بدأت القوى العالمية جولة جديدة من محادثات سوريا الخميس (11 فبراير/ شباط 2016) تركز على دعوات لوقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات لكن الأجواء كانت قاتمة في ظل عدم إبداء موسكو أي مؤشر على وقف حملة القصف التي تشنها دعما لهجوم كبير جديد للقوات الحكومية.
وفي ظل قول المعارضة السورية إنها لا يمكن أن تقبل هدنة لأنها لا تثق بالروس لا يرى الدبلوماسيون فرصة تذكر لتحقيق تقدم.
كانت أول محادثات سلام بشأن سوريا في عامين قد انهارت الأسبوع الماضي قبل حتى أن تبدأ بسبب الهجوم الحكومي.
والهدف من اجتماع الخميس في ميونيخ بألمانيا إتاحة الفرصة أمام القوى لتنسيق الدعم للمفاوضات الجارية لكنه تحول بدلا من ذلك إلى محاولة يائسة لإنعاشها.
وقال دبلوماسيون إن المحادثات قد تستمر حتى ساعة متأخرة من الليل وسط جدل بين الوزراء بشأن ثلاث قضايا رئيسية: الوقف التدريجي للعمليات القتالية مع تحديد موعد دقيق لوقفها والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة من جانب الطرفين والتزام بعودة الأطراف السورية إلى جنيف من أجل مفاوضات السلام.
وقال دبلوماسي غربي "قد نتوصل إلى شيء ما بخصوص القضايا الثلاث وقد لا نتوصل إلى شيء". ولم يتضح موقف روسيا من ذلك.
وقال دبلوماسي غربي إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يريد وقفا فوريا لإطلاق النار في سوريا. لكن موسكو اقترحت هدنة لن تبدأ إلا بداية الشهر القادم مما يتيح لحلفاء دمشق 18 يوما أخرى للسيطرة على حلب التي كانت في السابق أكبر مدن سوريا.
وعبرت قوى غربية عن أملها في إمكانية الاتفاق على نص يسمح على الأقل بوصول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة.
وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير "نحتاج لانفراجة هنا بطريقة ما".
وأضاف "اليوم سنحاول تحقيق ما لم يتحقق حتى الآن خاصة تحسين توصيل المساعدات للمحاصرين في سوريا وربط ذلك بخطوات أولية لتقليل أعمال العنف بشكل ملموس".
لكن دبلوماسيا غربيا كبيرا أوجز التوقعات المتشائمة بقوله "هذا الاجتماع مهدد بأن يكون بلا نهاية وأخشى أن النتائج ستكون هزيلة للغاية".
وحول التدخل الروسي في المعركة لدعم الرئيس بشار الأسد منذ سبتمبر أيلول الماضي دفة القتال لصالح الأسد. وسحقت القوات الحكومية وحلفاؤها في الهجوم الأخير على مدى الأسبوعين الماضيين مواقع للمعارضة واقتربت من تطويق حلب المقسمة بين سيطرة الحكومة والمعارضة منذ سنوات.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي اجتمع مع كيري قبيل المحادثات إن موسكو قدمت اقتراحات لوقف إطلاق النار وتنتظر ردا من القوى الأخرى. لكن مسؤولين غربيين لا يتوقعون أن تقبل موسكو وقفا فوريا للقصف تطالب به واشنطن.
وقال كيري إنه يتوقع "محادثات جادة".
وأضاف "نحتاج بوضوح في مرحلة ما لتحقيق تقدم بشأن قضايا وصول المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار".
وينظر على نطاق واسع إلى روسيا على أنها لن توقف على الأرجح دعمها لهجوم القوات الحكومية قبل أن تحقق دمشق هدفين رئيسيين: السيطرة على حلب وإغلاق الحدود التركية التي تعتبر منذ سنوات شريان حياة للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وقد يرقى هذا إلى حد أكبر انتصار حاسم في الحرب حتى الآن وربما يضع نهاية لآمال المعارضة في إزاحة الأسد عن السلطة بالقوة وهو هدفهم طوال خمس سنوات من القتال الذي أودى بحياة 250 ألف شخص وشرد قرابة 11 مليونا.
وقال إيفان كونوفالوف مدير مركز دراسات الاتجاهات الاستراتيجية في موسكو "الهدف هو تحرير حلب بالكامل وبعد ذلك إغلاق الحدود الشمالية مع تركيا. ينبغي ألا يتوقف الهجوم- فهذا سيكون بمثابة هزيمة".
