قال الشيخ محمد صنقور، في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع) في الدراز أمس الجمعة (12 فبراير/ شباط 2016): «بعد مضيِّ أعوامٍ خمسةٍ على الأزمةِ السياسيةِ وما تمخَّضَ عنها من تداعياتٍ انسانيَّة ينبغي ألا تظلَّ مراوحةً في موضعِها، فإنَّ ذلك سيُفاقِمُ من التبعاتِ الإنسانيَّة والتي لا يصحُّ التغاضي عنها، فالسجونُ قد اكتظَّت بأبناءِ البلدِ من مختلفِ الفئاتِ العمريَّة، وعوائلُ السجناءِ وأطفالُهم تسوءُ أحوالُهم المعيشيَّةُ والنفسيَّةُ يوماً بعد يومٍ، وحالةُ التذمُّرِ تتصاعدُ في الأوساطِ نتيجة تردِّي الأوضاعِ الإنسانيَّةِ والأمنيَّةِ، هذا مضافاً إلى ما فرضتْه الحكومةُ على الناسِ من تحمُّلِ أعباءِ تداعياتِ الأزمةِ الاقتصاديَّةِ، كلُّ ذلك ومثله يُحتِّمُ في أعرافِ الدولِ المسارعةَ في التنفيسِ من حالةِ الاحتقانِ، والمبادرةَ إلى إيجادِ حلولٍ جذريَّةٍ تعودُ بالبلادِ إلى حالةِ الاستقرارِ، إذ لا يصحُّ بقاءُ الحالِ على ما هي عليه، ولا يستقيمُ الأمرُ بذلك، ولهذا فإنَّ إطلاقَ سراحِ السجناءِ والدخولَ في حوارٍ جادٍّ مع المعارضةِ سيُسهمُ في الخروجِ من حالةِ الركودِ الذي يُدركُ الجميعُ ضررَه البليغَ على حاضرِ البلدِ ومستقبلِه».

وفي خطبته، قال صنقور: «تمضي الأيامُ والسنونَ والأزمةُ السياسيةُ في البلادِ تُراوحُ مكانَها، فلا الشَّعبُ قادرٌ على التخلِّي عن مطالبِه؛ لأنَّها عادلةٌ وضروريَّةٌ ومُلحَّة، ولا يَظهرُ من الدولةِ أنَّها بصددِ التخلِّي عن سياسةِ الإعراضِ والمُراوحةِ، وذلك هو ما أنتجَ بقاءَ الأزمةِ عالقةً تنتظرُ الأقدارَ التي لا تخضعُ لإرادةِ أحدٍ، وقد تأتي وفقَ رغبةِ طرفٍ دونَ طرفٍ، وقد تأتي على خلافِ رغبةِ الجميعِ، وقد تسيرُ الأقدارُ وفقَ رغبةِ الطرفِ الأضعفِ، تلك هي سُنَّةُ التأريخِ حينَ يُعلِّقُ أطرافُ الخصومةِ آمالَهم على الأقدار، ويَقبلونَ لأنفسِهم أنْ يكونوا منفعلينَ بما حولَهم، فلا يُبادرونَ إلى صناعةِ مصائرِهم بأيديهم، فإنَّ المصيرَ الذي ينتظرُهم لا يكونُ بالضرورةِ وفقَ ما يرجونَ بل غالباً يكونُ على خلافِ ما يأمَلونَ».

وتابع صنقور «لهذا دأبَ علماؤنا وكذلك العقلاءُ في البلدِ على النصيحةِ والدعوةِ إلى أنْ تتعاطى الحكومةُ مع مطالبِ الناسِ بإيجابيَّةٍ، وحينذاكَ يَحسمُ الوطنُ خيارَه بيدِه، فيحظى خيارُه باحترامِ وتقديرِ الجميعِ. وينعَمُ كلُّ أبنائِه بالتعايشِ والأمنِ والاستقرارِ، ولا يشغلُهم سوى اصلاحِ شأنِهم وأحوالِهم والبناءِ لوطنِهم دون أنْ تَمسَّ شئونُهم شئونَ غيرِهم بسوءٍ. تلك هي غايةُ الحراك، وذلك هو خلاصةُ ما يطمحُ إليه الناسُ: التعايشُ والعيشُ الكريمُ والأمنُ والاستقرارُ للجميعِ والحريةُ والعدالةُ والمساواةُ والشراكةُ في صناعةِ القرارِ والبناءِ للوطنِ والضمانُ لمستقبلٍ واعدٍ يقومُ على أُسسٍ وثيقةٍ تقتضي بطبعِها الديمومةَ والثباتَ. تلك هي مطامحُ الناس، وذلك هو ما يأملونه في وطنِهم، ولا يجدُ من أحدٍ مندوحةً تبرِّرُ له التنكر لعدالةِ هذه المطالبِ أو التنكر لضرورتِها ومسيسِ الحاجةِ إليها».

