قال رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي في كلمة له إلى الشعب العراقي اليوم الأربعاء (10 فبراير / شباط 2016) "لقد انتهينا تواً من وضع معايير مهنية نموذجية لاختيار الكوادر المتقدمة لرئاسات الهيئات المستقلة، ووكلاء الوزارات، والمستشارين، والمدراء العامين، وستصبح هذه المواقع متاحة وبشكل مباشر لكل من يمتلك الكفاءة ويجد في نفسه المقدرة على تحمل مسئولياتها".
وفيما يلي نص كلمة رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي إلى الشعب العراقي:
بسم الله الرحمن الرحيم
في البدء يطيب لي أن أهنىء شعبنا الكريم بمناسبة الانتصارات الملاحقة التي يحققها ابطالنا في جبهات القتال، هذه الانتصارات التي تحققت اليوم وخصوصا بفتح الطريق بين مدينتي الحبانية ومدينة الرمادي بعد تحرير هذا الطريق.
أيها الشعب الكريم
منذ أن تشرفنا بتحمل المسئولية برئاسة الحكومة، ورغم التحديات الأمنية الخطيرة واحتلال داعش لثلث مساحة العراق، فقد وضعنا ضمن برنامجنا أهدافاً أساسية، كان موضوع الإصلاح الإقتصادي والماليّ والإداري في مقدمتها، إضافة إلى مكافحة الفساد.
غير أن وتائر العمل ظلت رتيبة، ولم تستجب إلى ما تبنيناه والتزمنا به أمام مجلس النواب وشعبنا العزيز بالعمل عليه، ومن أجل احداث قفزة تحفيز نوعية، اطلقنا ثلاث حزم إصلاحية رئيسية في معالجة الترهل والتسرب في قواتنا المسلحة، وفي تنشيط القطاع الخاص، وتوجت بحزمة الإصلاحات الشاملة في شهر آب من عام 2015 التي باركتها المرجعية الرشيدة وابناء شعبنا، حيث تناولت محاور أساسية ذات صلة بالمفاصل التي ركزنا عليها في البرنامج الحكومي، فتمّت على الفور إجراءات الترشيق في المناصب العليا، وإلغاء عدد من الوزارات ودمج أخرى، وتقليص أعداد الحمايات، وتخفيض رواتب المسؤولين في الدرحات العليا بنسب كبيرة، وإخضاع عقارات الدولة المشغولة من قبل الكوادر العليا والوظيفية إلى الضوابط المعتمدة قانونياً.
كان طموحنا أن تتظافر جهود جميع السياسيين والكتل السياسية والنواب في العمل لتحقيق ما أسلفناه، غير أن ذلك لم يتحقق على نحو وجازم وواضح، وجوبهنا بحملة تشويه لم نرد عليها تغليبا للمصلحة العامة، وقد تزامن ذلك مع انهيار كبير في اسعار النفط في الاسواق العالمية في العام الماضي وكذلك في هذا العام؛ لتهبط الى 85% عما كانت عليه قبل سنتين اي ان ما دخل العراق من ايرادات لايشكل سوى 15% مما كانت عليه سابقا.
ومع ذلك، فإننا ولله الحمد، استطعنا ان نعبر ببلدنا عاماً ونصف العام من الضغط الماليّ، وتحديات نفقات الحرب، وحفظنا البلد من انهيار كان وشيكاً بكل المعايير المالية والاقتصادية، حين اضطر فيها عديد من الدول إلى اعلان خطط قاسية بالرغم من ارصدتها الكبيرة واحتياطياتها الضخمة والتي لايملكها العراق.
وقد اضطرّنا ذلك، إلى تقديم موازنة تقشفية للعام 2016 لتلافي تحميل الخزينة أعباء الاقتراض الداخلي والخارجي. وقد وجدنا فرصة سانحة لتغيير التوجهات في التحرك السريع لدعم حقيقي للقطاع الخاص وايضا الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي، إذ حصل اتفاق مع البنك المركزي العراقي على إقراض المشاريع الصناعية والزراعية والسكنية، وكذلك المشاريع الصغيرة والحرفية وخصوصا شريحة الشباب والذين يحتاجون الى دعم خاص لايجاد فرص عمل حيث بلغت التخصيصات المالية بحدود 6,5 تريليون دينار عراقي لهذه المشاريع مجتمعة. وستطلق استمارة طلب القروض الكترونياً خلال هذا الشهر ان شاء الله تعالى، بإشراف لجنة عليا حرصنا على اختيارها بدقة لضمان النزاهة والشفافية، مع مراعاة خاصة بالاقراض لخريجي الجامعات والشباب.
لقد انتهينا تواً من وضع معايير مهنية نموذجية لاختيار الكوادر المتقدمة لرئاسات الهيئات المستقلة، ووكلاء الوزارات، والمستشارين، والمدراء العامين، وستصبح هذه المواقع متاحة وبشكل مباشر لكل من يمتلك الكفاءة ويجد في نفسه المقدرة على تحمل مسؤولياتها.