وتقود واشنطن حملة جوية منفصلة ضد تنظيم داعش في شرق سوريا وشمال العراق لكنها قاومت دعوات للتدخل في المعارك الرئيسية في الحرب الأهلية السورية في غرب البلاد حيث تقاتل الحكومة في الغالب ضد جماعات مسلحة أخرى.
وترك هذا الساحة للروس الذين يدعمون الأسد ضد جماعات للمعارضة المسلحة تدعمها تركيا ودول عربية والغرب.
وفرق وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر بين منطقتي الصراع الرئيسيتين قائلا إنه سيتعين هزيمة داعش "مهما حدث في الحرب الأهلية السورية".
وفي دليل آخر على التعقيدات في الحرب الأهلية المتعددة الجوانب التي تشارك فيها قوى عالمية وإقليمية قدمت روسيا دعما جويا للمقاتلين الأكراد الذين استولوا على قاعدة جوية عسكرية كانت في أيدي المعارضة السورية منذ 2013.
وتعاون أكراد سوريا مع الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش لكنهم معارضون لتركيا حليفة واشنطن في حلف شمال الأطلسي. ويستغل الأكراد حاليا على ما يبدو تقدم القوات الحكومية لتوسيع الأراضي الخاضعة لهم بالسيطرة على قاعدة منغ الجوية قرب الحدود التركية.
وقال قيادي من مقاتلي المعارضة يدعى زكريا كرسلي من الجبهة الشامية "سقوط مطار منغ جعل الوضع على الأرض محبطا للغاية".
وطرحت السعودية التي تدعم بعض فصائل المعارضة التي تساعد موسكو في هزيمتها فكرة إرسال قوات برية لمساعدة الولايات المتحدة في جهودها ضد داعش. وانتقد رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف ذلك قائلا إن هذا سيجعل الحرب دائمة.
وقال لصحيفة هندلزبلات الألمانية "على جميع الأطراف الجلوس إلى طاولة التفاوض بدلا من إطلاق حرب عالمية جديدة".
وأشار وزير المصالحة الوطنية السوري علي حيدر إلى أن موسكو تلعب دورا على الأرض أكبر من مجرد توفير الضربات الجوية والمساعدة العسكرية قائلا إن وسطاء روسا يساعدون الحكومة السورية في الوصول إلى اتفاقيات مع مسلحين يسعون إلى تسليم أسلحتهم أو الانتقال إلى معاقل تنظيماتهم.
وأضاف في مقابلة مع رويترز "الحقيقة بعدما صار هناك وجود للروس على الأراضي السورية يمكن لهم أن يلعبوا في بعض المناطق دور الوساطة".
وأدى هجوم القوات الحكومية المدعوم بالقوات الجوية الروسية إلى فرار عشرات الآلاف صوب الحدود التركية. وقالت الأمم المتحدة إنها تخشى من أن 300 ألف شخص مازالوا محاصرين في حلب.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في كلمة إن صبر تركيا قد ينفد وإن أنقرة ربما تضطر للقيام بتحرك لكنه لم يذكر تفاصيل عما يقصده بذلك. ودعا إردوغان الأمم المتحدة إلى منع "تطهير عرقي" قائلا إن من الممكن أن يصل 600 ألف لاجئ آخرين.
وتأثرت أوروبا بأزمة اللاجئين حيث يمثل السوريون الأغلبية في أكبر موجة هجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية.
وأعلن حلف شمال الأطلسي عن مهمة بحرية جديدة لمساعدة تركيا واليونان في اتخاذ إجراءات صارمة مع العصابات الإجرامية التي تهرب اللاجئين من تركيا إلى أوروبا بعد غرق الآلاف وقيام مئات الآلاف بهذه الرحلة العام الماضي.
وتستضيف تركيا بالفعل 2.6 مليون سوري ووافقت على المساعدة في منعهم من السفر إلى أوروبا مقابل الحصول على مساعدات. وحذر إردوغان من أن بوسع تركيا أن "تفتح الأبواب" إلى أوروبا للاجئين إذا لم تتلق المساعدة الكافية.
ودعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أنقرة إلى استقبال الفارين من الاشتباكات الأخيرة. ووافق الاتحاد على تقديم ثلاثة مليارات يورو لتحسين أوضاع اللاجئين في تركيا.
وقال موسى إبراهيم عيسى وهو واحد من عشرات الآلاف الذين توافدوا على معبر باب السلامة على الجانب السوري من الحدود "قصفوا حلب فهربنا. في البداية هربنا إلى قرية أخرى. ذهبنا إلى كل قرية. لكنهم يقصفون كل مكان فجئنا إلى هنا".
وأضاف "أمنيتنا الوحيدة من الله هي فتح هذه البوابات".