـ
جدا مؤثر
المقال جدا مؤثر وهذه نهاية كل ظالم..الف شكر لصاحبة العمود
وكانك تتحدثين عن دول عربية
مقالك جميل يحاكي واقع اغلب الدول العربية ، شكرا للتاريخ الذي يعلمنا ولكن لا يعلمهم
هل يعتبرون
من يظلم الناس بنتظر عذاب الله في الدنيا قبل الاخرة
..
نهاية كل ظالم
نهاية الظالم عندما تكون على يد المظلوم مخيفة