وفي مجال الإصلاح الضريبي والكمركيّ، فقد حددنا التزامات مهمة على المؤسسات المعنية، ليس لزيادة الإيرادات غير النفطية فحسب، بل لمحاربة الفساد والفاسدين، وتوفير الحماية والتشجيع للمنتجات الصناعية والزراعية، وستظهر آثار هذه الخطوة خلال الايام المقبلة خصوصا في مجال العدالة على المنافذ الحدودية لجمهورية العراق ومن كل المنافذ.
أما رؤيتنا على المدى المنظور، فقد انتهينا من اعداد دراسة شاملة لإعادة هيكلة الوزارات، حيث ستلغى الحلقات الزائدة كي تنصرف الدولة إلى عملها الحقيقي في خدمة المواطنين، وتسهيل اعمالهم، مع كل ما سيتحقق من خفض متطلبات المواقع الفائضة وبالتالي ينعكس ايجابا على الموازنة العامة للدولة.
ومع حرصنا على ممتلكات الدولة، من أراض وعقارات وغيرها، فسيصار بعد مرحلة الكشف الدقيق عنها خلال الايام المقبلة، إلى الاستفادة منها في مجالات الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص، متزامنة مع العمل الذي يجري حالياً لاعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة، بحيث تصبح شركات رابحة ومنتجة؛ تنعكس آثارها على تحسين وضع العاملين فيها.
وسيصدر خلال الاسبوع المقبل قرار مهم بشأن توزيع الاراضي السكنية للمستحقين من جميع المواطنين في القطاعين الخاص والحكوميّ على حد سواء، في بغداد وفي المحافظات الاخرى، وتتزامن هذا مع توفير الخدمات الاساسية لقطع الاراضي التي توزع للمواطنين حيث يمكن بناء مدن متكاملة مع بنى تحتية صحيحة.
وسيجد من تخصص له الأرض الخدمات الاساسية فيها.
وفي إطار رؤية واضحة للبناء الاقتصادي والتنمويّ تم الاتفاق مع عدد من الدول برفدنا بالمستشارين والخبراء والمهنيين والمتخصصين، ليكونوا الى جانب المستشارين والخبراء العراقيين من اجل تقديم رؤية شاملة باتجاه تنويع الانشطة الاقتصادية واستثمار مواردنا البشرية والطبيعية بشكل صحيح ومتوازن وسليم.
وهنا أتوجه إلى وسائل الإعلام الكريمة لتحمّل مسؤولياتها دفاعاً عن الشعب والوطن في هذه المرحلة المهمة من تاريخ العراق.
أيها الشعب العراقي الكريم
إن تحقيق ما تقدم، وغيره من اجراءات وسياسات، يقتضي تهيئة قاعدة عمل صحيحة تتصدى للفساد أولاً، وان مجلس مكافحة الفساد في طريقه لتبني قرارات مهمة لمعالجة ضعف الاداء خلال المرحلة الماضية، والكشف عن مفاصل الفساد في جميع مرافق الدولة، ولابد لنا من الاستعانة بالخبراء والاستشاريين واساتذة الجامعات لتقويم إدارة الدولة وتحسين ادائها ضمن منظومة الاصلاح الشامل(الاصلاح الاداري والاصلاح المالي والاصلاح الاقتصادي).
كما يقتضي ذلك ايضا، اعادة النظر بمنظومة القوانين التي تنظم الاقتصاد والمال وادارة الدولة من خلال مراجعة شاملة تساند رؤيتنا في أن نجعل من خدمة المواطنين وتنمية قدراتهم وتوفير ظروف عيش مناسبة أهدافاً اساسية في برنامجنا وبرنامج هذه الحكومة.
يا أبناء شعبنا العزيز
لقد تم اختيار السادة الوزراء في الحكومة الحالية على أساس اختيار الكتل السياسية في مجلس النواب كما ينص الدستور على ذلك وضمن التمثيل السياسي وحجم الكتل السياسية في مجلس النواب، وقد اقرها البرلمان على هذا الاساس، غير انني ومن منطلق المسؤولية والمصلحة العليا، ومن مستلزمات المرحلة لقيادة البلد الى بر الامان ادعو الى تغيير وزاري جوهري، ليضم شخصيّات مهنية وتكنوقراط وأكاديميين، وأدعو في هذا الاطار مجلس النواب الموقر وجميع الكتل السياسية للتعاون معنا في هذه المرحلة الخطيرة.
أيها العراقيون الشرفاء
أقول لكم بثقة تامة، اننا وبمؤازرتكم سنتجاوز هذه المرحلة، وهذه المحنة، ونطمئنكم بأننا نملك رؤية واضحة وسياسة تفصيلية للخروج من الأزمة بأقوى مما كنا عليه سابقا.
تحية لأرواح شهداء العراق وعوائلهم المضحية وللجرحى.
تحية للمقاتلين الغيارى صانعي الانتصارات لشعبنا.
تحية للعاملين بنزاهة وإخلاص من أجل وطنهم العزيز.
حفظ الله العراق وشعبه
ومن الله التوفيق
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء
9 شباط 2016