وأوضح صنقور أن «دعوى أنَّ الاستجابةَ لهذه المطالبِ تنعكسُ سلباً على علاقةِ البلادِ بجيرانِها وأصدقائِها لا تصحُّ، فإنَّ أحداً من الناسِ ومن أطرافِ المعارضةِ على تنوعِها لا يخطرُ في رَوعِه الإساءةَ إلى علاقةِ البلادِ بجيرانِها وأصدقائِها، فما يُطالبُ به الناسُ يتَّصلُ محضاً بإصلاحِ شئونِهم الخاصَّة، وهذا المقدارُ لا يشغلُ اهتمامَ الدولِ الأخرى، على أنَّ بمقدورِ الدولةِ لو خلُصت النوايا أن تُبدِّدَ هذه الهواجسَ بيسرٍ عبر قنواتِها. فإنَّها تُدركُ جيِّداً انَّ مطالبَ الناسِ لا تتعدَّى الإصلاحَ لأحوالِهم ومؤسساتِهم الوطنيَّةِ، وأما دعوى أنَّ المطالبَ ذاتُ صِبغةٍ طائفيَّةٍ فهي مجانبةٌ تماماً للواقعِ والمصداقيَّةِ، فإنَّ قليلاً من الإنصافِ والموضوعيَّةِ يكفي لتفنيدِ هذه الدعوى، فإنَّ المطالبَ التي انتدبَ الناسُ لها وطنيَّةٌ بامتياز لا يشوبُها أيُّ لونٍ طائفيٍّ في طبيعتِها وآلياتِها وصياغتِها وغاياتِها ومآلِها، فالناسُ حينَ طالبوا بحقوقِهم لم يُطالبوا بها بصفتِهم ينتمونَ إلأى هذا المذهبِ أو ذاك وإنَّما طالبوا بها بصفتِهم من أبناءِ هذا الوطنِ، وأمَّا الانتماءُ المذهبيُّ فهو شأنٌ شخصيٌّ لكلِّ فردٍ، ولا يسوغُ حرمانُ أحدٍ من حقوقِه الوطنيَّةِ لمجرَّدِ انتمائِه المذهبي، ثم إنَّ شعبَ البحرينِ بمختلفِ مكوِّناتِه أبعدُ ما يكونُ عن الحسِّ الطائفي كما يشهدُ لذلك تأريخُه وعلاقاتُه البينيَّةُ وما هو مشهودٌ له من التسامحِ والعفويَّةِ ومناصرتُه وتعاطفُه مع مختلفِ قضايا الأمةِ الإسلاميَّةِ على اختلافِ مذاهبِها».

وأشار إلى أن «الموضوعيَّةَ قاضيةٌ بالنظرِ في طبيعةِ كلِّ مطلبٍ من مطالبِ الناسِ، وتمحيصِه للوقوفِ على انَّه لو قُدِّر له فتمَّتْ الاستجابةُ له هل سيتمحَّضُ نفعُه لطائفةٍ دون أخرى؟، أم سيعمُّ نفعُه لكلِّ أبناء الوطنِ بمختلفِ طوائفه، فالعدالةُ الاجتماعيةُ والمساواةُ والشراكةُ في اتَّخاذِ القرار وغيرُها كلُّها مطالبُ تعودُ بالنفعِ على مجملِ أبناءِ الوطِن بمختلفِ مكوِّناتِه، فأين هي الطائفيةُ في ذلك؟».

ورأى صنقور أنَّ «دعوى طائفيةَ الحراكِ المطلبي هاجسٌ افتعلَه رجالٌ بعضُهم مسكونٌ بالحسِّ الطائفيِّ والبعضُ الآخرُ وجدَ أنَّ مصالحَه الشخصيَّةَ غيرُ متناغمةٍ مع مطالبِ الناس، ولهذا وذاك عمِلَ هؤلاءِ، جاهدينَ، على استعداءِ طائفةٍ كريمةٍ على طائفةٍ أخرى تحتَ ذريعةِ أنَّ المطالبَ المرفوعةَ تستهدفُ واقعاً الاستضعافَ لأبناءِ السنَّةِ الكرامِ، وقد أعظموا بذلك على اللهِ الفِريةَ وسيلقونَ غِبَّ ما صنعوا يومَ يقومُ الناسُ للحسابِ، وحينَ يأذنُ اللهُ تعالى وتنفرجُ الأزمةُ ويحظى الناسُ كلُّ الناسِ بحقوقِهم سيتبيَّنُ للإخوةِ الكرامِ من أبناءِ السنَّةِ انَّهم كانوا ضحيةً لأراجيفِ هؤلاءِ، وانَّ هواجسَهم لم تكن سوى أوهامٍ نسجها في أدمغتِهم رجالٌ لم تكنْ تشغلُهم سوى مصالحِهم الشخصيَّة، وانَّهم اتَّخذوا منهم جداراً للصدِّ يَدرؤونَ بهم عن مصالحِهم الخاصَّة، وسيُدركونَ انَّهم كانوا أحوجَ شيءٍ لإنجاِز هذه المطالبِ، وأنَّه كان عليهم أنْ يؤازروا إخوانَهم لتعجيلِ الوصولِ إلى هذه المطالبِ العادلةِ التي يعمُّ نفعُها كلَّ أبناءِ الوطنِ بمختلفِ مكوِّناتِه وطوائفِه».